قيم التقدم: الإصرار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الإصرار مفردة واضحة كل الوضوح، تعني قوة إرادة الانسان في تحقيق هدف ما، بمعنى هناك علاقة طردية بين الارادة والإصرار، فإذا كانت الارادة قوية كان اصرار الانسان على تحقيق الهدف قويا ويصح العكس، من هنا تعد قيمة الاصرار مهمة في حياتنا كأفراد أو جماعات، فهي النقيض المباشر لحالة اللامبالاة، فضلا عن حالات عديدة، تقف بالضد من قيمة الاصرار، مثل الخمول، والكسل، والتردد وسواه، لذلك ربط علماء النفس قيمة الاصرار، بقوة شخصية الانسان، بمعنى أوضح، كلما كانت شخصيتك قوية متوازنة ومحنكة، كلما كنت اكثر إصرارا على تحقيق أهدافك المرسومة.

في مرحلة الراهن العراقي، نحتاج لشخصية قوية تتحلى بالاصرار دائما، لان المصاعب كثيرة، والمشكلات منتشرة في جميع مفاصلا ومجالات الحياة، أي أن الانسان لا يمكنه ان يصل الى ما يهدف له بسهولة ويسر، حتى لو خطط لذلك بصورة متميزة، وحتى لو امتلك العناصر المساعدة على تحقيق الهدف، لأن المشكلات تتضاعف، وتتوزع على مجالات عدة، وقد يتفاجأ الانسان بمشكلة تعيق عمله، على الرغم من انه خطط ورسم خطوات عمله بدقة، في واقع معقد كالواقع العراقي، يحتاج الفرد طاقة مضاعفة من الاصرار، حتى تتوافر له القدرة على الانجاز، وتدعمه إرادة من طراز خاص، تتجاوز المشكلات المفاجئة أو غير المحسوبة.

قيمة الاصرار لا تنحصر بالعمل في ميدان معين، ولا بمسؤول معين، فالسياسي ينبغي أن يتحلى بقيمة اصرار عالية، حتى ينجح في ادارة شؤون البلاد، وينسحب هذا على المعلم والعامل والطبيب والفلاح وغيرهم، الجميع لابد أن يراعوا قيمة الاصرار، على ان يكون التفريق بين المنهج الخاطئ والصحيح حاضرا، أي لا يصح التمسك بقيمة الاصرار أصلا، إذا كان الهدف الذي يسعى اليه الانسان او الجماعة ينطوي على ضرر، فقيمة الاصرار هنا ايجابية، وتعني حصرا التمسك بالاهداف الجيدة التي تقدم خدمة ما للدولة والمجتمع.

ثمة تساؤل يُطرَح أحيانا، خاصة من شريحة الشباب والطلبة، يتعلق بقيمة الاصرار، والعناصر الداعمة لها، وهل هي صناعة وتحفيز أم أنها مصنوعة اصلا في ذات الانسان، لا شك أن الجانب الوراثي له دوره في تشكيل شخصية الانسان، ليس في هذا الجانب فحسب، إنما بشكل عام هناك تأثير واضح للوراثة لا يستطيع أن ينكره احد، ولكن محفزات الواقع وظروفه، لها دور كبير في خلق قيمة الاصرار في شخصية الانسان وتطويرها بصورة فاعلة ومتصاعدة، من هذه العناصر على سبيل المثال، الجانب المعنوي، وقدرته الكبيرة على مضاعفة قيمة الاصرار، بمعنى أن المعنويات العالية التي يتمتع بها الانسان، تضاعف قيمة الاصرار لديه، وتجعله اكثر تمسكا بها واستفادة منها.

من هنا نلاحظ حالة من الترابط القوي بين الجانب المعنوي والاصرار لدى الانسان، يتضح هذا لدى الفرد او الجماعة على حد سواء، كذلك ما يجعل قيمة الاصرار مضمونة النتائج قيمة التنظيم، بمعنى هناك قيم ايجابية تدعم بعضها بعضا، فالاصرار حتى يحقق الهدف المطلوب منه، ينبغي أن يجد دعما متواصل من قيم اخرى مثل التنظيم ورفع الجانب المعنوي، حتى تتشكل لدى الانسان قدرات اضافية في المجال الذي للتفوق فيه.

لذلك يتم اعتماد قيمة الاصرار على نحو دائم من اجل تحقيق الاهداف المطلوبة، على أن تتحول الى قيمة سلوكية اخلاقية في الوقت نفسه، بمعنى لا يجوز للانسان ان يصرّ على الخطأ، فقيمة الاصرار، حتى تعطي ثمارها الصحيحة، ينبغي أن تنحصر في المجالات التي تخدم الانسان وتطور حياته، وتجعله اقرب للنجاح، وينسحب هذا بطبيعة الحال على الجماعة والمجتمع بصورة عامة.

لدينا امثلة على الشعوب ذات الاصرار العالي المدعوم بالتخطيط والتنظيم، منها مثلا، الشعب الياباني، هذا الشعب يتميز بالتمسك الهائل بقيمة الاصرار، معتمدا على التخطيط والتنظيم، يظهر ذلك في حياة الشعب الياباني الذي تسلق قمة الدول والمجتمعات المتقدمة، ولعلنا نتذكر بإعجاب كيف تعامل هذا الشعب مع كارثة الاشعاع النووي في كارثة فوكوشيما وهي الكارثة التي تطورت بعد زلزال اليابان الكبير في 11 مارس 2011 ضمن مفاعل فوكوشيما 1 النووي. 

إن قيمة الاصرار تقود الفرد والمجتمع الى التفوق في حياته، لكننا لا نعطي هذه القيمة ما تستحق من اهتمام، لذا منذ الآن مطلوب منا أن نؤمن بهذه القيمة، ونمنحها ما تستحق من الاهتمام، كأفراد وكجماعات، حتى ننتقل الى مراتب أعلى وأفضل في سلم التقدم العالمي المتسارع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/نيسان/2014 - 21/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م