تحتاج الدول إلى أشخاص مهرة وموهوبين لاستحداث أفكار مبتكرة تساعد
على تعزيز النمو الاقتصادي الطويل الأجل. وينطبق هذا على الدول
المتقدمة والنامية على حد سواء. لكن أمراً كهذا لن يتحقق دون استثمار
في التعليم والتدريب. فإذا كنا نسعى للقضاء على الفقر والحد من البطالة
ووقف التفاوت الاقتصادي المتزايد، فيجب أن نجد طرقاً جديدة للتعليم
تكون أفضل وأقل تكلفة ــ مع قابلية تطبيقها على نطاق واسع.
وقد يبدو هذا الهدف بعيد المنال حتى بالنسبة للدول الأكثر ثراء. لكن
التجميع والتحليل والاستخدام الذكي للبيانات التعليمية يمكن أن يحدث
اختلافا كبيرا. ولحسن الحظ فإننا نعيش في عصر تمنحنا فيه تكنولوجيا
المعلومات الأدوات المناسبة لإفساح المجال للحصول على تعليم عالي
الجودة ميسور التكلفة. فالبيانات الضخمة ــ ويقصد بها مجموعات البيانات
الهائلة المعقدة التي تستخدمها الشركات لتحليل سلوك المستهلك والتنبؤ
به ــ يمكن أن تزود المعلمين والشركات بكميات غير مسبوقة من المعلومات
عن أنماط تعلم الطلاب، الأمر الذي من شأنه أن يساعد المدارس في إضفاء
طابعها الخاص على العملية التعليمية بأساليب أكثر تطوراً وحنكة.
وتحاول مجموعة البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية ــ وهي ذراع
البنك المختصة بإقراض القطاع الخاص ــ تسخير هذه الإمكانية لدعم النظم
التعليمية الوطنية. وقد أُطلقت مؤخراً مبادرة تسمى نهج النظم من أجل
تحسين نتائج التعليم (SABER) بهدف جمع ومشاركة البيانات المقارنة حول
السياسات والمؤسسات التعليمية من دول من مختلف أنحاء العالم.
ويمكن أن تكون للقدرة على جمع المعلومات حول تفاعل المعلمين والطلاب
والتفاعل بين الطلاب ونظم التعلم في القطاع الخاص تأثير عميق. ففي
كينيا على سبيل المثال، تطبق أكاديميات بريدج الدولية منهج التعلم
التكيفي على نطاق واسع. وتدير بريدج، وهي عميل لمؤسسة التمويل الدولية
أسسها ثلاثة ممولين أميركيين، 259 مدرسة للروضة والمرحلة الابتدائية،
بمتوسط رسوم شهرية لا يتجاوز ستة دولارات. وتعد هذه المدارس معملاً
ضخماً للتعلم للطلاب والمربين على السواء.
وتختبر بريدج أساليب مختلفة في تعليم المهارات والمفاهيم القياسية،
وذلك بعرض نسختين من الدرس الواحد في عدد كبير من الفصول في وقت واحد.
ويشرح المعلمون الدروس وفق خطط موحدة ومفصلة، وعبر حواسب لوحية تقوم
بتقصي الوقت المستغرق في شرح كل درس. وتُسجل نتائج الامتحانات على
الحاسب اللوحي الخاص بالمعلم، حيث يتم تسجيل أكثر من 250 ألف علامة كل
21 يوما. ووفقاً لهذه البيانات يقوم فريق التقييم في بريدج بتحديد
الدرس الأكثر فعالية وتوزعه على باقي شبكة المدارس التابعة للأكاديمية.
ونحن ندرك أن هناك عوامل قد تتسبب في انخفاض أداء الطالب، منها على
سبيل المثال لا الحصر حرارة الصيف اللافحة في فصول غير مكيفة الهواء،
ووجود مشاكل في البيت، وضعف مستوى بعض المعلمين. لكن عندما يجمع المرء
النتائج على نطاق واسع، تتساوى المتغيرات وتبرز الاختلافات المهمة.
وهنا تكمن القيمة العظيمة للبيانات الضخمة.
وتمثل سابيس SABIS حالة أخرى في هذا السياق، وهي شركة تقدم خدمات
التعليم من مرحلة الروضة إلى المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة
الأميركية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقوم سابيس
باستكشاف كميات هائلة من البيانات لضمان تطبيق معايير عالية وتعزيز
الأداء الأكاديمي لما يزيد على 63 ألف طالب. ويسفر التتبع المستمر
للأداء الأكاديمي للطلاب عن أكثر من 14 مليون نقطة بيانات يتم
استغلالها في صياغة شكل العملية التعليمية وتحقيق أهداف التعلم وضمان
الاتساق والترابط بين شبكة المدارس التي تديرها الشركة في 15 دولة.
وتعد نيوتن Knewton، وهي منصة للتعلم التكيفي تضفي الطابع الشخصي
على الدورات الرقمية باستخدام التحليل التنبؤي، شركة أخرى رائدة في
ثورة البيانات. فباستخدام محتوى وتوجيه مصممين خصيصا، يمكن حتى للفصول
التي تفتقد إلى موارد المدارس الخاصة توفير التعلم الفردي. وبالتالي
يقضي المعلمون أوقاتهم بطريقة تعد الأكثر فعالية في تلك الحالة ــ وهي
حل المشكلات مع الطلاب ــ بدلاً من شرح دروس غير متمايزة.
لكن مع هذه الفوائد لا يخلو الأمر من المخاطرة. فقد بدأنا نصطدم
بتحدي كيفية الاستفادة من الإمكانية الهائلة للبيانات الضخمة في التعلم
مع الحفاظ على خصوصية الطلاب في الوقت ذاته. ففي بعض الحالات تتجاوز
تكنولوجيا جمع البيانات قدرتنا على تحديد كيفية جمع هذه البيانات
وتخزينها ومشاركتها. ومهما بلغت الدقة في تأمين البيانات، تظل الحاجة
قائمة إلى هيكل واضح لإجازة استخدامها. وفي كثير من الدول النامية، لا
توجد قواعد منظمة تضمن خصوصية البيانات على الإطلاق.
وتبشر الواجهة المشتركة بين البيانات والتعليم بمنتجات تعليمية
جديدة لتحسين التعلم، مع فوائد كامنة هائلة للفقراء خاصة. ولإدراك هذه
الفوائد ــ وتحقيق ذلك بشكل مسؤول ــ يجب ضمان ألا تكون عملية جمع
البيانات مبالغاً فيها أو غير مناسبة وأن يكون هدفها تدعيم التعلم.
وينبغي للقطاع الخاص والحكومات والمؤسسات مثل مجموعة البنك الدولي
صياغة قواعد تنظم كيفية جمع ومشاركة واستخدام المعلومات الحساسة بشأن
أداء الطلاب. فهذا أقل ما يستحقه الآباء والطلاب.
* نائب الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي
لمؤسسة التمويل الدولية، عضو مجموعة البنك الدولي
http://www.project-syndicate.org |