اطفالنا يبحثون عن عمل

انتصار السراي

 

 انقلاب المعادلات القيمية في بلد كان يعتبر النسيج الاجتماعي الأمثل بين كثير من الشعوب العربية والاسلامية لا سيما بتماسكه الأسري، وتلاحمه المجتمعي، قد أدى إلى ظهور ازمات شتى لم تجد بالرغم من اتساعها عقولا تفهم معنى التخلي عن المسؤولية في حل أي ازمة تعترض طريق بناء دولة حديثة مازالت تأن من وطأة نظام عفلقي لم تقتلع جذره رياح التغيير التي هبت على أرض الرافدين، على الأقل بحل أزمة البطالة التي تعد الهاجس الأكبر الذي يشغل الأغلبية، وقد خلفت أثار سلبية جمة.

 منها أن هوس الحصول على عمل شمل حتى الأطفال دون سن العاشرة! في مشاهد مؤلمة لم تبتعد عن عين ولاة الأمر على السلطة، أو حتى منظمات المجتمع المدني التي تغطي مساحات واسعة من المناطق التي تدرج ضمن الحدود العراقية، والطبيعي ان الرجل البالغ هو من يتجشم عناء البحث عن عمل، يسد رمق اطفاله، لكن الظاهرة المؤلمة هي ان تشاهد الطفل العراقي يزاحم الكبار بسبب شعوره بالحرمان من متعة العيش الرغيد لذا تراه يسعى جاداً ليوفر مبلغ مالي مهما غدا بسيطاً مثل العمل في محلات العصائر أو أفران الصمون حتى ان كان لا يحفظ كرامته كالتسول!!. فضلاً عن ان هناك من الأعمال التي لا يتناسب مع جسمه الغض، ويحتاج إلى قوة بدنية مثل تحميل البضائع،

 التنظيف، تصليح السيارات مما تسبب العبث في نفسية الطفل أو سليقته! ذلك لأنه يسابق الزمن على الاكثر والاكبر من الجهد في سبيل تطوير عمله بغية استحصال مال اوفر، والأمر الأشد مرارة في عراق الغرائب، والعجائب ان هؤلاء الأطفال معرضون بسبب حرصهم الشديد على اللحاق بركب الباحثين عن العمل للاستغلال من قبل اصحاب الضمائر الميتة في عمليات الارهاب أو المتاجرة باعضائهم أو مشاركتهم في اعمال مشبوهة وخطرة جدا وبالتالي نتائجها تأتي وخيمة، نفسياً، وصحيا، وخلقيا!

 ان هناك الكثير من الاطفال الذين قابلتهم من خلال مهنتي الاعلامية عندما سألتهم ما الذي دفعكم للعمل في هذه السن المبكرة؟ كانت أجابتهم تدعو للضحك المبكي على ما آل إليه أطفالنا بعقولهم الصغيرة من فكر هش سيطر عليها، ومنها: *راتب والدي قليل لا يلبي احتياجاتنا، وانا احب ان امتلك جهاز موبايل وبلايستيشن، واكل ما أشتهي، وارتدي ملابس جميلة. *توفي والدي ولدي أخوة صغار ومتطلبات الحياة كثيرة ( ايجار، دواء، أكل، ملابس، متطلبات المدارس من ملازم وقرطاسية...) * توفية والدتي ونحن سبعة اخوة ثلاث بنات، وأربع أولاد تزوج والدي بأخرى وتركنا نعاني الجوع والاهمال فما كان منا جمعيا حتى البنات كلا وجد له طريق معينة ليكسب قوته ومنا من أمتهن التسول! * أحب أكون نفسي فلقد تركت مدرستي الابتدائية لأجل ذلك فاعمل صباح في احد محلات السمكرة، ومساءا في محل لبيع الفلافل.

هذا النزر اليسير من حكايات الصبية ذكرني بلقاء جمعني مع أحدى مسؤولي هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل، والشؤون الاجتماعية حيث أصرت ان الطفولة العراقية بخير، فاجبتها: إذا كان الأمر كما تقولين فكيف ازدادت نسبة أطفال الشوارع؟!

لذلك من المؤلم حقاُ ان يكون أطفالنا في ضياع مستمر والتبجح بنجاح غير ملموس، وواقع يطلب الاغاثة لمرحلة عمرية مهمة في حياة الفرد فيكون التردي هو المحصلة النهائية التي صيرت واقع الطفولة في العراق إلى التهميش والاكتفاء ببرامج خجولة لا ترحمهم حتى من انفسهم التي بدأت تسير إلى بهم إلى الهاوية، ثم كم علينا ان ننتظر حتى تأتي حكومة تضع في حساباتهم تنمية الطفولة وزجها بادوارها الحقيقة... لا أعلم حتى متى؟!

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/نيسان/2014 - 22/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م