مفهوم السياسة وهدر الكرامة الإنسانية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: يُنظَر الى السياسة على أنها نوع من الفكر والسلوك القيادي، يؤدي بالنتيجة الى مكاسب، بغض النظر عن الطرق والمسالك التي أدت الى تلك النتائج!، إن المكاسب التي تتمخض عن العمل السياسي أمر مفروغ منه، بمعنى أن أي عمل سياسي سوف يؤدي الى مكاسب اذا كان مدعوما بالتخطيط والاستعداد اللازم، ولكن يبقى السؤال قائما عن جملة من الامور منها، ما هو نوع هذه المكاسب، والأهم من ذلك الى من تعود تلك المكاسب؟. وأخيرا كيف تحققت وما هي الوسائل والسبل السياسية التي انتهت بالقائد السياسي الى هذه النتائج؟.

فيما يتعلق بنوع المكاسب، فإنها ينبغي أن تتعلق بفائدة عامة الناس، بمعنى أن أية مكاسب سياسية لا تصب في خدمة المجموع ولا تسند الدولة وأركانها، فهي سياسة تقع خارج الاطار الصحيح أو المطلوب، وسوف تصب في صالح الفرد الحاكم ونظامه وبطانته، وفي هذه الحالة ستكون سياسة فاشلة لا تبني بل تهدّم، كونها لم تراع مصلحة الدولة والمجتمع، بل جعلت من مصلحة النظام والفرد الحاكم على رأس أهدافها، بغض النظر عن الهدف الأسمى للسياسة، وهو الحفاظ على الكرامة الإنسانية.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام): إن (السياسة الإسلامية بُنيَتْ على أسس العدل الكامل.. والكرامة الإنسانية). فعندما تتجاهل السياسة كرامة الانسان، وعندما تفتقر لأسس العدل والمساواة، فإنها تغدو منفذا وطريقا لسياسة الطغيان، لأنها سياسة الحكم المتسلط من خلال القوة الغاشمة المسلَّطة على رقاب ناس ومصائرهم.

وعندما نضع المشهد السياسي العالمي تحت مجهر التفحص والملاحظة، تُرى هل سنجد حضورا لشرط الكرامة الانسانية في السياسة، بل هل سنلاحظ ذلك لدى الانظمة السياسية العربية والاسلامية؟، هل تراعي هذه الانظمة كرامة الانسان المسلم، أم أنها تضع في مقدمة اهدافها حماية مصالحها ونفوذها حتى لو استوجب الامر هدر كرامة الناس؟ الجواب نستطيع أن نأخذه بوضوح من الواقع العربي الاسلامي، لأن سياسة اليوم لا تقدم كرامة الانسان على مصلحة الحكام!.

سياسة هدر الحقوق

على العكس مما هو مطلوب، تنطوي سياسة العصر الراهن على استهتار بقيمة الانسان، وتكاد تشكل هذه الصورة، أو هذه الصفة، فعلا عالميا تتساوى فيه السياسة العالمية بأكملها، حتى في الغرب المتقدم توجد أدلّة على هدر كرامة الانسان، فما بالك بالعالم المتأخر؟!. واذا كان الانسان المتحضر يعاني من سلطة السياسي وطغيانه، فإننا لا نشك لحظة بأن حقوق الانسان تتعرض لموجة من الانتهاك بفعل سياسة التجاوز التي لا تحسب حسابا لقيمة الانسان.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن السياسة بمفهومها المعاصر: (هي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم لـلحاكم والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة لتبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتى الملايين جوراً وظلماً.. هذا هو منطق السياسة التي تمارس في بلاد العالم اليوم).

هكذا هي سياسة عالم اليوم، فالتناحر وحس المؤامرة والتشكيك بالآخر، هو الذي يسود اليوم بين الساسة حتى في البلد الواحد، بمعنى أن الصراع من اجل السلطة وامتيازاتها، أصبح يتقدم على الهدف الأهم ألا وهو كرامة الإنسان، وتمكينه من العيش في ظل حياة حرة كريمة، في حين أن القائد السياسي المسلم، ينبغي أن يكون قائدا ومرشدا للناس في الوقت نفسه، لا أن يجعل أهواءه تتحكم به، فينسى موقعه ومسؤولياته، لأن القائد عليه واجبات تفوق المواطن العادي بكثير، بسبب حجم المسؤولية ونوعها، كذلك عليه أن يلتزم بشرط الحرية، لأن الكرامة والحرية متلازمتان، بمعنى ليس هناك كرامة من دون حرية تامة.

لذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي بأن القائد المسلم: هو (الذي يمارس الإرشاد والتوجيه وسوق العباد نحو عبادة الخالق وحده، ويجب عليه أن يلتزم بشروط، في مقدمتها منح الحرية للناس بجميع أشكالها).

الإنسان وسمة الطغيان

الطغيان بمعناه المعروف يدخل في تركيبة النفس، فالإنسان يحمل في داخلة بذرة الطغيان، فاذا وجدت هذه البذرة تربة مناسبة لها ومشجعة على نموها، سنجد أنها تعلو وتنمو وتصبح صفة من صفات الانسان، تلازمه في كل زمان ومكان، وهو أمر يقوده الى قمع الناس والتجاوز على حقوقهم وحرمتهم وحرياتهم، كيفما كانت حدود مسؤوليته، فإن كان مديرا لدائرة سيكون طاغية متزمتا في قراراته وادارته، متباهيا بسلطته على موظفيه، واذا كان مديرا لمدرسة سوف يسلك السلوك نفسه مع الطلبة والمعلمين، أما اذا كان حاكما على الناس فهنا تكمن الطامة الكبرى، حيث تتحكم به رغباته واهواؤه والضحية سيكون عامة الناس، لانه سوف ينشغل بنفسه وذاته المتضخمة، وبناء سلطته وحماية عرشه، ومضاعفة كنوزه، فيما يتضور الناس جوعا وقهرا وحرمانا، بسبب سياسة الطغيان التي ينتهجها الحاكم!.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، حول هذا الجانب: (إن الحاكم الذي يتخذ من هواه إلها، فإنه تهمه ذاته قبل كل شيء، ولا يكترث إن عصى الله في هذا السبيل، فالمهم عنده توفير ذاته، وتلبية رغباتها وتحقيق احترامها).

لذلك على الانسان أن يتنبّه بصورة جيدة، الى بذرة الطغيان الموجودة في داخله، وعليه أن يحجّم أهواءه ورغباته ويقف بالضد منها دائما، كونها تسوقه في الغالب الى مسالك لظلم الناس، وهدر كرامتهم مقابل تضخيم ذاته وطموحاته التي لن تتوقف عند حد!، هذا الامر يتعلق بعموم الناس، أما اذا كان حاكما، فإن سياسة الطغيان ستلحق أضرارا أكبر وأكثر بمن هم تحت حكمه ومسؤولياته، من هنا فإن سياسة الحكم وادارة شؤون الناس، لابد أن تراعي اولا واخيرا (كرامة الانسان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي عن الانسان: إن (الانسان كائنا من كان يطغى، أو في معرض الطغيان، فيجب ألا يستبد أي شخص بإدارة البلاد، ويجب ألا ينفرد أي إنسان بالحكم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/نيسان/2014 - 22/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م