السياسة والأخلاق في مركب واحد!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: السياسة كما ورد في بعض المصادر العلمية الدقيقة، تأتي لغويا من مصدر على فِعالة، كما أشار ابن سِيده، قال: وساس الأمر سِياسة، وقبله الصاحب بن عبَّاد: والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان؛ أي: كُلِّف سياستهم، وبعدهما الفيروز آبادي: وسست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها. هذه هي السياسة من حيث اللغة.

أما من حيث الاصطلاح، فإنها تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب (هارولد لازول) بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف، أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون). وتعبر السياسة عن عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع، تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط، وتتم عن طريق تحقيق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب أيدولوجيا معينة، على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي، والسياسة هي علاقة بين حاكم ومحكوم، وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، حيث السلطة السياسية تعني القدرة على جعل المحكوم، يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد، ومع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول وأمور الحكومات، فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أي جماعة وقيادتها، ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة، والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد، بما في ذلك التجمعات الدينية والأكاديميات والمنظمات.

هناك تصورات يحاول بعض المعنيين، وغير المعنيين، تكريسها في ميدان السياسة، من خلال نشر وترسيخ بعض المقولات، منها على سبيل المثال، أن السياسة قائمة على الخداع، وأنها لا ترتبط بالأخلاق من بعيد أو قريب، أو أنها لا تمت بصلة للقيم الايجابية، وغير ذلك مما يُشاع عن السياسة، وهو أمر يجعلها محل تشكيك دائم من لدن الآخرين، علما أن حياة الانسان والبشرية برمتها، قائمة على العمل والفكر السياسي، كما أن هذه النظرة القاصرة، وهذه التصورات الخاطئة في الغالب، ثبت بشكل قاطع أنها بعيدة عن المنطق، كونها تجافي الحقائق، وتبتعد عن النتائج التي تطرحها السياسات الناجحة، وكذلك السياسات الفاشلة.

من هنا فإن السياسة والاخلاق ينبعان من فكر انساني واحد، وكلاهما يتحركان في ميدان واحد، هو الميدان الانساني، ويمكن القول أنهما يركبان في المركب نفسها، فإذ تضرر هذا المركب سوف تتضرر السياسة، وينعكس ذلك بصورة آلية على الاخلاق، ولا يمكن إعادة بناء منظومة سياسية متطورة متوازنة من دون مساعدة واعتماد الجانب الاخلاقي، من هنا فإن السياسي الانتهازي المخادع هو سياسي فاشل، من المستحيل عليه أن يحقق أهداف السياسة الحقيقية التي يمكن ان تبني مجتمعا متحضرا ودولة مدنية قوية.

لهذا لا يمكن فصل الاخلاق عن السياسة، ولا يمكن تجريد السياسي من الاخلاقيات الانسانية، إلا اذا اراد أن تؤول مساعيه الى الفشل، لذا ينبغي أن تكون لدى القائد السياسي أخلاقيات قائمة على العقل والحكمة والصدق، أما الغدر والكذب والتسقيط وما شابه، من اساليب متخلفة، فإنها دليل قاطع على فشل السياسي، حزبا او كتلة او فردا، لأن السياسة ينبغي أن ترتكز على الاخلاق والصدق، فضلا عن اعتمادها قوة القانون في الضبط والردع، لان التركيبة البشرية، ورغبات النفس، ونوازع الطمع والاستحواذ، غالبا ما تدفع بالانسان، نحو حافة التجاوز والانتهاك والطغيان، وهذا يقع ضمن تفريغ السياسة من الأخلاق.

من الواضح أن عالمنا اليوم يمر بمرحلة سياسية شائكة، تتصارع فيها أدوات الصدق والاخلاق من جهة، مع حالات الغدر والخداع والانتهازية والطمع بالسلطة من دون رادع قيَمي، لذلك لابد أن يضع السياسيون الباحثون عن النجاح، جميع المقولات المغرضة وراء ظهورهم، وأن يؤمنوا بأن الاخلاق هي الداعم الحقيقي للسياسة الناجحة، وبالتالي فإن الاخلاق هي التي سوف تحقق النتائج التي تصب في صالح القائد السياسي والدولة والمجتمع في وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/نيسان/2014 - 17/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م