لا يوجد شخصية في التاريخ كشخصية سيد البشرية وخاتم الأنبياء
والمرسلين سيدنا محمد (ص)، صاحب المواصفات الأخلاقية العظيمة الخاصة
حسب مواصفات الخالق عز وجل حيث قال تعالى: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).
وليس هناك في تاريخ البشرية سيدة كالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)
سيدة الأكوان صاحبة المقام الكبير والشرف العظيم بأنها الامتداد
الطبيعي الوحيد المبارك لنسل ذرية الرسول محمد (ص)، وقد أنزل الله
تعالى سورة كاملة حول ذلك سورة الكوثر: ((انا اعطيناك الكوثر)). وقد
قال رسول الله (ص) بحقها الكثير من الكلمات التي تؤكد على مكانتها
ومنزلتها حيث قال: "فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبَيّ". وقال: "فاطمة
بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبني". وقال: "فاطمة سيدة
نساء العالمين".
وكانت هناك علاقة مميزة بين السيدة فاطمة الزهراء (ع) ووالدها
الرسول (ص)، فالرسول الأعظم محمد (ص) حبيب رب العالمين، هو الحبيب
القريب للزهراء سيدة نساء العالمين، كما ان ابنته الزهراء حبيبته أهم
شخصية نسائية في حياته، ومقدمة على زوجاته والآخرين، وهناك دلائل
وشواهد وتقارير وروايات تؤكد وتدل على مقدار محبة وعشق الرسول لابنته
السيدة الزهراء (ع)، وما العجب والله يرضى لرضاء فاطمة الزهراء!.
لا شك ان لحظة ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع) لحظة عظيمة وبالخصوص
على الرسول الأعظم (ص)، وعلى العالم لأنها سيدة نساء العالمين والرحمة
والكوثر، والمثل الأعلى والقدوة الحسنة، وتمثل منعطفا تاريخيا مهما في
تاريخ البشرية بشكل عام، وفي حياة والدها النبي محمد (ص) بشكل خاص،
بسبب ما لشخصية السيدة الزهراء (ع) من دور ومواقف مؤثرة ـ من خلال تحمل
المسؤولية والتصدي للرسالة والشراكة الحقيقية في بناء المجتمع الإسلامي
والإنساني النموذجي.. وحمل راية المطالبة بالحقوق الحدث المهم في تاريخ
الإسلام والبشرية، تاركة خلفها تراثا وآثارا لمدرسة متجددة.. لازالت
قائمة ومؤثرة لغاية اليوم والمستقبل.
ببزوغ ولادة فاطمة الزهراء (ع) ولد النموذج الأفضل والأكمل
بالمقاييس السماوية للبشرية، النموذج الذي خلق ليبقى طوال التاريخ
شاهدا على حسن تربية الرسول محمد (ص) الذي هو تربية الله إذ قال: أدبني
ربي فأحسن تأديبي. نموذج للإنسان (ذكور وإناث) القادر على صناعة
المجتمع والأمة، لأنها أم الإنسان التي جسدت في حياتها كل ما تعنيه
كلمة الإنسان الرسالي الواعي من الاتصاف بالإيمان والأخلاق، والعلم
والمعرفة، وممارسة الحرية وتحمل المسؤولية الدينية والزوجية والأمومة
والاجتماعية والسياسية، ورفع راية المطالبة بالحقوق ومواجهة الظلم
والظالمين، وعدم السكوت عن المطالبة بالحق،.. ليكون هذا النموذج الراقي
(شخصية فاطمة الزهراء) حيا طوال التاريخ يتجسد في شخصية كل امرأة ورجل
من أبناء الدين الإسلامي أو أبناء الديانات الأخرى لان رسالة محمد
رسالة عالمية وشخصية الزهراء عالمية.
أول معارضة في الإسلام
لقد قدمت السيدة الزهراء (ع) أنموذجا حول أهمية دور الإنسان في مجال
الإصلاح والمطالبة ومقاومة المعتدين، وحول قدرة المرأة على هز عروش
الظالمين، وصناعة جيل يتصف بالوعي ويعشق الحرية، ويؤمن بالتغيير
ومقاومة التحديات والظالمين، ويرفض الذل والهوان والتخلف والاستسلام،..
فبعد وفاة الرسول الأعظم محمد (ص) طالبت ابنته السيدة فاطمة الزهراء
(ع) بحقوقها وحقوق زوجها وحقوق أبناء الأمة، وعندما رأت الشدة
والممانعة رفعت عاليا راية المعارضة؛ فكانت أول امرأة في الإسلام ترفع
راية المعارضة بوجه حاكم إسلامي...، وبقت على موقفها وتوفيت وهي غاضبة.
وما أحوج المرأة في هذا الزمن أن تتعرف على حقوقها وحقوق ابنائها
فهي الأم والمدرسة لتربية الأبناء وحمايتهم والمحافظة على حقوقهم،
ولهذا على المرأة أن تكون واعية وأن تنتهج منهج السيدة فاطمة الزهراء
(ع) وتسير على مسارها وتجعلها قدوة لها في كل شيء، ومن ذلك المواقف
المطالبة بالحقوق وقول الحق ونصرة المظلوم.
إنتهاك الأعراض
من المؤلم جدا في هذا الزمن أن تنتهك أعراض النساء من قبل بعض
السلطات التي تدعي الحكم باسم الاسلام والعروبة، فيما هي تعتدي على
الأعراض والمحرمات وتهجم على البيوت وتفتش النساء وتعتقلهن وتعذبهن
وتسجنهن.. لمجرد قول كلمة حق أو المشاركة في مسيرة سلمية أو المطالبة
بالحقوق، كما يحدث في بعض الدول الخليجية حاليا من الاعتداء على
الأعراض مع العديد من المعتقلات، بل الرجال والأطفال والشيوخ لم يسلموا
من ذلك!!.
ومن المعيب أن يستمر صمت الشعوب العربية وبالخصوص الخليجية حول على
ما تقوم به هذه الانظمة من أساليب قذرة بتطاولها على الاعراض وقتل
كرامة الانسان من خلال الاعتداء على أهم وأعز ما لدى الانسان وهو
الشرف، وعرض وشرف الأم هو الاغلى وكل امرأة هي أم. ولهذا لابد ان يتحرك
الشعب برفض ما يحدث من إنتهكات صارخة لأعراض الأهالي والأحبة، وذلك من
باب الغيرة والشهامة والنخوة ومن موقف انساني وديني.
هل ماتت الشهامة والغيرة ام لابد أن ينتظر كل شخص حتى يتم الاعتداء
عليه وعلى أهله؟
أحياء ذكرى مولد سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها
السلام، صاحبة المواقف العظيمة والتضحيات الكبيرة من أجل الدفاع عن
الحقوق وقول الحق، فرصة عظيمة للتزود من سيرتها العطرة في مجال التضحية
والاباء والعزة والشموخ والشرف والدفاع عن الحقوق.
إن مظلومية السيدة فاطمة الزهراء (ع) المصبوغة بالدم والدموع
والآلام، ستبقى شاهدة على صمودها أمام الظلم الذي تعرضت له نتيجة
مواقفها وأعمالها التي شكلت خطرا على المخالفين للرسالة والغاصبين
للحق، لتكون الصوت الخالد للعدالة ومدرسة للقيم وأنموذجا للمرأة
الإصلاحية الرسالية التي تنذر نفسها لخدمة العدالة والإنسانية،.. فالله
سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، والبشرية بطبيعتها الفطرية تقف بعقولها
وقلوبها وضمائرها الحية بجانب المظلوم وتنتصر له، فكيف إذا كان المظلوم
أمرأة؟!.
لم تتعرض امرأة في التاريخ للمظلومية كما حدث للسيدة فاطمة الزهراء
(ع)، بضعة النبي محمد (ص) التي تعرضت لظلم كبير ومصائب جمة..، والسيدة
فاطمة البتول ستبقى عِبرة وعَبرة، وسيرة عطرة مباركة ومشرقة مليئة
بالعطاء والتضحية والبناء، ينبغي على كل إنسان الاستفادة العملية من
حياتها وإحياء أمرها، وإن مظلوميتها قد تحولت إلى شعاع روحي ووجداني
وعقلي تجعل كل إنسان يسمع بمظلوميتها يتعلق بها ويتضامن مع قضيتها التي
أحزنت كل الضمائر الإنسانية الحية.
إن الدفاع والتضامن مع كل مظلوم ومضطهد ومعتقل وبالخصوص النساء
اللاتي تعرضن للانتهاك والنيل من شرفهن... هو موقف إنساني وديني نبيل
ونصر كبير.
سلام على سيدة الأكوان السيدة فاطمة الزهراء الكوثر البتول عليها
السلام، والسلام على ابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع.. |