أمريكا وإيران... مصالح براغماتية متطورة تكبحها جماعات الضغط

 

شبكة النبأ: يحاول الجانبان "الأمريكي والإيراني" التغلب على المشاكل وجماعات الضغط التي تدفع المفاوضات الدبلوماسية والتقارب في وجهات النظر الحكومية، الى الفشل، من خلال افتعال الازمات ووضع العراقيل، سيما وان البقاء في أجواء العلاقة المتوترة يخدم هذه الجماعات بصورة كبيرة، كما يشير المحللين.

ومع الانفراجة النسبية لازمة النووي الإيراني، ما زال الطريق طويلاً وصعباً لوضع اللمسات الأخيرة لأي اتفاق نهائي، وربما غلق هذا الملف مبكراً، كما صرح دبلوماسيو البلدين.

كما ان الأسلوب الدبلوماسي في ضل حكومة أوباما وروحاني، قد شهد مؤخراً، نوعاً من التهدئة وتجنب التصعيد او الهجوم المباشر، بالرغم من المناوشات التي تجري من بعض قادة البلدين، والتي تدعم اللهجة العدائية تجاه الطرف الاخر.

فيما تسهم دول حليفة للولايات المتحدة بصورة مباشرة او غير مباشرة، في بث رسائل تعزز عدم الثقة، والخوف من نوايا إيران المبيته من وراء دبلوماسيتها النووية، فقد جاء القلق السعودي (الحليف التقليدي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط)، تجاه احتمال عقد اتفاق نووي يعزز قدرة إيران في المنطقة في قمة سلم أولوياتها، والتي استدعت زيارة الرئيس الأمريكي الى ملكها لتطمينه بصورة شخصية.

وجاءت إسرائيل، لتزيد من تعقيدات المباحثات والتفاهمات الدبلوماسية مع إيران، والتي وصلت الى حد نقد السياسة الامريكية واتهام إدارة أوباما بالضعف والاستسلام.  

فقد صرح وزير الاستخبارات الاسرائيلي يوفال شتاينتز ان تصريحات وزير الخارجية الاميركي جون كيري حول المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي "غير المقبولة"، محذرا من "الاستسلام" لإيران، وقال شتاينتز الذي يشغل ايضا منصب وزير الشؤون الاستراتيجية في حديث للإذاعة العامة "لا يمكننا تبني او قبول قرار يعطي إيران أشهرا او سنة لحيازة سلاح نووي".

وكان كيري حذر من ان إيران تحتاج الى شهرين لتحقيق اختراق في قدراتها لإنتاج مواد نووية كافية لصنع قنبلة إذا استأنفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وقال امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي في الثامن من نيسان/ابريل في جلسة حول المفاوضات بين طهران والقوى الكبرى "من المعلوم للجميع اليوم اننا نعمل على فترة شهرين تقريبا لما نسميه امتلاك القدرة على انتاج سلاح نووي".

لكنه اضاف ان "هذا لا يعني انهم سيحصلون على رأس (نووي) او نظام او ربما قدرة اختبار"، وقال شتاينيتز ان هذه التصريحات "مقلقة ومفاجئة وغير مقبولة"، واضاف "نتابع المفاوضات بقلق، نحن لا نعارض الحل الدبلوماسي ولكننا ضد حل يعد استسلاما لإيران ويتركها على عتبة حيازة قدرة نووية". بحسب فرانس برس.

وتتهم اسرائيل القوة النووية الوحيدة ولكن غير المعلنة في الشرق الاوسط، والدول الغربية ايران بالسعي الى امتلاك السلاح النووي تحت ستار برنامج مدني، الامر الذي تنفيه طهران، ووافقت ايران في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على تعليق قسم من نشاطاتها النووية لقاء رفع جزئي للعقوبات التي تشل اقتصادها.

واعلنت ايران ودول مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا والمانيا) انها ستبدأ في ايار/مايو العمل على اتفاق نهائي ينهي في حال اقراره عقدا من الخلافات حول برنامجها النووي، وحذر كيري من انه "اذا نقض الايرانيون الاتفاق وبدأوا التخصيب فانهم سيتخذون بذلك قرارا عواقبه وخيمة وسنرد عليه مباشرة على الارجح"، واكدت واشنطن اكثر من مرة انها ستبذل ما في وسعها لمنع ايران من الحصول على السلاح النووي.

ازمة دبلوماسية

فيما قال مسؤول إيراني إن قرار أمريكيا بعدم منح دبلوماسي إيراني تأشيرة دخول لتولي منصب مندوب إيران لدى الامم المتحدة لن يؤثر على محادثات طهران النووية مع القوى العالمية، وأبلغ المسؤول أن الأمر يرجع لوزارة الخارجية الإيرانية "لاتخاذ الإجراءات اللازمة" في أي رد فعل رسمي من الجمهورية الإسلامية على قرار الولايات المتحدة منع حامد أبو طالبي من دخول أراضيها.

لكن المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه قال إن التحرك الأمريكي "لن يكون له تأثير على محادثاتنا مع القوى الست الكبرى"، وتعترض الحكومة الأمريكية على أبو طالبي للاشتباه في مشاركته مع مجموعة من الطلاب في احتجاز 52 أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما بداية من عام 1979 عندما احتلت المجموعة السفارة الأمريكية في طهران، وقال البيت الأبيض إن أبو طالبي لن يحصل على تأشيرة دخول.

وقال البيت الأبيض إن المسؤول الإيراني الذي كان ضمن مجموعة من الطلبة احتجزوا دبلوماسيين أمريكيين رهائن عام 1979 لن يحصل على تأشيرة دخول حتى يتمكن من تولي منصب مندوب طهران لدى الأمم المتحدة، وتعرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما لضغط قوي من جانب الكونجرس حتى لا يسمح بدخول حامد أبو طالبي الى البلاد، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إنه تم إبلاغ الأمم المتحدة وإيران "بأننا لن نصدر تأشيرة دخول للسيد أبو طالبي".

وتعترض الحكومة الأمريكية على تعيين أبو طالبي بسبب الاشتباه في مشاركته مع مجموعة من الطلاب المسلمين في احتجاز 52 أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما بدءا من عام 1979 عندما احتلت المجموعة السفارة الأمريكية في طهران، واعترف الدبلوماسي المخضرم بأنه كان مترجما للمتشددين الذين احتجزوا الرهائن.

وقال متحدث باسم البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إن قرار الولايات المتحدة قرار "مؤسف"، وقال المتحدث باسم البعثة حامد باباي في بيان "هذا قرار مؤسف من الإدارة الأمريكية يتعارض مع القانون الدولي والتزامات الدولة المضيفة وحق الدول الأعضاء ذات السيادة في تعيين مندوبين في الأمم المتحدة".

وبعد أن نما إلى علمهم غضب الرهائن السابقين من تعيين أبو طالبي سارع بعض أعضاء الكونجرس للموافقة على مشروع القانون بهدف منعه ووجدوا في القضية فرصة لاتخاذ موقف صارم من إيران بعد أسابيع من تعطل مشروع قانون جديد لفرض عقوبات في مجلس الشيوخ، ووافق الكونجرس المنقسم عادة على التشريع بإجماع مجلسيه على نحو غير مألوف.

ويساور كثيرون من أعضاء الكونجرس بما في ذلك أعضاء ديمقراطيون من حزب أوباما شكوكا في إيران بالرغم من جهود الإدارة الأمريكية لتخفيف حدة التوترات القائمة مع طهران، وأوضحوا أنهم يعتبرون قرار إيران تعيين أبو طالب استهزاء بالولايات المتحدة.

وقال السناتور الجمهوري تيد كروز من ولاية تكساس الذي قدم مشروع القانون لشبكة فوكس نيوز التلفزيونية الأمريكية "أقدر أن الرئيس الأمريكي فعل الصواب بمنع هذا الإرهابي المعروف من دخول البلاد". بحسب رويترز.

وقال السناتور تشارلز شومر وهو ديمقراطي من نيويورك "ترشيح حامد أبو طالبي صفعة على وجه جميع ضحايا الإرهاب الأمريكيين وليس فقط الذين احتجزوا كرهائن في عام 1979"، ولا يزال البيت الأبيض يدرس التشريع الذي يحتاج لتوقيع أوباما عليه ليصبح قانونا.

وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض أي شخص شارك في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة من دخول البلاد ليعمل مندوبا لإحدى الدول في الأمم المتحدة، وقال كارني "نتفق مع الكونجرس ونؤيد هدف مشروع القانون"، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكي في تصريحها الصحفي اليومي "أوضحنا للإيرانيين أن هذا الترشيح ليس مقبولا"، وقال بعض المسؤولين إن قرار أوباما أثار بعض المخاوف.

وقال أحد موظفي الكونجرس إن هذه الخطوة قد تمثل سابقة لضغط ساسة وجماعات ضغط على رئيس لمنع إصدار تأشيرات دخول لأسباب سياسية، وقال الموظف الذي طلب عدم نشر اسمه إن التحرك قد يفجر أيضا معارك على تأشيرات الدخول في دول أخرى حيث توجد مقرات منظمات دولية.

بدوره قال رئيس لجنة العلاقات مع البلد المضيف التابعة للأمم المتحدة إن إيران طلبت عقد اجتماع خاص للجنة بشأن رفض واشنطن منح سفير طهران الجديد لدى المنظمة الدولية تأشيرة دخول لكنها امتنعت حتى الان من المطالبة بأي اجراء محدد.

وقال سفير قبرص لدى الأمم المتحدة نيكولاس ايميليو رئيس اللجنة التي تضم 19 عضوا وتتعامل مع قضايا منها تأشيرات الدخول والهجرة والأمن إن إيران طلبت عقد اجتماع خاص للجنة، وأضاف "حددوا انهم لا يطلبون أي اجراء من قبل اللجنة، وانهم يرغبون فحسب في اطلاعنا على الأمر في الوقت الراهن على الأقل".

ولا يتذكر مسؤولون ودبلوماسيون وأكاديميون حالات سابقة رفضت فيها الولايات المتحدة منح تأشيرة لسفير بالأمم المتحدة، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية مرضية أفخم قولها في وقت سابق "تم تفعيل الآليات الرسمية لمتابعة الشكوى وسنتابع القضية."

وتقول اتفاقية المقر إن الخلافات يجب أن تحال إلى هيئة من ثلاثة محكمين: تختار كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة واحدا على ان تتفقا على الثالث أو يعينه رئيس محكمة العدل الدولية، واستخدمت هذه الآلية عام 1988 بعدما أعلن القانون الأمريكي لمكافحة الإرهاب لعام 1987 منظمة التحرير الفلسطينية جماعة ارهابية ومنعها من العمل في الولايات المتحدة. وبموجب هذا القانون حاولت الولايات المتحدة إغلاق بعثة منظمة التحرير لدى الأمم المتحدة.

وأعلنت الأمم المتحدة أن المحاولة تمثل "انتهاكا واضحا" لاتفاقية المقر وحاولت بدء عملية تسوية النزاع مع الولايات المتحدة لحل الموضوع، ورفضت الولايات المتحدة المشاركة في التحكيم مع الأمم المتحدة قائلة انه "لن يخدم هدفا مفيدا"، وطلبت الأمم المتحدة حينئذ مشورة قانونية من محكمة العدل الدولية التي وجدت أن واشنطن ملزمة بالدخول في تحكيم.

واتخذت منظمة التحرير الفلسطينية أيضا تحركا قانونيا في الولايات المتحدة ولم توقف واشنطن مسعاها لإغلاق بعثة منظمة التحرير في الأمم المتحدة إلا حين قضت محكمة اتحادية أمريكية بأن وضع البعثة محمي باتفاقية البلد المضيف.

صادرات النفط

من جانبها رفضت الولايات المتحدة ايحاءات بأن إيران تصدر كميات من النفط اكبر بكثير مما هو مسموح ببيعه بموجب اتفاق نووي أولي مع القوى العالمية وتوقعت ان تتماشى إجمالي مبيعات النفط الإيرانية مع الأهداف المحددة لطهران.

وجاءت التصريحات التي وردت على لسان مسؤول أمريكي كبير قبل جولة جديدة من المفاوضات رفيعة المستوى بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا في فيينا، وستكون هذه ثالث جولة من المحادثات هذا العام في العاصمة النمساوية بهدف التوصل إلى اتفاق على الأمد الطويل مع إيران.

وذكرت مصادر تتابع تحركات الشاحنات إن التخفيف المحدود للعقوبات بموجب اتفاق نوفمبر تشرين الثاني يساعد طهران على بيع المزيد من النفط الخام، وبموجب الاتفاق المؤقت الذي أبرم في جنيف فإن من المفترض أن تقف صادرات إيران عند معدل مليون برميل يوميا لستة أشهر حتى 20 يوليو تموز، لكن بيانات تتبع السفن تشير إلى ان الشحنات المتجهة لأسيا تخطت ذلك المستوى منذ نوفمبر تشرين الثاني على الأقل.

وقال المسؤول الأمريكي الكبير إن الولايات المتحدة توقعت دوما حدوث تقلبات وانها تركز على البيانات المتعلقة بالمجموع وليس بيانات الأمد القصير، وقال المسؤول الأمريكي الكبير في مؤتمر صحفي "لدينا فرق تتحدث مع كل مستوردي النفط الإيراني ونشعر بالارتياح بانهم سيلتزمون في واقع الأمر بالأهداف التي حددناها ولا يوجد ما يدعونا للاعتقاد بغير ذلك في الوقت الراهن"، وأضاف "نحن بالطبع نراقب هذا الأمر على نحو مستمر."

ويقول دبلوماسيون ومسؤولو مخابرات إنه في حين تواصل طهران التفاوض مع القوى الست العالمية فإنها تواصل جهودها للالتفاف على العقوبات، وجاء أحدث مثال على ذلك على لسان وزارة العدل الأمريكية، فلقد قالت إن مواطنا صينيا يواجه اتهامات جنائية في الولايات المتحدة بالتآمر لتصدير منتجات إلى إيران يمكن استخدامها في برنامجها النووي.

وتهدف مفاوضات فيينا إلى ابرام اتفاق طويل الأمد بحلول 20 يوليو تموز يحدد النطاق المسموح به للبرنامج النووي الإيراني في مقابل رفع العقوبات التي تضر بشدة باقتصاد إيران المعتمد على النفط.

وقال المسؤول الأمريكي إنه سيتعين على إيران ان تتخذ بعض الخيارات الصعبة بشأن مستقبل برنامجها النووي إذا توصلت مع إتفاق مع القوى العالمية الست ينهي العقوبات الدولية المفروضة عليها، وأضاف "الأمر يتعلق بالخيارات التي يتعين على إيران اتخاذها وبعضها صعب للغاية"، وتابع "لضمان ألا يحصلوا على سلاح نووي وحصول المجتمع الدولي على الضمانات التي يحتاجها بان برنامج (طهران) سلمي تماما فعليهم اجراء بعض التغيرات المهمة وبعض الخيارات الكبيرة."

ورفض المسؤول الأمريكي الاسهاب فيما يتعلق بالخيارات الكبيرة لكن دبلوماسيين مقربين من المحادثات يقولون إن مصير مفاعل اراك الذي قد ينتج بلوتونيوم للدرجة التي تستخدم في صنع قنابل ونطاق برنامج ابحاث وتطوير تخصيب اليورانيوم الإيراني من بين النقاط الشائكة.

مناورة سياسية

من جانب اخر ذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية أن إيران ألغت خطة لإرسال سفن حربية إلى المحيط الأطلسي لتتراجع بذلك عن محاولة لاقتراب سفنها من الحدود البحرية للولايات المتحدة ردا على وجود الأسطول الأمريكي في الخليج.

وكان قائد كبير في البحرية الإيرانية قال في فبراير شباط إن عدة سفن ستبحر صوب الحدود البحرية للولايات المتحدة في المحيط الأطلسي لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ذكرت في ذلك الوقت أنها لا تشعر بالقلق وأن سفن العديد من الدول تبحر في المياه الدولية بالمحيط.

لكن الوكالة الإيرانية نقلت عن قائد البحرية في الجيش الإيراني الأميرال حبيب الله سياري قوله "بسبب تغيير في الجدول لن تتجه المجموعة الحربية 29 التابعة لسلاح البحر إلى المياه المفتوحة في المحيط الأطلسي ومن المرجح إسناد المهمة إلى مجموعة أخرى".

ولم يقدم سياري سببا للقرار لكنه قال إن مهام السفن الحربية ستتغير على الأرجح "وفقا للموقف في المنطقة" مثل تصاعد وتيرة القرصنة في خليج عدن، ونقل عن سياري قوله "لذا لن تتجه المجموعة 29 التي تضم المدمرة سبلان وسفينة خارك اللوجستية وطائرتي هليكوبتر إلى المحيط الأطلسي وستعود إلى الوطن في غضون أيام".

وتجري الولايات المتحدة وحلفاؤها مناورات بحرية في الخليج بانتظام وتقول إنها تريد ضمان حرية الملاحة في الممر المائي الذي تعبر منه 40 في المئة من صادرات النفط المنقولة بحرا في العالم، وكثيرا ما قالت إيران إنها قد تغلق مضيق هرمز إذا تعرضت لهجوم عسكري بسبب برنامجها النووي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/نيسان/2014 - 17/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م