الخطاب

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لمن أكتب أنا وغيري؟، لقارئ مفترض اطمح أن يقرأ ما كتبته، ما أكتبه هو النص، وبه أتوجه الى القارئ وضمن سياقات اجتماعية وثقافية اطمح أن يحقق هدفه. وهو الخطاب هنا، بعد ان انضمت اليه الرسالة، اريد ايصالها.

في ابسط تعريف للخطاب، هو الكلام الذي يتجاوز طوله الجملة الواحدة، على أن ترتبط هذه الجمل مع بعضها لغويًا ومضمونًا.

واذا ذهبنا ابعد قليلا، في المجال اللغوي، يكون الخطاب (مراجعة الكلام)، و(الكلام والرسالة)، و(المواجهة بالكلام)، و(ما يخاطب به الرجل صاحبه)، وهو مقطع كلامي يحمل معلومات يريد المرسل (المتكلم أو الكاتب) أن ينقلها إلى المرسل إليه (أو السامع أو القارئ)، ويكتب الأول رسالة ويفهمها الآخر بناءً على نظام لغوي مشترك بينهما).

مصطلح الخطاب، غربي المنشأ يعود الى العام 1952 عبر بحث حمل عنوان (تحليل الخطاب) للساني (زيلغ سابيتي هاريس). بعد ذلك ومع تطور الدراسات اللسانية، عرّفه الفرنسي" إميل بنفنست" من منظور مختلف له أبلغ الأثر في الدراسات الأدبيّة التي تقوم على دعائم لسانية فهو عنده (الملفوظ منظوراً إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل، وبمعنى آخر هو كلّ تلفظ يفرض متكلماً ومستمعاً، وعند الأوّل هدف التأثير على الثاني بطريقة ما).

اما (ميشيل فوكو) في دراسته للخطاب، فقد ربطه بالسلطة، فهو عنده شيء بين الأشياء، وهو ككلّ الأشياء موضوع صراع من أجل الحصول على السلطة، فهو ليس فقط انعكاساً للصراعات السياسية، بل هو المسرح الذي يتم فيه استثمار الرغبة، فهو ذاته مدار الرغبة والسلطة.

خطورة الوسائل القمعيّة التي تمارسها السلطة بواسطة الخطاب، ليست راجعة في نظر فوكو، (إلى وسائل التحكم الخارجية التي عرفتها الكلمة المكتوبة عبر تاريخها العصيب منذ عهود الظلام، وحتى بدايات عصر الديمقراطية الحديثة، وإنما إلى عملية التنظيمات الداخلية للخطاب نفسه، التي تقتضي في ظل ضروب من الإقصاء والاستبعاد بإقامة مساحات من الصمت، والإضمار، ومساحات من الإفصاح والإعلان، تحكم ما يجب أن يقال، وما يخضع للتحديد والكشف والابتكار، وما يتبع نظم التعقيب والتبرير، والتكرار، وذلك وفقاً لمعايير ضمنية من الخطأ والصواب والحقيقة والزيف، لعل أبرزها ما يتجلى من التحريات التي تنصّب على موضوعات السلطة والجنس).

في النقد العربي، هناك جهود عديدة ساهمت في تقديم تعريفات للخطاب، مثل جابر عصفور الذي عرّفه بانه (الطريقة التي تشكل بها الجمل نظاماً متتابعاً تسهم به في نسق كلي متغيّر ومتحد الخواص، أو على نحو يمكن معه أَنْ تتآلف الجمل في خطاب بعينه لتشكّل خطاباً أوسع ينطوي على أكثر من نصٍّ مفرد، وقد يوصف الخطاب بأنّه مجموعة دالة من أشكال الأداء اللفظي تنتجها مجموعة من العلاقات أو يوصف بأنّه مساق العلاقات المتعينة التي تستخدم لتحقيق أغراض معينة).

وقد وسع مصطفى ناصف نطاق الخطاب، حين أشار إلى (وجود خطابات كثيرة، وطرق مختلفة لدراستها) مؤكداً أنّ العلاقات الاجتماعية لا يستوعبها خطاب واحد، ولا يمكن أن يعتبر الخطاب الأدبي خلاصة واقعية لنشاط اللغة الكثيف المتقاطع.

وتعد دراسة محمد عابد الجابري، للخطاب إحدى الدراسات التي نقلت هذا المفهوم من دائرة الدراسات النقديّة إلى حيّز الدراسات الاجتماعية والأيديولوجيّة.

فالخطاب عنده، باعتباره مقولة الكاتب أو أقاويله –بتعبير الفلاسفة العرب القدماء-، هو بناء من الأفكار إذا تعلّق الأمر بوجهة نظر يعبّر عنها تعبيراً استدلاليّاً، وإلا فهو أحاسيس ومشاعر، فن أو شعر يحمل وجهة نظر، أو هو هذه الوجهة من النظر مصوغة في بناء استدلالي أي استعمال مواد (مفاهيم) ولا بد من إقامة علاقات معينة بين تلك المواد حتى يصبح بناء يشد بعضه بعضاً، وسواء تعلّق الأمر بالمواد أو بطريقة البناء فلا بد من تقديم أو تأخير، ولا بد من تضخيم أو بتر… إلخ، فالخطاب من هذه الزاوية، إذا كان يعبّر عن فكرة صاحبه فهو يعكس أيضا مدى قدرته على البناء، وبعبارة أخرى لما كان كل بناء يخضع لقواعد معينة تجعله قادراً، على أداء وظيفته، فإن الخطاب يعكس كذلك مدى قدرة صاحبه على احترام تلك القواعد، أي على مدى استثماره لها لتقديم وجهة نظره إلى القارئ بالصورة التي تجعلها تؤدي مهمتها لدى هذا الأخير، مهمة الإخبار والإقناع… إلخ).

عند علماء الاجتماع، الخطاب نسق محدد من المعرفة ويحافظ علي الممارسات التي تتحد عنده بواسطة فرد مشترك ووظيفتها غلق أية إمكانية لرسائل مردودة إلي ألفاظ تستخدم لوصف الأشياء: مثلا لذلك دفاع المحامية، والتصنيفات العلمية، وأنماط الطقوس الدينية.

فالخطاب رسالة من مرسل إلى مستقبل لغاية التأثير عليه، لغاية إقناعه بها عن طريق التأثير عليه بوسائل متعددة.

تتداخل شروط لغوية وأخرى معرفية لصياغة الخطاب كمنظومة من الكلمات و الجمل من جهة، وكرسالة موجهة إلى المتلقي من جهة أخرى؛ إذ الخطاب (هو المجال الذي تكتسب فيه الوحدات اللغوية قيمتها الدلالية الملموسة، بعد أن كانت كيانا نظريا دالا بالقوة. فالمتكلم الباث يلجأ إلى الجهاز اللغوي لبناء المعرفة التي يريد إرسالها إلى المتلقي عبر شبكة من التراكيب البنيوية المضبوطة في ظروف مادية معينة).

ماذا يقصد بالنص؟ انه كلام مكتوب، أو خطاب مدوّن.

يقول بول ريكور: إن النص خطاب أثبتته الكتابة، أو أن النص مؤسس بواسطة تثبيت الكتابة. واستناداً إلى هذين المعنيين فإن النص هو نوع من الخطاب الموجّه، وأن الخطاب هو نوع من النص الموجّه أيضاً، لكن التوجيه لديهما مختلف في الغالب، فالجهة التي يستهدفها الخطاب جهة اجتماعية حاضرة ومشخصة ولها حدود، مما يجعل العلاقة بين المخاطِب والمخاطَب علاقة تواصلية حيث التفاعل والجدل والتعاطي المتبادل، وبالتالي فإنها تعبّر عن المعنى الإجتماعي بحكم هذا التفاعل المباشر. في حين أن النص يستهدف جهة انسانية لا تتصف بالحضور المباشر والتشخيص ولا بالحدود، وهي بالتالي جهة مجهولة، مما يجعل العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة إنفصالية نيابية غير تواصلية، أي على خلاف الحالة التي يتصف بها الخطاب. فما موجود هو الأثر المكتوب المعبّر عنه بالنص، أما صاحبه فقد غاب وانتهى. فعلاقة القارئ المباشرة إنما هي مع النص دون الكاتب، وهي قائمة على التلقي دون التفاعل والجدل، أي خلاف ما يجري في حالة الخطاب.

ومن حيث التكوين النفسي أو الذاتي فإن الخطاب هو أصل للنص وسابق عليه، لأن كل أثر مكتوب لا بد من ان يكون نتاج قول أو كلام. فمن حيث التكوين الذاتي يكون الفكر سابقاً للكلام، والكلام سابقاً للنص، خلافاً لأدبيات ما بعد الحداثة كما تتمثل في إتجاه جاك دريدا. أو لنقل إن الفكر هو علة الخطاب، والخطاب علة النص أو الأثر المكتوب.

وهناك عدد من العناصر التي تشترك في بلورة عملية التواصل في الخطاب .ويمكن معرفتها من خلال النظر إلى الخطاب ذاته، بوصفه الميدان الذي تتبلور فيه كل هذه العناصر مما يحيلها إلى عناصر سياقية:

1- المرسل .

2- المرسل إليه.

3- العناصر المشتركة، مثل العلاقة بين طرفي الخطاب، والمعرفة المشتركة والظروف الاجتماعية العامة، وكذلك الافتراضات المسبقة والقيود التي تؤطر هذه العملية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/نيسان/2014 - 10/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م