هل تحدّث دستور جمهورية العراق عن تداول السلطة؟ اين؟ وكيف؟.
قبل الإجابة على هذا السؤال، اود ان أتطرق الى الملاحظات التالية:
اولا: ان واحدة من اهم فوائد تداول السلطة، هي تغيير فريق العمل
الذي يقود الحكومة، خاصة المستشارين والموظفين الذين يحيطون بالرئيس او
برئيس الحكومة، والذين يطلق عليهم مصطلح (البطانة) وهم المجموعة الخاصة
التي يعتمد عليهم المسؤول بشكل مباشر في إدارته ورسم سياساته، الذين
يسرّهم في الصغيرة والكبيرة، ويعود اليهم في كل شيء، فتغييرهم يعني،
بالتالي، تغيير العقلية والأسلوب والأدوات، فتداول السلطة ليس لتغيير
الشخص فقط، رئيس الحكومة، وإنما لتغيير الفريق بالكامل، والا فلو اكتفى
المفهوم بتغيير الشخص، فليس في الامر اية فلسفة، وان من الخطأ شخصنة
الدولة، اي ربط مصيرها بشخص، فسنتصور ان تغييره سيغير كل شيء، ابدا،
فالأمر ليس كذلك.
يجب ان نعي فلسفة الامور ومعاني المصطلحات، والا سنظل ندور في حلقة
مفرغة لا تنتهي، ولا تُخرجنا من واقعنا المرير.
في البلاد الديمقراطية، يسعى الزعيم، أكان رئيس الجمهورية او رئيس
الحكومة، لتغيير فريق عمله اذا ما أعيد انتخابه لدورة دستورية ثانية،
فما بالك اذا كان يتسنم موقعه لأول مرة؟.
لقد غير الرئيس باراك اوباما فريق عمله عندما انتخبه الشعب
الاميركي لدورة رئاسية ثانية، على الرغم مما حققه من نجاحات وإنجازات
في دورته الرئاسية الاولى، يشهد لها وبها الجميع، الا انه غيّر جل فريق
عمله تقريبا، وزراء الادارة، خاصة الوزارات السيادية، ليغير بذلك أعضاء
مجلس الأمن القومي، كما غيّر، كذلك، مستشاريه واغلب الموظفين في البيت
الأبيض، وعلى وجه الخصوص الموظفين الاستراتيجيين والمحوريّين، لماذا؟.
ان المسؤول، اي مسؤول، لا يتعدى ان يكون احد اثنين، فاما انه مسؤول
فاشل، ولذلك فان عليه ان يغير فريق عمله ليحسّن من أدائه في الدورة
الثانية، او انه كان ناجحا، فيغير فريقه ليضاعف من نجاحاته، وان ما
يدفعه الى ذلك هو حرصه الشديد على تحقيق افضل الإنجازات قبل ان يترك
موقعه ويرحل، وهو لا يندفع الى ذلك الا اذا كان وطنيا من الطراز الاول،
يحب بلده وشعبه، عنده إعتبار الخدمة العامة فوق اي اعتبار آخر.
اما في العراق، فان السيد رئيس مجلس الوزراء لم يغير احدا من أعضاء
فريق عمله في دورته الدستورية الثانية الا اللمم، وأصر على الإبقاء
عليهم، ربما غيّر مواقعهم ولكنه لم يستبدلهم، واقصد مستشاريه وموظفيه
الخاصين في مجلس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة وجل
القيادات الأمنية والعسكرية، هذا على الرغم من معرفته بحقيقة
(إنجازاتهم) المتواضعة جدا، ان لم نقل معرفته بفشلهم، وكذلك على الرغم
من كثرة النصائح التي وجهها له القريب والبعيد، وجلهم مخلصون يحبون ان
يروه ناجحا، ولكنه يصر على الإبقاء عليهم، وكأنه يتعمد الفشل، لماذا؟
لا ادري!!.
ان إصراره على عدم المساس بفريق عمله، جعله يصدق عليه القول
المعروف انه (يرسم نهاياته بمستشاريه) وتلك هي الطامة الكبرى.
هنا تكمن اهمية فلسفة تداول السلطة، من اجل ان لا نستنسخ الفشل
الواحد تلو الاخر.
ثانيا: مهما كتبت وكتب غيري عن الانتخابات وما ينبغي ان تكون عليه
النتائج، وربما ينبري البعض لتشجيع الناخب على اختيار هذا المرشح وعدم
التصويت لذاك المرشح، مع كل هذا وذاك، يبقى الخيار بيد الناخب، فهو
المسؤول الاول والأخير، وان من يختاره ويصوت له ويمنحه ثقته هو النتيجة
الحقيقية للانتخابات، اية انتخابات، ولذلك فان على الناخب ان يدقق
ويتفحص ويسأل ويستفسر ويغربل، قبل ان يدلي بصوته، فهو المسؤول الاول،
وهو الذي سيرسم، بصوته، معالم مجلس النواب الجديد والحكومة القادمة.
ان الناخب هو الذي سيقرر ما اذا كان يريد التغيير نحو الأفضل؟ ام
انه يريد الإبقاء على الحال الذي عليه العراق الان؟ فإذا اختار نفس
الوجوه ونفس الاسماء ونفس الأشخاص، فهذا يعني انه لا يتمنى التغيير،
ولذلك فانه سوف يُلقم حجرا اذا ما (دَرْدَمَ) مرة اخرى او تذمّر وتضجر،
اما اذا حجب ثقته عن العناصر الحالية واستبدلهم بآخرين، فهذا يعني انه
عازم على التغيير ومصمم على تنفيذ فكرة تداول السلطة.
الذي اريد قوله، هو ان مسؤوليتي تنحصر في تقديم رؤية عن العملية
الانتخابية والديمقراطية وما ينبغي ان تكون عليها النتائج لتحقيق
التغيير، وليس فرض رؤية على احد ابدا، فهذه ليست مسؤوليتي.
يبقى الخيار النهائي بيد الناخب حصرا، ولا يحق لاحد تضليله ابدا،
مرشحا كان ام غيره. |