تضخيم مبررات التسلّط وتمييع ارادة الجماهير

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يتساءل المواطن في بلادنا الإسلامية، العربية منها وغير العربية، عن سبب عدم اكتفاء رئيس واحد بفترة الاربع سنوات المحددة وفق النهج الديمقراطي، والتنحّي بعد الانتخابات، كأن يكون رئيس وزراء يصل الى منصبه من خلال السياقات البرلمانية، أو يكون رئيساً للجمهورية ينتخب بالاقتراع المباشر؟.

معظم هؤلاء الزعماء – إن لم نقل جميعهم- لم يكتفوا بفترة رئاسية واحدة، إنما بذلوا جهوداً وما يزالون لتكرار تجربة الحكم لمرة ثانية، بل ذهب البعض منهم أبعد من ذلك، عندما تجرأ لتجاوز النهج الديمقراطي بفترة ثالثة!. علماً أننا لم نسجل في أي بلد قاعدة جماهيرية عريضة تكن الحب والولاء لهذا الزعيم او ذاك الرئيس، بما يسوغ له اتخاذا مثل هكذا خطوة، بل العكس، حيث نجد جماهير الشعب، وقبل التفكير بأن يكون لها رأي حول هذا وذاك، تكابد شظف العيش وتواجه الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

أغلب الباحثين في العلاقة بين المجتمع والدولة، يرون وجود ترسبات الزعامة والتسلّط في الثقافة الشرقية، هي التي تغذي الرغبات الجامحة للبقاء فترة أطول في السلطة. فالجذور التاريخية لها دور مباشر في تكريس هذه النزعة النفسية، لاسيما وأن عامل التقديس يضفي المشروعية على أي مطالبة من هذا النوع، وهذا مستمدٌ من فكرة "الخلافة الإسلامية" أو "الإمارة" التي شهدت تطبيقات خاطئة في العهود الماضية، حيث ابتعدت هذه الفكرة الأصيلة عن واقعها الصحيح، بمسافات بعيدة، عندما تحول الحكم الى ملك العضوض، ولم يعد للشعب او جماعة من الناس، وعلى أي أرض يكونون، أي دور في عزل او تنصيب هذا الأمير أو ذاك الوالي والحاكم، كما كان الحال في عهد أمير المؤمنين، عليه السلام.

ومن نافلة القول: ان معظم الساسة في بلادنا، من المتخرجين من مدارس علمانية وليبرالية وقومية، ويدعون الحداثة والتغيير والتطوير في الانظمة السياسية، فانهم – ربما من حيث لا يشعرون- يحملون معهم شائبة حب السلطة والجاه من العهد العثماني الذي كان انفصامه عن القاعدة الجماهيرية أحد أهم عوامل انهياره. فاذا كان الحكام العثمانيون يمارسون الاستبداد السياسي باسم الدين، فان الساسة المتنورين في عصر الحداثة، يمارسون نفس النهج باسم الايديولوجيا الحزبية.

واذا لاحظنا محاولات من هذا القبيل في بلاد مثل ايران خلال عهد الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني، وفي تركيا اليوم، وايضاً في الجزائر، نجد أن قدسية جديدة أضفيت على أمور وقضايا حساسة تثير اهتمام الناس وتتصل بمصائرهم ومستقبلهم، مثل الامن والاقتصاد، فمجرد وجود خطة خمسية – مثلاً- لإعادة الحياة الى اقتصاد مريض ومتهالك، من شأنه ان يجعل الرئيس، فارس أحلام الجياع والباحثين عن لقمة العيش والسكن الرخيص. نفس الامر ينسحب على الامن.. حيث مجرد وجود هاجس الرعب من جماعات ارهابية او خطر خارجي محدق، من شأنه ان يجعل الرئيس سور حصين أمام الأعداء.

هذا الوضع تحديداً، يجعل الخبراء والباحثين يعززون من شكوكهم في مجمل سياسات الزعماء – الضرورة- في بلادهم، فأي خطوة او مبادرة في الاصعدة كافة، تكون محاطة بشكوك التوظيف والتجيير، حتى وإن كانت على صعيد خطير مثل الامن والدفاع، فكون البلد مهدداً في ابنائه وقدراته وثرواته، فان المطلوب بالدرجة  الاولى مزيد من قوة العلاقة بين المجتمع والدولة، او بين جماهير الشعب وبين رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.

وابرز مثال على ذلك، ايران، التي تعيش حالة التعبئة ضد التهديدات الخارجية، منذ تشكيل اول نظام جمهوري على انقاض النظام الملكي، عام 1979. كذلك الحال في العراق، حيث تواكب الجماعات الارهابية، العملية السياسية برمتها منذ الاطاحة بنظام صدام والى أجل غير معروف. ويبدو ان سخونة الحملة الانتخابية في العراق جعلت رئيس الوزراء صريحاً الى أبعد الحدود، عندما هتف في احتفال للتحشيد الانتخابي، أنه "لولا الجيش والقوات المسلحة لما كنّا اليوم نجتمع هنا، ولا كنا في بغداد.."!. وهو بذلك ينتقد من يقلل من اهمية الجيش في محاربته الارهاب، بما يعني أن وجوده كقائد للقوات المسلحة، من شأنه ان يعزز صفوف المواجهة ضد الجماعات الارهابية، لاسيما بعد ظهور جماعة "داعش" كإسم جديد في ساحة الصراع، وهي تستفيد من ظروف وأجواء  عدة، لتضخيم حجمها ودورها في زعزعة الامن والاستقرار في العراق.

نفس الامر ينسحب على الجانب الاقتصادي، حيث تعيش معظم بلادنا الازمات المعقدة والمتشابكة، من بطالة وتضخم وتراجع في الناتج المحلي، وعندما تكون اقتصاديات بلادنا مرتبطة بشكل كبير بمؤسسات  الدولة، ولا تتبع منهج الانفتاح الى الاستثمار الداخلي وتشجيع الابداع والانتاج المحلي، فمن الطبيعي أن يكون الناس في حالة استنفار وتعبئة، مشابهة لحالة الحرب، الامر الذي يجعل وجود "الرجل القوي" ضرورة حياتية على أمل حل بعض هذه الازمات، من خلال برامج اقتصادية او خطط تنموية، او حتى بحلول ترقيعية تفيد البعض لفترة معينة، مثل توفير فرص العمل في مؤسسات الدولة، كما هو شائع في العراق، حيث بلغت ارقام الذين يتقاضون رواتب شهرية من الدولة، الى حدٍ مذهل فاق الارقام الموجود في بلدان تفوق العراق في عدد السكان.

ان نزعة البقاء فترة أطول على كرسي الرئاسة، لا يعمق الهوّة بين الحاكم والشعب فقط، إنما يهدد التجربة الديمقراطية برمتها بخطر الفشل والانهيار، عندما يكون اختزال الامن والاستقرار والرخاء الاقتصادي وحتى ترسيخ مبدأ القانون، في شخص واحد، في حين يفترض ان تقدم الديمقراطية حالة التعددية والتنوع في التجارب والخبرات والافكار. فهل من المعقول ان يكمن كل ما يحتاجه الناس في شخص واحد او جماعة معينة؟ فأين العقول والابداعات؟، واين العلماء في المجالات كافة، الذين درسوا وبحثوا في السياسة والاجتماع والاقتصاد والقانون وغيرها؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/نيسان/2014 - 20/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م