سأنتخب مَنْ؟

زاهر الزبيدي

 

 قليلة هي الأيام المتبقية والتي ستفصل العراقيون عن تقرير مصير السنين الأربع المقبلة، وعلى الرغم من كل توجسات أبناء شعبنا من الخطورة الأمنية للمرحلة التي تسبق الإنتخابات والتي ستأتي بعدها إلا إنهم لازالوا يعيشون في حيرة كبيرة ويسأل بعضهم البعض: ستنتخب مَنْ؟ عسى أن يجد لدى المسؤول جواباً يلم به شتات تفكيره.. الصور ذاتها التي علقت قبل أربع سنوات وهي ذاتها التي علقت قبل ثمان. والتوقعات أغلبها تشير الى سيطرة الرؤوس الكبيرة من السياسيين على تلك الإنتخابات ولا مناص من القبول بهم أو مقاطعتها.

وعلى الرغم من دخول وجوه جديدة منمقة ملمعة منها من يحمل شهادات ماقبل 2003 ومنها من يحمل شهادات لمابعد 2003، إلا إنها سوف لن تكون كما يرغب العراقيون فقد ألف الشعب وأيقن من أن كل أعضاء البرلمان سيكونون مطية بيد رئيس كتلتهم، بإشارة ينسحبون، بإشارة سيرفعون أيديهم، بإشارة سيمتنعون كما حدث قبل أربع سنوات وما قبلها، إذن فالحسم كل الحسم سيكون بيد الرؤوس التي لا نرى أملاً في تبدلها.

 لقد ولدّت السنوات الماضية الكثير من التشويش على تفكير الناخب العراقي وجعلته في موقف لا يحسد عليه فالنظام الذي أقره الدستور لإتباعه لجمهورية العراق الإتحادي الفيدرالي، جمهوري برلماني ديمقراطي، يبدو أنه ولد مركز قوى كثيرة أدمنت الصراع الدائم فيما بينها للإستحواذ على أكبر مساحة من السلطة مما ولد خللاً كبيراً في بناء الدولة وأثر كذلك في إمكانية توفير مستلزمات الحياة الضرورية للشعب، فبعد مايزيد على عقد من الزمن لازالت الدولة العراقية تعاني من عدم قدرتها في الأندماج مع العالم سياسياً وإقتصادياً ولا زالت تعاني من عدم إستقرار الوضع الأمني الذي يعتبر بوابة النفاذ الوحيدة لدخول الإقتصاد مرحلة مزدهرة وبغيرها أبقته إقتصاداً ريعياً غير قادر على تجاوز محنته في النمو الصحيح بعيداً عن الصناعات النفطية فحتى اليوم تذهب مليارات الموازنة لتتشتت في مصانع دول الجوار بحجم تبادل تجاري عالي تسببت به عدم القدرة على إنشاء بنى تحتية صناعية تفوق مثيلاتها في دول الجوار، على أقل تقدير، لتقلل من حجم العملة الصعبة الهاربة خارج حدوده.

مشاكلنا الأمنية في تطور مستمر تتلاعب بها الأجندات الخارجية وبين الحين والاخر تدخل دولة ما على خط المواجهة مع الحكومة وبأشكال شتى مما سبب تشتيت التفكير في التركيز على أهم مشاكل الشعب والمضي قدماً في تصحيح مسار العملية السياسية لما يحقق الوئام السياسي بوحدة الهدف المنشود.

برامج إنتخابية كبيرة لكتل كثيرة أطلعنا عليها، بعضها يفوق أحلام العراقيين لتصل إحياناً الى حد الخيال، برامج إنتخابية وضعت لتكّون بيئة جاذبة للأصوات على أمل أن يقنع العراقيون بالحبر والورق وماعليه من خطط ورؤى مستقبلية وضعتها تلك الكتل من خلال إستنتاجاتها للواقع العراقي.. ولكن أي زمن نحن نعيشه لنحقق كل تكل الرزم من الأجندات الإنتخابية وأي واقع ستفرضه على الشعب بعدما لم تنجح كل خططنا الستراتيجية السابقة في تفكيك مسببات الأزمات التي مرت على أمل أن نحاول البناء وإعادة هيبة الدولة ولَمّ تشرذمها في كل إتجاه ينجح في كسب تأييدها لخططه التي خفيت اليوم لكن الغد كفيل بكشفها.

الشيء الوحيد الذي نجحت به جميع القيادات خلال الأربع سنوات الماضية وبإمتياز: هو تعميق مفهوم الطائفية على أمل أن تكون الورقة الأخيرة الرابحة في الإنتخابات، لقد نجحت الكتل الكبيرة في دغدغت مشاعر التعصب الطائفي في نفوس أبناء شعبنا ويكذب اليوم من يقوم أنه لن ينتخب على أساس طائفي حتى لوكان من سينتخبه سيئاً.. البعض ينادي لا لعودة البعثيين.. فمن هم البعثيون؟ على أحد أن يسميهم؟ والبعض ينادي لا للميليشيات؟ فمن هم الميليشيات؟ ولأي كتل تعود؟ وحتى تلك الكتل والتيارات التي تحكم اليوم تدعوا للإصلاح والتغيير.. تغيير مَنْ؟ وإصلاح مَنْ؟ فلماذا لم يتم التغيير والإصلاح في ثمان سنين كاملة مضت أم أن الإصلاح يحتاج الى إثنتي عشر سنة !

إنها أزمة جديدة تتمثل بالقتال القاسي للوصول الى أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان، كان أزيزه قد بدأ يأن في رؤوسنا منذ أشهر حينما أحتدمت حرب التشهير بالآخرين والقضايا التي ترفع على بعضهم البعض وإستخدام الفضايات لنشر غسيلهم وبذلك نكون قد قدمنا للعالم صوراً سلبية عن الواقع السياسي في العراق سيدفعنا بذلك للعزلة بسبب عدم وجود إي علامات للنضوج السياسي في التعاملات الأفقية بين من يرومون تمثيل شعبهم في أعلى سلطة تشريعية للبلد.. اننا نستنزف بذلك بعض تلك الثقة التي يحاول أن يمنحها العالم لنا كنظام ديمقراطي جديد ضحى الشعب بالكثير، ولازال، من أجله.. وعندما أضفنا له التوافقية والشراكة السياسية والمحاصصة على مضض ؛ أصبح نظامنا هذا عبئاً ثقيلاً على شعبنا وهو بحق يعتبر من أكبر أخطائنا السياسية، فنحن لم نحسن إستغلال الديمقراطية ولم نأبه للشراكة والتوافق والمحاصصة.. لأننا أصلاً غير متوافقون على رؤية واحدة للمستقبل والكل يريد أن يجذب الغنائم السياسية نحو مصالح أجندته فقط فتنازعنا الوطن وفرطنا بالشعب وخسرنا فرصة المستقبل، في حينها تبخرت الأجندات والبرامج الإنتخابية لتضحى مجرد مبدأ واحد لايتجاوز الفئوية الضيقة لتترع بالمغانم ولتسرح البقية في تيه سياسي كبير تلعق الحسرة على ما فرطت به سابقاً وتكرس الحسد السياسي الكبير لمن هم في السلطة لتتحين اليوم الفرص للنهش بسياساته عسى أن تفقده بعض البريق الذي حصل عليه من مواقف سياسية أو منجز محدود كان قد تحقق بفعل صحوة متأخرة.

وفي دوامة السؤال: مَنْ سننتخب؟ هل يمتلك شعبنا القابلية على التمييز بين الوجوه التي تترائى له كل يوم حتى قاربت أن تدخل احلامه؟ بعد كل ماتعرض له إستهداف نفسي وإقتصادي من حكومات الشراكة والمحاصصة والتوافقية التي قاربت أن تفقده صوابه حين عجز المتوافقون في جعل التوافق هذا طريق لمستقبل أفضل، أم تراه سيبحث عن فرصة أخرى في إيجاد من يتمكن بحرفية سياسية بالغة من تفكيك عرى الأزمات المتلاحقة وتحويل الموازنات الإتحادية المليارية الى بوابات أمل جديد من خلال إستغلالها بإداء حكومي بالغ الرقي من أجل تحجيم التخلف السياسي والإجتماعي والإقتصادي والعلمي وبعث حضارة وتقاليد الدولة القوية المتماسكة التي قاربت على الأفول بمواجهة تحديات العصر الدولية الكبرى حين يقف الإرهاب في مقدمتها وهو أهم العقد التي لم تسطع الحكومات السابقة إجتثاثه نهائياً بل أن بعضها ساعد على نشوء التطرف بأنواعه وتوسيع دائرة إستهدافه لأبناء شعبنا، ومع هذا نرى أن بعض الكتل تعاهد على الإنقضاض على الإرهاب في غضون أشهر معدودة !.. فلماذا لم تتمكن من فك عقد الخلاص منه في سنين سابقة؟

انه إمتحان صعب ومن سؤال واحد لا مناص من الإجابة عليه اليوم وأن لايترك لتتحكم في الإجابة عليه ظروف الثلاثين من نيسان القادم، علينا الإجابة بسرعة قبل أن يشتت يوم الانتخابات الأفكار ويبعثر الأماني.. فأربعة سنوات أخرى زمن طويل.. فمن ستنتخب؟ عسى أن تنجح بالإجابة !.. حفظ الله العراق.

zzubaidi@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/نيسان/2014 - 15/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م