ان الديمقراطية التي لا تتبنى او تُفضي الى تداول السلطة، لهي
ديمقراطية فاشلة تحمل في داخلها عوامل التدمير الذاتي حتما.
ولذلك، فعندما تقول المرجعية بهذا الصدد، بأن:
[اصل المشاركة في الانتخابات لمجالس المحافظات ومجلس النواب والغرض
من ذلك هو الحفاظ على مبدأ الانتقال والتداول السلمي للسلطة وترسيخ
اشتراك جميع مكونات الشعب العراقي في إدارة شؤون البلاد مما يعزز لدى
هذه المكونات شعورها بتحقيق ركن أساسي من اركان العدالة الاجتماعية
وعدم شعورهم بالتهميش والاقصاء، وبدوره فان ذلك يؤدي إلى تحقيق
الاستقرار السياسي والاجتماعي] هذا يعني انها تؤكد وتصر على ان تحقق
العملية الانتخابية جوهر الديمقراطية وليست قشورها وظواهرها ومظاهرها
فقط، فتداول السلطة في النظام الديمقراطي جوهر معمول به في كل النظم
الديمقراطية، فلماذا لا يتم العمل به في ديمقراطية العراق الجديد؟.
ان هذا المبدأ يضع حدا للفساد بكل أشكاله، لانه يخلق حالة من
الرقابة الذاتية على المسؤول نفسه، فهو كالمرآة العاكسة التي يتعرف
المسؤول من خلالها على عيوب وجهه وفشل خططه وإخفاقات إدارته وفساد
بطانيته وحاشيته.
فالمسؤول الذي يعرف انه سيترك السلطة بعد دورة او دورتين يقضيها في
سدة الحكم، تراه يراقب نفسه جيدا قبل ان يراقبه الآخرون، على الأقل
خوفا من الحساب والعقاب بعد ان يترك السلطة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان تداول السلطة لا يعني بالضرورة فشل
المسؤول ابدا، فقد يكون ناجحا في موقعه، الا ان تطلع المجتمع الى
التجديد والتحديث واكتشاف طاقات المجتمع بشكل دوري ليمنحها فرصة
التعبير عن برامجها ومشاريعها وتفجير رصيدها الذاتي لخدمة البلاد
والعباد، ان كل ذلك هو الذي يحث الناس على تبني مبدأ تداول السلطة، فمن
قال ان المجتمع ليس فيه ما هو افضل مما هو موجود؟ ومن قال ان هذا
المسؤول فلتة زمانه ولا يمكن ان نجد من هو افضل منه او نستعيضه بغيره؟
من قال ان المجتمع لم يلد مثله في العلم والخبرة والكفاءة وتحقيق
النجاحات؟.
ان مبدأ تداول السلطة في النظم الديمقراطية مدرسة بحد ذاته ينتج
القادة والزعماء بشكل دوري، ولذلك نرى ان بلداننا تعيش أزمة قيادة
مزمنة اما في النظم الديمقراطية فان صناعة القادة من اسهل الامور
وأبسطها.
انه مبدأ يشيع ثقافة التنافس الإيجابي في المجتمع، وهو دليل على حب
الزعيم او القائد لوطنه ولشعبه، وهو، كما أسلفت، ليس دليلا على فشل
الزعيم، فالرئيس الاميركي بيل كلينتون يُعد احد انجح الرؤساء في تاريخ
الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك، ترك البيت الأبيض لخلفه بعد
انتهاء المدة الدستورية، ليعود الى عمله السابق، أستاذا في الجامعة، من
دون ان يتشبث بالسلطة بحجة النجاحات التي حققها، او انه يخشى على
إنجازاته ونجاحاته من الضياع، ابدا.
السؤال:
كيف يمكن لديمقراطيتنا الناشئة في العراق ان تحقق هذا المبدأ لنبدأ
السير نحو الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، كما أشارت الى ذلك
المرجعية في بيانها وفي التوضيح؟.
اعتقد ان ذلك يتحقق بثلاثة أسس استراتيجية، وهي:
١/ الثقافة ٢/ القانون ٣/ الوسائل والأدوات
اما الثقافة، فمن اجل ان يستوعب الناخب ان الديمقراطية التي لا
تحقق تداول السلطة هي وهمٌ ليس اكثر، وعبث ليس الا، وهي ملهاة بيد
السياسيين الذين تزداد مشاكلهم وخلافاتهم وصراعاتهم على السلطة يوما
بعد اخر.
كذلك من اجل ان يتعلم السياسي ان تداول السلطة هو لحمايته من نفسه
التي تأمره بالفساد والمنكر مهما أوتي من قوة الشخصية التي يتصور انها
تردعه عن كل ذلك، فلقد لخّص القران الكريم الفكرة بقوله {كَلَّا إِنَّ
الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ} والمعني هو الانسان
بطبعه، بغض النظر عن هويته او دينه او قوميته او اي شيء آخر، فلقد ورد
في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) { كلّ ابن آدم يُضمر ما أظهره فرعون}
من الجبروت والطغيان، وذلك في اول فرصة يقتنصها في حياته، كأن تكون
سلطة او جاه او مال او ما أشبه، ولذلك فان المشكلة عند الطاغية الذليل
صدام حسين لم تكن شخصية بقدر ما كانت منهجية، ولذلك رأينا كيف ان
الكثير ممن كنا ننتظر منهم الخير اذا ما استخلفهم القدر في السلطة بعد
هلاك الطاغية، اذا بهم أسوء منه في كل شيء، وأتذكر كلمة قالها لي قيادي
بارز في (حزب ديني) عمره اكثر من نصف قرن هو الان في السلطة في بغداد،
عندما عتبت عليه فسادهم في السلطة:
انتظر قليلا فستكفر بمن كنت تأتم به في صلاتك!!.
تداول السلطة يحافظ على دين المسؤول وأخلاقه، لانه بمثابة الرقيب
الذاتي الذي يحتاجه كل إنسان مهما أوتي من تقوى وورع.
اما القانون فهو لتنظيم عملية تداول السلطة بشكل رسمي وبشفافية
تامة، من اجل ان لا نضطر الى اجراء العمليات القيصرية والجراحية لتشكيل
الحكومة بعد كل انتخابات نيابية.
وبهذا الصدد كنت اتمنى ان يفي السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية
العراق بوعده الذي قطعه للعراقيين قبل اكثر من عامين عندما صرح لوكالة
الانباء الفرنسية (فرانس پرس) في معرض حوار صحفي بشان مبدأ تداول
السلطة في العراق الجديد، منشور على موقع (بي بي سي) العربي، قال:
انه لن يسعى الى الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية في
عام ٢٠١٤، وأضاف:
انه سيحاول الدفع باتجاه الحصول على التصديقات والموافقات
التشريعية المطلوبة لضمان عدم ترشح رؤساء الوزارات العراقية المقبلين
لأكثر من ولايتين، وأضاف:
ان ولايتين، مجموعهما ثمانية أعوام، كافية قبل التحول الى
ديكتاتورية، وهذا احد أسس ومفاهيم الديمقراطية.
الا انه للاسف نقض وعده هذا عندما طعن بالتصديقات والموافقات التي
شرعها مجلس النواب بأغلبية كبيرة، بهذا الصدد، في المحكمة الدستورية،
ولو انه وفى بما وعد لكان العراقيون يسمونه بجدارة (ابو الديمقراطية)
كما يطلق الأميركان هذه التسمية على جورج واشنطن لانه رفض ترشيح نفسه
لولاية ثالثة قبل اكثر من قرنين، ليؤسس بذلك للديمقراطية الحقيقية
المبتنية على مبدأ تداول السلطة.
[email protected] |