نووي إيران ومفترق الطرق القادم

 

شبكة النبأ: يشير الكثير من المراقبين لملف المفاوضات النووية بين إيران والقوى الست، ان الولايات المتحدة الامريكية تعول كثيراً على نجاح الحوار الدبلوماسية، الذي ربما يفضي في المستقبل القريب الى نجاح يكلل باتفاق تاريخي ونهائي، كان حتى وقت قريب بعيداً عن التفكير في الترتيب له فضلاً عن تحققه.

واذا تحقق هذا المراد للداعمين الكبار لهذا الاتفاق (الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي)، فانه سيكون –بلا شك- فاتحه لاتفاقات ومفاوضات اكبر واعمق، قد تشمل قضايا اكثر تعقيداً في الشرق الأوسط وغيرة، بعد ان يتحول الاتفاق النووي المنتظر كأنموذج دولي لنجاح الدبلوماسية الدولية في تقريب وجهات النظر بين الخصوم، وتجنيب العالم المزيد من الاضرار الاقتصادية والتوتر السياسي وربما اللجوء الى الضربات العسكرية، سيما وان الإحباط الذي تشعر به الولايات المتحدة من تعثر مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يرغمها على إعادة الحسابات بدقة لتجنب المزيد من الإخفاقات السياسية.

وقد اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية، في أكثر من موقف ربما كان اخرها في المحطة السعودية، ان سياسية إيران إقليميا، مزعجة لها ولحلفائها، من دون ان يمنع ذلك من المضي قدما في المفاوضات المباشرة مع إيران، والتي يشير المختصين الى وصولها الى مرحلة أصعب من سابقها، بعد ان بدئت تناقش المواضيع الأكثر حساسية.

فقد قال مسؤول اميركي رافق الرئيس باراك اوباما في زيارته الى السعودية ان ايران، رغم المفاوضات النووية، ما تزال "مصدر قلق" لواشنطن بسبب تصرفاتها التي تؤدي الى "زعزعة" استقرار المنطقة، واضاف مساعد مستشارة الامن القومي بن رودس للصحافيين "سنبلغ عن فحوى المحادثات معها لكن بصراحة تقلقنا تصرفات ايران في المنطقة، مثل دعمها للأسد وحزب الله وزعزعة الاستقرار اليمن والخليج، هذه المخاوف ثابتة".

واضاف "انها رسالة مهمة لشركاء السعودية والخليج ان يعرفوا ان المحادثات النووية لديها القدرة على حل تهديد الاستقرار الاقليمي، في الوقت نفسه سنواصل الضغط في جميع القضايا الاخرى"، وتجري القوى الغربية محادثات مع طهران حول برنامجها النووي المثير للجدل بحيث تم التوصل الى اتفاق مرحلي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يقضي بتجميد التخصيب ستة اشهر مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهل ايران، لكن دول الخليج العربية تبدي شكوكا ازاء نوايا ايران ونتائج هذه المحادثات.

فيما دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما الحكومة الايرانية "كاملة" لاغتنام فرصة المفاوضات مع الدول الكبرى وانهاء العزلة الاقتصادية المفروضة على ايران، وبدت الدعوة وكأنها محاولة للضغط على الايرانيين لدعم المفاوضات النووية التي تشارك فيها حكومة الرئيس حسن روحاني، واعتبر اوباما في رسالته ان الايرانيين انتخبوا روحاني العام الماضي لتقوية اقتصادهم، وتحسين مستوى المعيشة والتعاطي بطريقة بناءة مع العالم. بحسب فرانس برس.

وقال ان "المعاناة الاقتصادية التي ذاقها عدد كبير من الايرانيين خلال السنوات الاخيرة - بسبب خيارات القادة الايرانيين - حرمت البلاد والعالم من المواهب الاستثنائية والاسهامات العديدة التي تمتلكونها"، واضاف "تستحقون الافضل" على اعتبار ان التوصل الى اتفاق نووي سيخفف من القبضة المدمرة للعقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد الايراني.

وتابع "اذا التزمت ايران بتعهداتها الدولية، فإننا نعلم الى اين سيوصل طريق الحوار والثقة والتعاون"، وحذر اوباما من انه لم يكن تحت تأثير "اي وهم"، وكان على ثقة العام الماضي من ان التوصل الى اتفاق مرحلي سيكون صعبا، وتوصلت ايران مع الدول الغربية الى اتفاق مرحلي لستة اشهر نص على تجميد بعض جوانب برنامجها النووي مقابل رفع محدود للعقوبات.

وسعى اوباما ايضا للضغط على المتشددين في الحكومة الايرانية، مشيرا الى ان المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي اعلن ان ايران لا تطور السلاح النووي، وقال "هناك فرصة للتوصل الى اتفاق اذا اتخذت ايران خطوات جادة لتؤكد للعالم سلمية برنامجها النووي"، واشار الى ان "التطور الديبلوماسي الذي حصل العام الحالي من الممكن ان يفتح المجال امام فرص جديدة وازدهار جديد للشعب الايراني لسنوات مقبلة".

خطر صنع قنبلة

من جهته قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن إيران تستطيع انتاج المواد الإنشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي خلال شهرين، وكان كيري يتحدث خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ واجه فيها أسئلة حادة من المشرعين بخصوص المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.

وقال كيري "أعتقد أن من المعلوم الآن أننا نعمل استنادا إلى فكرة أن الفترة الزمنية اللازمة لامتلاك المواد لصنع سلاح نووي هي نحو شهرين، وقال كيري ردا على سؤال بخصوص ما إذا كان المفاوضون بشأن برنامج إيران النووي يعملون وفق تصور يصل إلى 12 شهرا "ستة أشهر إلى 12 شهرا.. لا أقول إن هذا ما قبلنا به .. لكن حتى هذا أكثر بكثير، وبدأت الولايات المتحدة والقوى العالمية جولة جديدة من المحادثات مع إيران في فيينا في محاولة للتوصل إلى تسوية شاملة بشأن برنامجها النووي الذي تنفي طهران أن يكون الهدف منه صنع أسلحة. بحسب رويترز.

وقال كيري إن هذه المدة الزمنية اللازمة لصنع مواد انشطارية لا تعني أن إيران سيكون لديها رأس حربي أو أنظمة إطلاق أخرى، وتابع قوله "الأمر يتعلق بمجرد امتلاك المواد اللازمة لصنع قنبلة كما هو متصور.. لكن دون أن تمتلك بالضرورة القدرة على وضعها في أي شيء لإطلاقها أو أن تكون لديها أي آلية لعمل ذلك".

الى ذلك قال خبراء أمريكيون في اقتراح لهم إن إدخال تعديلات على تصميم مفاعل أراك البحثي المزمع في إيران قد يقلص بشدة إنتاجه من المواد التي يمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية، وكيفية التعامل مع أراك إحدى عدة قضايا يتعين التصدي لها في المفاوضات بين إيران والقوى العالمية الست التي بدأت في فبراير شباط بهدف التوصل بحلول أواخر يوليو تموز إلى إتفاق طويل الأجل بخصوص النزاع النووي المستمر منذ نحو عشر سنوات.

وقال أكاديميون في جامعة برينستون إن الانتاج السنوي من البلوتونيوم يمكن خفضه لأقل من كيلوجرام وهو أقل بكثير من الكمية اللازمة لصنع قنبلة ذرية واحدة وقدرها نحو ثمانية كيلوجرامات إذا عدلت إيران طريقة تزويد المفاعل بالوقود وقلصت طاقته الكهربائية، وقال علي أحمد وفرانك فون هيبيل والكسندر جليسر وضياء ميان أعضاء برنامج العلوم والأمن العالمي التابع لجامعة برينستون "تلك التعديلات في التصميم لن تخفض فائدة المفاعل في صنع النظائر المشعة وإجراء الأبحاث".

وأضافوا في مقال من المقرر نشره في النشرة الالكترونية لرابطة الحد من الأسلحة وهي منظمة أبحاث أمريكية "هذا النهج سيلبي احتياجات إيران وسيتصدى لمخاوف المجتمع الدولي"، وتنفي إيران مزاعم الغرب بأنها تسعى لامتلاك القدرة على صنع قنابل نووية وتقول إن برنامجها يهدف لتوليد الكهرباء وإجراء أبحاث سلمية.

وتخشى القوى الغربية أن يزود أراك إيران بالبلوتونيوم بمجرد بدء تشغيله، والبلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب مادتان يمكنهما تحفيز الانفجار النووي، وتقول الجمهورية الإسلامية إن المفاعل الذي تبلغ قدرته 40 ميجاوات ويعمل بالماء الثقيل يهدف لإنتاج النظائر المشعة لعلاج السرطان وعلاجات طبية أخرى، ووافقت إيران على وقف أنشطة التركيب بمفاعل أراك بموجب اتفاق مؤقت مع القوى العالمية في العام الماضي.

وتبدو مواقف الجانبين متباعدة حيث استبعدت طهران إغلاق أي منشأة نووية ومنها أراك الذي يجري إنشاؤه منذ سنوات في حين تقول الولايات المتحدة إنها لا ترى حاجة لأراك في إطار برنامج نووي سلمي، وكان مدير هيئة الطاقة الذرية الإيراني علي أكبر صالحي أشار في فبراير شباط إلى بعض المرونة قائلا إن بلاده مستعدة لتعديل أراك لتبديد أي مخاوف.

ومفاعلات الماء الثقيل التي يغديها اليورانيوم الطبيعي ينظر إليها باعتبارها ملائمة بشكل خاص لإنتاج البلوتونيوم، غير أنه لفعل ذلك يتعين أيضا وجود محطة نووية لإعادة المعالجة لاستخلاص البلوتونيوم، ولا يعرف أن إيران تمتلك مثل هذه المحطة، ويقول معهد العلوم والأمن الدولي الأمريكي إنه إذا جرى تشغيل المفاعل على النحو الأمثل فيمكنه إنتاج نحو تسعة كيلوجرامات من البلوتونيوم سنويا. بحسب رويترز.

ويقول الخبراء إن أي اتفاق طويل الأجل يجب أن يخفض هذه الكمية، وأضاف خبراء جامعة برينستون أن تعديل طريقة تزويد المفاعل بالوقود وطاقة التشغيل من شأنها أن تجعله أقل خطرا فيما يتعلق بالانتشار النووي حتى إذا ظل مفاعلا يعتمد على الماء الثقيل للتبريد، وقالوا في المقال الذي يحمل العنوان "حل يفيد الطرفين بخصوص مفاعل أراك الإيراني" إن "خطوات التحويل التي وصفت آنفا ممكنة من الناحية الفنية."

قرارات صعبة جدا

من جانبه أعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه يتوجب على ايران ان تتخذ قرارات "صعبة جدا" لتوقيع اتفاق نهائي مع القوى العظمى حول برنامجها النووي المثير للجدل، وقال كيري امام لجنة في مجلس الشيوخ "نعتقد اننا نسير في الاتجاه الصحيح، ولكن لا يمكنني ان اقول لكم الى اين سنصل في النهاية، لا نعرف اي شيء عن النهاية".

واضاف "يتوجب على الايرانيين ان يتخذوا بعض القرارات الصعبة جدا (جدا صعبة) من اجل الرد على قلق الاسرة الدولية حيال الطبيعة السلمية لهذا البرنامج" النووي، وحذر نظيرها جون كيري مجددا من محاولة حصول استثمارات اقتصادية للدول الاخرى في ايران بعد ان توجه رؤساء شركات الى طهران، وقال انه اتصل "شخصيا" بنظرائه في دول اخرى "كي اقول لهم بوضوح كلي ان ايران ليست مفتوحة للأعمال"، مضيفا "لقد فهموا ذلك ولكن في حال انتهك البعض نظام العقوبات فان عقوبات ستفرض على شركاتهم".

فيما اعلن المتحدث باسم المنظمة الايرانية للطاقة الذرية بهروز كمال وندي ان روسيا وقعت اتفاقا تمهيديا لبناء محطتين نوويتين على الاقل في ايران، كما نقلت عنه وكالة "ايرنا"، وقال المتحدث ان المحطتين ستشيدان في بوشهر على الخليج بالقرب من المحطة الاولى بقوة الف ميغاواط بالتي نت موسكو قسما منها وسلمت رسميا الى السلطات الايرانية في ايلول/سبتمبر 2013.

واضاف كمال وندي ان "ايران وروسيا وقعتا اتفاقا تمهيديا لبناء محطتين نوويتين على الاقل"، موضحا ان الاتفاق تم التوصل اليه اثر المحادثات في طهران مع نيكولاي سباسكي، نائب مدير شركة روساتوم الروسية، وتابع كمال وندي ان هذا الاتفاق التمهيدي سيوقعه رسميا علي اكبر صالحي رئيس المنظمة الايرانية للطاقة الذرية ورئيس روساتوم سيرغي كيرينكو.

واضاف ان الجانبين سيضعان اللمسات الاخيرة "على الجوانب التقنية والمالية" للاتفاق، وتأمل ايران ببناء 20 محطة نووية بقوة الف ميغاواط اربع منها في بوشهر، ولا تثير محطة بوشهر قلق الدول الغربية التي تشتبه مع اسرائيل بان ايران تسعى لحيازة السلاح النووي تحت غطاء برنامجها المدني، وهو ما تنفيه طهران باستمرار.

واعربت دول الخليج عن قلقها مرارا حول محطة بوشهر ومخاطر التلوث الاشعاعي في حال وقوع حادث او زلزال قوي، بسبب موقع البلاد الجغرافي في منطقة تكثر فيها الهزات الأرضية، الا ان ايران وروسيا اكدتا على ان المحطة تحترم المعايير الدولية وانها تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

الأزمة الأوكرانية

من جانب اخر تحاول إيران والقوى العالمية الست تحقيق تقدم لحل النزاع النووي في محادثات بدأت في فيينا حيث يأمل مسؤولون غربيون ألا تصبح المهمة أكثر صعوبة نتيجة للأزمة الأوكرانية، ويقول دبلوماسيون إنه حتى الان لا يوجد مؤشر يذكر الي أن أسوأ مواجهة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة ستقوض مسعى التوصل إلى اتفاق بشأن الانشطة النووية الايرانية وتجنب مخاطر حرب في الشرق الاوسط.

وبدأ الاجتماع بين إيران والقوى الست بعد يوم من فرض الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات على مسؤولين روس بسبب أحداث القرم، وقال مايكل مان المتحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون للصحفيين "لم ألحظ أي تأثير سلبي، نحن مستمرون في عملنا ونحن متحدون".

لكن الموقف الموحد بين القوى الست بشأن ايران قد يواجه اختبارا في اجتماع مفاوضيهم في العاصمة النمساوية فيينا في الوقت الذي تثور فيه مشاكل بين أربع دول غربية وروسيا بشأن مستقبل أوكرانيا، واختلفت روسيا مع الغرب من قبل حول الطريقة المثلى للتعامل مع إيران التي تربطها بموسكو في العادة علاقات أفضل وترى ان المخاوف الغربية بشأن الطموحات النووية العسكرية للجمهورية الاسلامية مبالغ فيها.

وقالت مصادر مطلعة اوائل هذا العام إن موسكو وطهران تتفاوضان حول تبادل اتفاقا بقيمة 1.5 مليار دولار شهريا لتبادل النفط بالسلع مما يمكن إيران من زيادة صادرات النفط بشكل كبير في تحد للعقوبات الأمريكية، وأيدت روسيا والصين على مضض أربع جولات من عقوبات الامم المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي في الفترة بين 2006 و2010 ونددتا بالعقوبات الامريكية والاوروبية التي استهدفت صادرات النفط الحيوية لإيران.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ألغى عشاء عمل مع اشتون قبل المحادثات، وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية إن ذلك بسبب التصرف "غير الدبلوماسي" لاشتون في اشارة فيما يبدو الي لقائها مع ناشطين مدافعين عن حقوق الانسان اثناء أول زيارة لها الي طهران، وقال ظريف الذي يرأس وفد طهران إنه يتوقع جولة أصعب من المحادثات مقارنة بالجولة التي جرت في فبراير شباط لان الجانبين سيتطرقان إلى تفاصيل منها مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل ومستويات تخصيب اليورانيوم.

وقال دبلوماسي غربي إن من غير المتوقع التوصل لاتفاق بشان أي قضايا منفردة في جولة فيينا قائلا "لن يتم الاتفاق على أي شيء قبل الاتفاق على كل شيء"، وقال دبلوماسي آخر إن أي مباحثات بشأن مفاعل آراك الذي يخشى الغرب من إمكانية أن يزود إيران بمسار بديل للحصول على مواد تستخدم في صنع قنبلة نووية أو مستوى تخصيب اليورانيوم جرى في ضوء المطالب الإيرانية بخصوص تخفيف العقوبات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/نيسان/2014 - 10/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م