داعش في العراق... حرب المياه وتكريس التقسيم الطائفي

 

شبكة النبأ: اعتمد تنظيم (داعش) الإرهابي في استراتيجية القتالية داخل العراق، التحول الى الهجوم المباشر واحتلال المدن بالاتكاء على تقسيمها الطائفي كبيئة مناسبة لانطلاق مقاتليها نحو العاصمة العراقية بغداد.

وقد دعا (أبو محمد العدناني) الناطق الرسمي باسم ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق وسوريا) في بيان سابق جميع أمراء ومقاتلي (داعش) إلى "التمسك والدفاع عن المدن مؤكدا أنه لا رجوع إلى الوراء وإلى أيام الانكفاء في صحراء الأنبار".

ويبدو ان محاولاتهم المستميتة في الاحتفاظ بمدينة الفلوجة وقتالهم المتواصل في الانبار، امر حيوي بالنسبة لهم، فخطوط الامداد والدعم اللوجستي، إضافة الى الدعم المعنوي والحصول على المشروعية لا يمر الا من هناك، سيما وانهم باتو يركزون على اخذ البيعة والطاعة لهم من قبل شيوخ العشائر السنية في المنطقة ولو بالقوة، كما يشير المحللين.

وقد قال أحد المقربين من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في الفلوجة أسباب تقبل "الدولة الإسلامية" واحتضانها بعد أن اجتمعت على قتالها العشائر السنية التي كانت عماد "الصحوات" البشري والسياسي، أن "الواقع تغير جذريا منذ مطلع العام، فمن كانوا من المحسوبين على الطائفة السنية من سياسيين ووجهاء فقدوا قاعدتهم الشعبية التي باتت تعي أن كل الوعود التي قُطعت من قبل هؤلاء ومن قبل السلطات العراقية هي وعود فارغة.

ويضيف أنه "تم أخذ العبر من التجربة السابقة في المدن، وأبرزها الفلوجة، حيث مفاصل المدينة وأمور العامة فيها موكلة لأبنائها من العشائر، فهم من يقومون بحراسة الأحياء ويشاركون الدولة الإسلامية القتال عندما تصل المعارك إليهم"، ويؤكد أن "جُل البيوت فُتحت أمام المقاتلين في جزيرة الرمادي والخالدية والفلوجة والكرمة، وذلك منذ أيام الحراك الأولى.

كما لا يمكن ان يغفل المتابع عن الدور الكبير الذي لعبته الازمة السورية في امداد الحركات الإرهابية وإعادة تنظيمها في عمق الأراضي العراقية، خصوصاً وان تنظيم داعش يسيطر على أراضي واسعة في سوريا، ويمتلك المال والسلاح المتطور والرجال المتمرسين، وهي عوامل كافية لاستمرار عملياتهم القتالية في العراق.

حرب المياه

فقد أضاف مسلحون في العراق المياه إلى ترسانة أسلحتهم بعد السيطرة على سد الفلوجة في غرب البلاد مما يمكنهم من اغراق مناطق لمنع قوات الامن من التقدم نحوهم، ويساعد هذا السد في توزيع مياه نهر الفرات الذي يمر عبر محافظة الانبار ويقع السد على مسافة خمسة كيلومترات الى الجنوب من مدينة الفلوجة التي اجتاحها مسلحون اوائل هذا العام.

وتحاصر القوات العراقية منذ ذلك الحين الفلوجة وتقصف المدينة في اطار جهودها لزعزعة العشائر المناهضة للحكومة وفصائل مسلحين من بينها الدولة الاسلامية في العراق والشام، وقال رجال عشائر مناهضة للحكومة إنه في فبراير شباط سيطرت الدولة الاسلامية في العراق والشام على منطقة النعيمية حيث يقع السد وبدأت في تحصين مواقعها بجدران خرسانية وأجولة من الرمال وذكروا انه لا توجد جماعات اخرى مشاركة في عملية السيطرة على المنطقة.

وأغلق المسلحون ثماني من بوابات السد العشر مما أغرق الاراضي خلف السد وقلل من مستويات المياه في محافظات جنوب العراق التي يمر بها نهر الفرات قبل ان يصب في الخليج، وقال مقاتلون من العشائر المناهضة للحكومة ان تكتيك الدولة الاسلامية في العراق والشام هو اغراق المنطقة حول الفلوجة لإجبار القوات على التقهقر ورفع الحصار عن المدينة.

وقال عون ذياب مستشار الحكومة لدى وزارة الموارد المائية ان استخدام المياه كسلاح في معركة وجعل الناس يعانون من العطش جريمة شنعاء، واضاف ان اغلاق بوابات السد والعبث بمياه الفرات سيكون له عواقب وخيمة، وأعاد المسلحون فتح خمس بوابات بالسد لتخفيف بعض الضغط خوفا من ان يكون لاستراتيجيتهم أثر عكسي ويغرق معقلهم في الفلوجة التي تبعد نحو 70 كيلومترا الى الغرب من بغداد. بحسب رويترز.

وقال مسؤولو أمن عراقيون ان المياه التي غمرت مناطق حول المدينة أجبرت بالفعل العديد من العائلات على ترك بيوتها ومنعت القوات من الانتشار والقيام بمهمتها لمنع المسلحين من الزحف نحو العاصمة، وقال زعيم عشيرة مناهضة للحكومة داخل المدينة "الدولة الاسلامية في العراق والشام تريد استخدام المياه حتى تجعل انتشار قوات الامن صعبا في هذه المناطق وهذه هي فرصتهم لنقل المعركة خارج الفلوجة".

وسد الفلوجة مهم أيضا لعدد من مشروعات الري في محافظة الانبار الصحراوية الواقعة على حدود سوريا، وفي كلمته الاسبوعية المذاعة تلفزيونيا توعد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي أجل هجوما بريا شاملا على الفلوجة بالانتقام من المسلحين لتدخلهم في امدادات المياه، وقال المالكي ان "القتلة" استغلوا سياسة الحكومة بضبط النفس الى أقصى حد في الفلوجة لكن يبدو ان الوضع أصبح أكثر تعقيدا ويقتضي المواجهة.

وقال ضابطان من الجيش في الرمادي والفلوجة انه تجري الاستعدادات لشن هجوم خاطف لاستعادة السيطرة على سد الفلوجة، وقال ضابط بالجيش ان وحدته تلقت اوامر بالاستعداد للتعبئة في مناطق تمتد من التاجي الى الشمال من بغداد الى الفلوجة، وقال ن الجيش يقوم بعمليات مسح جوي لرصد مواقع المتشددين قرب السد، وأضاف ان عملية الجيش ستبدأ في القريب العاجل.

كما أدى انخفاض مستويات المياه في نهر الفرات الى نقص امدادات الكهرباء في بلدات تقع الى الجنوب من بغداد تستخدم مولدات تعمل بالبخار تعتمد بالكامل على مستوى المياه، وقال متحدث باسم وزارة الكهرباء ان امدادات الطاقة من محطة المسيب تراجعت الى 90 ميغاوات من 170 ميغاوات.

وحذر مسؤولون حكوميون ومستشارون من ان الاغلاق المستمر لأبواب السد يمكن ان يؤثر على ري المزارع في العديد من المحافظات الجنوبية التي تعتمد على نهر الفرات ومن بينها الحلة وكربلاء والنجف والديوانية، وقال مسؤول أمني كبير طلب عدم نشر اسمه "العراق يقترب من انتخابات عامة ويبدو انهم يريدون وضع الحكومة في مأزق".

فيما اتهم نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، من وصفهم بـ"البعثيين وداعش وأيتام النظام المقبور" في الفلوجة بقطع المياه عن مناطق وسط وجنوب العراق، معتبرا أن الواجب بات يحتم "استخدام أقصى درجات القوة" ضد المسلحين في المدينة، ما يشير إلى اقتراب موعد المعركة المتوقعة في المدينة.

وقال بيان صادر عن مكتب المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة: "عصابات (داعش) ومن يقف معها من البعثيين وأيتام النظام المقبور المتواجدين بالفلوجة قامت بارتكاب عمل خطير ينم عن مدى إجرامهم، وخلوهم ومن يقفون خلفهم، من أي معنى من معاني الشرف والرجولة وهو الأقدام على قطع المياه عن مناطق الوسط والجنوب."

واعتبر مكتب المالكي أن هذا الإجراء يجعل "حياة الناس مهددة بالخطر وليس مزارعهم وممتلكاتهم فحسب" وضاف: "أصبح لزاما علينا استخدام أقصى درجات القوة من اجل إنقاذ حياة الناس والأراضي الزراعية، وعدم السماح لهؤلاء القتلة باتخاذ مدينة الفلوجة قاعدة لإجرامهم واللعب بأرواح الناس وممتلكاتهم".

من جانبها، نقلت قناة "العراقية" الحكومية عن رئيس ما يعرف بـ"مجلس إنقاذ الأنبار" حميد الهايس، قوله إن تنظيم داعش "يحاول حرق الهوية السنية في قضاء الفلوجة على خلفية صرف الأموال لإغواء بعض المواطنين هناك" مضيفا أن حسم المعركة في الفلوجة "تقرره القيادة العسكرية".

التوتر الطائفي

من جانبها حذرت الأمم المتحدة من أن الشبكات الإسلامية المتشددة تقيم علاقات على نحو متزايد عبر حدود سوريا والعراق مما يؤجج التوتر الطائفي في منطقة عانت من إراقة الدماء لسنوات، وبلغ العنف في العراق إلى مستويات قياسية جديدة في عام 2013 إذ قتل نحو 8000 مدني، وبقيت النخبة السياسية منقسمة بشدة على أسس طائفية كما كانت منذ غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة قبل 11 عاما.

وقال نيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى العراق لمجلس الأمن المؤلف من 15 دولة "الصراع الدائر حاليا في سوريا أضاف بعدا إقليميا إلى التوترات الطائفية ويعطي لشبكات إرهابية الفرصة لإقامة روابط عبر الحدود وتوسيع قاعدة دعمها".

وذكر أن وجود قيادة منقسمة في العراق وقضايا دستورية دون حل بين الطوائف وتزايد خطر المتشددين القادمين من سوريا خلق وضعا "هشا ومتفجرا"، ومنذ انسحاب الجيش الأمريكي من العراق العام الماضي قتل مئات العراقيين معظمهم في تفجيرات انتحارية يعتقد أنها من تدبير جماعات إسلامية، وتحدث مثل هذه التفجيرات كل يوم تقريبا.

وفي سوريا المجاورة قتل ما يربو على 140 ألف شخص في الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات بينما نزح 2.5 مليون شخص بسبب القتال وكثير منهم إلى دول مجاورة، وتقول الأمم المتحدة إن الجماعات الإسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا تقتل المدنيين وتمنع إرسال المساعدات، وقال ملادينوف إن الطريق الوحيد أمام العراقيين لوقف العنف هو من خلال عملية سياسية تتجاوز الخلافات وتعزز التنمية وتجعل الحكومة أكثر شمولا.

وقال ملادينوف "لا يمكن حل مشكلة عنف الإرهاب ببساطة عن طريق الإجراءات الأمنية، يحتاج المرء للنظر في مشاركة الطوائف في صنع القرار والنظر في التنمية الاقتصادية وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون"، لكن ملادينوف لم يكن متفائلا، وأضاف "المؤشرات ليست واعدة بالتوصل إلى حل مبكر للأزمة".

فيما حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال مؤتمر لمكافحة الارهاب في بغداد من استمرار الصراع في سوريا وانتقال الارهاب الى دول المنطقة مطالبا بتعاون دولي لمواجهة الإرهاب، وقال المالكي في كلمة "اذا لم تتوقف الحرب في سوريا سينتقل الارهاب الى جميع دول المنطقة"، واضاف ان "المعركة في العراق ضد الارهاب الاعمى الذي لا يفرق بين سني وشيعي وهدفه تدمير العراق والبلدان الاخرى". بحسب رويترز.

وخاطب المشاركين في المؤتمر "ادعو البلدان الى التعاون الامني والاستخباراتي وتفعيل مذكرات القبض وتجفيف منابع الارهاب"، وتحمل الحكومة العراقية دولا اقليمية بينها السعودية وقطر مسؤولية دعم الارهاب في سوريا الذي يهدد بعودة دوامة العنف في العراق، وذكر المالكي في وقت سابق ان اعدادا كبيرة من المسلحين الذين يقاتلون القوات الحكومية وخصوصا في محافظة الانبار السنية غرب البلاد اتوا من الخارج وبعضهم "تسلل من سوريا" التي تتشارك مع العراق بحدود تمتد لنحو 600 كلم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/نيسان/2014 - 13/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م