الخلافات الخليجية... رأب الصدع يتطلب أكثر من الصلح

 

شبكة النبأ: تحاول دول الخليج، بوساطة كويتية، رأب الصدع وتقليل حدة الخلافات، بصلح خليجي مفترض بين حلف السعودية والامارات والبحرين الموجه ضد قطر، والخلاف المعلن حول قضايا دعم الاخوان والشأن السوري والاعلام وغيرها.

وفيما اشارت التصريحات الأولية عن تفاؤل خليجي بقرب طي صفحة الماضي، والمضي قدماً في علاقات ودية جديدة، رأى بعض المحللين الى ان الازمة الخليجية أكبر من مجرد سحب سفراء لاختلاف في وجهات النظر سرعان ما تحل ودياً عن طريق الحوار والتشاور، ثم يتم إعادة السفراء من جديد وتنتهي القضية بسلام، وكان امراً لم يحدث.  

اذ ان الخلاف السعودي القطري، هو خلاف جوهري يعكس اختلاف وجهات النظر حول السياسية الخليجية العامة التي يجب اتباعها في منطقة الشرق الأوسط ككل وليس حول التفاصيل الجزئية لهذه السياسية.

من جانب اخر، فان إعادة ترتيب الأوراق الخليجية، لا يعني بالضرورة انه نابع من قناعات شخصية للحكام بضرورة التوحد او عبور الخلافات، بل هي تتم بالغالب، كما يرى الكثير من المختصين في الشأن الخليجي، لقناعات مصلحية، سرعان ما تتقاطع، لتصل نقطة الانفجار من جديد.

ويبدو ان الكويت تدرك هذه المسالة جيداً "أي حجم الخلافات الكبير بين السعودية وقطر"، لذلك قامت بترحيل الازمة لما بعد القمة العربية التي عقدت على أراضيها مؤخراً، لتعطي فرصة أكبر للدبلوماسية الناعمة والتحذيرات والضغوط الخارجية، ان تفعل دورها في صلح ربما لن يكون الأخير، ولا يرضي طوح الأطراف الخليجية.

وعليه يرى أغلب المحللين دول الخليج تعرضت في الاونة الأخيرة الى سلسلة من الانتكاسات السياسية والدبلوماسية تمثلت بالاتفاق النووي بين ايران خصمها اللدود والقوى العالمية الكبرى، إضافة الى التراجع الكبير في العلاقات الخليجية الاميركية على خلفية الربيع العربي والنفوذ الإيراني والوضع في سوريا والعراق وغيرها من الملفات، جل هذه القضايا اخذت تلقي بظلالها على التوازن السياسي والامن الإقليمي في منطقة الشرق الاوسط.

محاولة حل الخلاف

فقد اتخذت دول الخليج العربية خطوة على طريق حل الخلاف الشديد الذي وقع بينها من خلال الاتفاق على آليات لتنفيذ اتفاق أمني توصلت إليه هذه الدول العام الماضي، وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين قد سحبت سفراءها من قطر في الخامس من مارس آذار متهمة الدوحة بعدم التقيد باتفاق أبرم في نوفمبر تشرين الثاني دعا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في المجلس.

وأدت هذه الخطوة التي لم يسبق لها مثيل- وقال محللون إن سببها الحقيقي هو دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين- إلى تعقيد جهود الخليج للتعامل مع الفوضى التي تشهدها المنطقة ولا سيما في سوريا ومصر.

وقالت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في بيان إن وزراء خارجية المجلس اجتمعوا في الرياض لإجراء مراجعة شاملة للتدابير المستخدمة في تطبيق السياسات الخارجية والأمنية.

وأفاد البيان أنه "تم الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله ودون المساس بسيادة أي من دوله"، وأضاف أن الوزراء أكدوا أن دولهم وافقت على آليات تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الرياض في 23 نوفمبر تشرين الثاني ولم يتم الإعلان عنه قبل سحب السفراء الشهر الماضي.

ولكن البيان لم يتضمن أي إشارة إلى احتمال عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، كما لم يتضح على الفور ما إذا كان الاتفاق سيجعل قطر توقف دعمها للإخوان المسلمين، وفي وقت سابق قال مسؤولون خليجيون إن السعودية والإمارات والبحرين تريد أن يتوقف أي دعم مالي أو سياسي للجماعة كي ينتهي الخلاف.

وأعلنت السعودية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في خطوة أعقبت إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين العام الماضي عقب احتجاجات حاشدة، وتقيم بعض قيادات الجماعة في قطر واستطاعوا بث آرائهم عبر وسائل الإعلام القطرية. بحسب رويترز.

وتبدي السعودية والإمارات استياءهما على وجه الخصوص من إيواء الدوحة لرجل الدين البارز يوسف القرضاوي الذي يوجه لهما انتقادات، وتفرد قناة الجزيرة القطرية والتلفزيون الحكومي القطري مساحة منتظمة له للظهور على شاشاتهما.

ولكن قطر أصرت على أن سياساتها الخارجية "غير قابلة للنقاش" واستأنف القرضاوي إلقاء خطبه الدينية بعد توقف، ولكن السعودية قالت إن على الدوحة أن تغير سياساتها كي تنهي هذا الخلاف، وتعمل الكويت العضو في المجلس على التوسط في الخلاف.

من جهته قال مسؤول كويتي إن بلاده تتوقع خطوات إيجابية لحل خلاف بين قطر وثلاث دول خليجية وقد تشمل قرارا بإعادة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة، وأبرز الطابع العام للنزاع حدة الانقسامات التي تبقى عادة وراء الكواليس في مجلس التعاون الخليجي.

وقال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله للصحفيين إن خطوات إيجابية جدا ستتخذ فيما يتصل بهذا الخلاف معبرا عن أمله أن يحدث ذلك قريباً، وأضاف أن إعادة السفراء ستكون جزءا من هذا الاتفاق مضيفا أن دول الخليج تريد إصلاح العلاقات "الأخوة" فيما بينها.

وقال دبلوماسي من دولة عربية خليجية طالبا عدم نشر اسمه إن الكويت وهي أيضا عضو في مجلس التعاون الخليجي تعتزم تقديم حل للجانبين قريبا، وأضاف أن السعودية قالت إن قطر ينبغي ان تقدم تنازلا حتى يمكن بدء المحادثات، وأثناء القمة العربية في الكويت حث أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الدول العربية على التغلب على خلافاتها للتعامل مع المخاطر الإقليمية "الهائلة".

مشكلة القرضاوي

من جانبه قال الشيخ يوسف القرضاوي إنه سيستأنف إلقاء خطبة الجمعة بعد انقطاع استمر عدة أسابيع، ونفى الداعية الإسلامي الذي أثارت خطبه النارية توترات بين الدوحة وجيرانها أن يكون أسكت بسبب التوترات الدبلوماسية.

والقرضاوي رجل دين ولد في مصر ويقيم في قطر ومعارض للسلطات في السعودية والإمارات، وقال إن توقفه عن إلقاء خطبة الجمعة كان لأسباب شخصية ولا علاقة بالوضع الراهن، وقال القرضاوي الحاصل على الجنسية القطرية ردا على سؤال عما إذا كان يعتزم مغادرة قطر لتخفيف الضغوط على الحكومة إنه لا يعتزم ذلك.

وكانت الإمارات استدعت السفير القطري في فبراير شباط بسبب ما قالت إنه إهانات وجهها القرضاوي من خلال قناة تلفزيونية قطرية رسمية انتقد فيها دولة الإمارات قائلا إنها معادية للإسلام.

ولم تؤد هذه الخطوة إلى ردع القرضاوي على ما يبدو، فقال في خطبة ألقاها بعدها بفترة قصيرة وخاطب فيها حكومة الإمارات فيما يبدو إنه ما دام المسؤولون في الإمارات غضبوا من كلام مقتضب قاله فماذا إذا خصص خطبة كاملة عما قال إنها فضائحهم وظلمهم.

وهون القرضاوي في تصريحاته من الخلاف بين قطر والسعودية قائلا إنه سيحل قريبا، ولم يخض في التفاصيل، لكنه استمر في انتقاد الدعم المالي الذي تقدمه الإمارات والسعودية لمصر منذ أعلن الجيش عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين بعد احتجاجات شعبية على حكمه.

وقدمت الدولتان بين عدة دول عربية في الخليج منذ الإطاحة بمرسي مساعدات تقدر بمليارات الدولارات للقاهرة شملت بناء مستشفيات ومدارس ووحدات سكنية، وقال القرضاوي إنه لم تنفق أي من الأموال التي قدمتها الإمارات والسعودية لمصر لتحسين حياة الشعب المصري.

هجوم اماراتي

فيما اعتبر المسؤول الأمني في إمارة دبي الفريق ضاحي خلفان، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل حول الإخوان المسلمين، قطر "جزءا لا يتجزأ من الإمارات"، وأثار موقفه هذا الذي نشره على تويتر الكثير من الردود.

ونشر نائب رئيس الشرطة والأمن في إمارة دبي الفريق ضاحي خلفان، المعروف بمواقفه الحادة تجاه الإخوان المسلمين، سلسلة من التغريدات التي اعتبر فيها قطر "جزءا لا يتجزأ من الإمارات".

وكتب خلفان في تغريدة على تويتر "قطر جزء لا يتجزأ من الإمارات"، كما طالب "باسترداد قطر"، وقال خلفان "أول من سماها الدوحة نحن أيام ما كانت تحت سلطة مشيخة أبوظبي"، وكرر مرارا أن قطر كانت تحت سلطة مشيخة أبوظبي قبل أن يحكمها آل ثاني.

وكتب "الله يرحم جدي تميم بدوي لما ذهب في حملة بني ياس (تجمع قبائل يضم الأسرتين الحاكمتين في أبوظبي ودبي) من ليوا وجد هو ومن معه قطر مدوحة فسموها الدوحة وأصبحت دوحتنا تحت سلطة شيخ بوظبي".

واعتبر خلفان أن "80 بالمئة" من الأسر القطرية هي إماراتية في الأصل، وأن "سيناريو إعطاء المواطن القطري جواز سفر إماراتي، وهذا حق من حقوقه، سيعيد لنا دوحتنا وسيجمعنا بأهلنا في الدوحة الحبيبة".

يعتبر خلفان رأس حربة في الحرب الإلكترونية الدائرة، خصوصا عبر تويتر، بين مغردين مناوئين للإخوان المسلمين وقطر، وآخرين مؤيدين للجهتين، وسبق أن شن خلفان حملات متتالية ضد الداعية المصري القطري يوسف القرضاوي الذي يعد من أهم رموز الإخوان المسلمين.

ووجه خلفان سهامه أيضا إلى المفكر عزمي بشارة الذي يدير مركز دراسات في الدوحة، ويتهمه المناوئون للسياسة القطرية بأن له تأثيرا كبيرا على صناع القرار في الدوحة.

وأشار المسؤول الأمني الإماراتي مرارا إلى الضرر المفترض الذي يتسبب به القرضاوي وبشارة للعلاقات الخليجية، وقال "المفروض أن يكون عندنا تلاحم ولا ندع قرضاوي وعزمي وكل الجماعات المتطرفة موجودة في خليجنا، ما يضرنا يضر قطر".

وتراوحت الردود على تغريدات خلفان بين المؤيدة والمهاجمة بشدة، وشبه بعض المغردين خلفان بصدام حسين عندما قال إن الكويت هي المحافظة العراقية الـ19، وكتب مغرد كويتي "صدام يوم قال الكويت المحافظة 19 عقبها صارت أيامه معدودة".

خلافات بشأن سوريا

من جانب اخر رفضت قطر تقارير عن وجود تنافس مع السعودية بشأن الجهود الرامية لإنهاء الحرب السورية قائلة إن البلدين وهما أكبر داعمتين عربيتين لقوى المعارضة بينهما أعلى مستوى من التنسيق.

وذكر دبلوماسيون ومصادر من المعارضة أن هناك توترا بين الجماعات التي تدعمها كل من قطر والسعودية داخل الائتلاف الوطني السوري المعارض وأن البلدين تدعمان جماعات مسلحة مختلفة على الأرض.

وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن وزير الخارجية خالد العطية "نفى الشائعات" بشأن وجود خلاف بين الرياض والدوحة بشأن سوريا في كلمة له في منتدى مفتوح في بروكسل، ونقلت قنا عن العطية قوله "في الملف السوري نحن على أعلى مستوى من التنسيق مع مجموعة أصدقاء سوريا وبالأخص المملكة العربية السعودية".

ويقول دبلوماسيون ومصادر بالمعارضة إنه في حين أن قطر تدعم الجماعات المسلحة المعتدلة التي تلقى أيضا مساندة السعودية والغرب فإنها تدعم أيضا جماعات أكثر تشددا تسعى لإقامة دولة إسلامية متشددة.

وتقول مصادر المعارضة إن الخلافات المزعومة تقوض جهود المعارضة لقتال قوات الرئيس بشار الأسد، ويقول المعجبون بالسياسة القطرية في سوريا إن السعودية تميل إلى دعم نفس الجماعات المسلحة التي تدعمها قطر، وتتعرض قطر لضغوط شديدة من السعودية للحد من دعمها للإسلاميين من جميع المشارب.

وتنفي قطر بشدة التدخل في شؤون دول الخليج العربية قائلة إن الاختلافات مع جيرانها تتعلق بالتطورات في المنطقة العربية في إشار إلى مصر حيث تساعد السعودية الحكومة المدعومة من الجيش وتعبر قطر عن دعمها لقوى المعارضة الإسلامية، ورفض العطية مطالب الدول الثلاث بتغيير سياستها الخارجية واصفا استقلالها بأنه غير قابل للتفاوض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/نيسان/2014 - 20/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م