السعادة.. هدف يبحث عنه الجميع

 

شبكة النبأ: تعرف السعادة بأنها الشعور بالبهجة والاستمتاع منصهرين سوياً، والشعور بالشيء أو الإحساس به هو شيء يتعدى بل ويسمو على مجرد الخوض في تجربة تعكس ذلك الشعور على الشخص، وإنما هي حالة تجعل الشخص يحكم على حياته بأنها حياة جميلة ومستقرة خالية من الآلام والضغوط على الأقل من وجهة نظره. وهذا هو احد التعاريف الخاصة بالسعادة التي اختلفت وتنوعت في وصف معناها كما يقول بعض الخبراء. الذين أكدوا على ان السعادة معنى خاص يسعى إليه جميع البشر دون استثناء وهذا المعنى يختلف من شخص الى آخر وبحسب اختلاف الطباع والاهتمامات، لذا فقد أصبحت محط اهتمام ودراسة من قبل العديد من العلماء والباحثين الساعين الى الوصول الى نتائج قد تكون سبباً في الوصول الى السعادة الدائمة.

ولقد أثبت علمياً أن الإنسان يتمتع بقدر أكبر من اكتمال الصحة وسلامة التفكير والمشاعر  عندما يكون سعيداً، وأن أعضاء الجسم كلها تعمل أيضاً تعمل بصورة أفضل. فقد أجرى العالم كيكتشيف عدة اختبارات في هذا الصدد، فوجد أن الأشخاص وهم في حالة تفكير ذهني سعيد يتمتعون ببصر حاد وتكون حواس الشم والتذوق والسمع واللمس عندهم أكثر فاعلية. ووفقاً لنتائج البحوث والدراسات في السعادة، فإنها في حقيقتها مفهوم عالمي المغزى والمضمون، وله أهمية مماثلة في مختلف أنحاء العالم، بدءاً من أكثر المجتمعات تقدماً إلى أكثرها بدائية.

وتندرج السعادة تحت مظلة علم النفس الإيجابي، ودعواه أن الإنسان يحمل في داخله جوانب القوة والضعف، وبهما تتحدد حياته، وأن الخبرات التي تمر بنا تشكل شخصياتنا، وهي تتمتع بنواح بعضها قابل للتعديل، وبعضها الآخر غير قابل للتعديل. وتتركز جهود علم النفس الإيجابي في إثراء القوى البشرية لتعديلها، لكونها مدخلاً لتحقيق السعادة.

اليوم العالمي للسعادة

وفي هذا الشأن فقد خصصت منظمة الأمم المتحدة يوم دولي خاص للسعادة، مؤكدة أن السعادة هدف إنساني أساسي في حياة كل شعوب العالم، حيث يحتفل العالم باليوم الدولي الأول للسعادة وفقا لما قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران/ يونيو الماضي باعتماد يوم 20 آذار/مارس من كل عام يوما دوليا للسعادة. وبهذه المناسبة بعث الأمين العام الأممي بان كي مون برسالة دعا فيها إلى التراحم، وأكد أن "التراحم يثمر السعادة، ويساعد حتما في بناء المستقبل الذي نصبو إليه". ورغم أنه اعترف بأن "الأسباب الأساسية المفضية إلى الرفاهية المادية ما زالت بعيدة المنال بالنسبة لأعداد كبيرة جدا من الناس ممن يعيشون في فقر مدقع"، فإنه اعتبر أن "من بواعث التفاؤل أن بعض الحكومات تبذل جهودا لصوغ سياسات تقوم على مؤشرات الرفاهية الشاملة" وشجع بقية الدول على أن تحذو حذوها.

ودعا إلى تعزيز الالتزام بتحقيق التنمية البشرية الشاملة والمستدامة، وتعهد بمد يد المساعدة للآخرين. ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران/يونيو الماضي جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدني بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى الاحتفال باليوم الدولي للسعادة بطريقة مناسبة، وأكدت أن "السعي إلى تحقيق السعادة هدف إنساني أساسي، وان السعادة والرفاه هدفين ومطمحين لشعوب العالم أجمع".

وعبر الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان جاك روسو عن السعادة في جملة واحدة "السعادة تتكون من حساب بنكي جميل وطاهية ماهرة وهضم خال من المشكلات". لكن الأمم المتحدة لم تتمكن من صياغة مفهوم عن السعادة بمثل هذا الإيجاز لفيلسوف عصر التنوير. ويسعى الاحتفال الدولي بالسعادة إلى التأكيد على أن الشعور بالرضا هو أكثر من مجرد نمو للاقتصاد والأرباح. ومن يدرك هذه الحكمة أفضل من الألمان؟

في التقرير الأخير للتنمية الدولية للأمم المتحدة احتل الألمان مكانة بارزة بين الدول، فهم يمتلكون اقتصادا حديثا وديمقراطية قوية بالإضافة إلى أفضل المراكز في ما يتعلق بالأمن الداخلي والنظام الصحي والتعليمي، لتأتي بلادهم في المرتبة الخامسة بين نحو 200 دولة. ولكن عندما يدور الأمر حول الشعور بالرضا، يحتل الألمان مراكز متأخرة.

وكان اليابانيون أكثر شعورا بعدم الرضا من الألمان بين الدول الصناعية رغم أنه لا يوجد من يقلق من جوع أو حرب أو أوبئة أو حرب أهلية. فهل هذا يعني صحة ما قاله الفيلسوف اليوناني إبيقور قبل 2300 عام: السعادة هي: "إذا أردت أن تجعل إنسانا سعيدا، فلا تضف شيئا لثرائه، بل خذ منه بعض أمنياته" فالألمان رغم ثرائهم لا يشتهرون في الواقع بأنهم الأكثر رضا واستمتاعا بالحياة.

ويتطور مفهوم السعادة في بوتان، المملكة الصغيرة في جبال الهيمالايا، حيث يتضمن دستور البلاد منذ عام 2008 عبارة "الناتج القومي من السعادة". وهناك مؤشر يتكون من تسع نقاط لتقييم شعور المواطنين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية، ووفقا لمفردات هذا التقييم، من الممكن أن يكون شخص معدم سعيدا. وبوتان هي صاحبة اقتراح تحديد يوم عالمي للسعادة، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي دستور آخر تظهر كلمة سعادة، وهو دستور الولايات المتحدة، لكن مفهوم "السعي إلى السعادة" في هذا الدستور منذ 225 عاما لا يعني الصدفة أو السرور، بل يعتبر السعادة إمكانية لتحديد المصير، أو كما يقول الخبير الاقتصادي الألماني كارل جيورج تسين "كلمتا "السعادة" و"سعيد" لا تنتمي إلى المفردات المتخصصة للعلوم الاقتصادية"، فالاقتصاديون يتحدثون عن الرخاء والرفاهية والرضا، وهم يعنون بذلك نوعا من السعادة.

وهنا يطرح سؤال نفسه: هل سيكون هناك قريبا منافسة بين الدول حول السعادة القصوى؟ يبدو أن هذا ما كان يشغل تفكير الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو قبل أكثر من قرنين، حيث قال: "الإنسان لا يريد فقط أن يكون سعيدا، بل أكثر سعادة من الآخرين، ولذلك فإن الشعور بالسعادة أمر عسير لأننا نرى الآخرين أكثر سعادة منا".

الرجال أسعد

على صعيد متصل وجدت دراسة جديدة أن الرجال أسعد من النساء وخاصة في الجانب المتعلق بالمظهر. وذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن باحثين في مركز "بينيندين هلث" للرعاية الصحية، درسوا 12 جانباً من جوانب الحياة المعاصرة، ووجدوا أن الرجال أكثر سعادة في 7 منها، بينها ما يتعلق بالراتب والمظهر وشكل الجسم. وسجّلت النساء علامات أعلى في ما يخص حياة الحب والعائلة والجنس. وبالمجمل فقد حدد الراشدون مستوى سعادتهم الحالية بنسبة 64%.

وتبين أن النساء يسجّلن علامات أعلى في ما يخص السعادة الخاصة بالصحة العامة وموقع العيش. وظهر أن الرجال أسعد من النساء في ما يخص الوظائف، وكيفية نظر الآخرين لهم، والمال، وأمن الوظيفة. وقال الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، إن الطقس قد يحسّن مزاجهم، وربما يزيد من شعورهم بالتفاؤل يوماً بعد يوم، إضافة إلى الحصول على مزيد من العاطفة من الشريك. بحسب يونايتد برس.

كما أن النظام الغذائي الأفضل، والرضا عن الوظيفة، والشفاء من المرض كلها برزت ضمن اللائحة التي تضمن الأمنيات العشر الأساسية التي تحسّن نظرة الأشخاص للمستقبل. وتبين أيضاً أن ثلث الأشخاص قد يشعرون بمزيد من التفاؤل في الحياة إن أبدى شركاؤهم مزيداً من الالتزام. وقال خمس الأزواج إنهم باتوا أقل تفاؤلاً في حياتهم منذ الزواج. وتبيّن أن التوجّه نحو السعادة يتطور مع العمر، فأظهر من يزيد عمرهم عن الـ 55 عاماً تفاؤلاً أكبر.

هل يمكن أن نكون أكثر سعادة؟

طبقا لدراسات أجريت في جميع أنحاء العالم وجمعتها قاعدة البيانات العالمية للدراسات حول السعادة في روتردام بهولندا، فإن الإجابة على هذا السؤال هي نعم، إلا أن الطريق إليها قد لا يكون في المكان الذي ننشدها فيه. يقول روت فينهوفين، مدير قاعدة البيانات والأستاذ المتخصص في الظروف الاجتماعية والدراسات بشأن السعادة البشرية في جامعة إيرازموس بروتردام، إن دراسته توصلت إلى وجود علاقة سلبية طفيفة بين عدد المرات التي تحدث فيها بعض الناس بتلقائية عن "الأهداف" الموضوعة واقتران ذلك بسعادتهم.

وقال فينهوفين: "على الرغم من أنه من المفترض بشكل عام أن تكون هناك أهداف تؤدي بالإنسان إلى حياة سعيدة، فإن الدلائل بشأن ذلك تظل مختلطة. ويبدو أن السبب وراء ذلك يكمن في أن الأشخاص التعساء يكونون أكثر إدراكا لأهدافهم، لأنهم يسعون وراء إحداث تغيير في حياتهم إلى الأفضل." إلا أن مجموعة من الدراسات التي أجريت على واحد من بين تلك الملفات التي تضمنتها قاعدة البيانات توصلت إلى أن أكثر النتائج إثارة تتمثل في وجود نقص في العلاقة بين السعادة ووجود معنى للحياة.

وأضاف فينهوفين أن المثير للدهشة أنه لم يجد أي علاقة واضحة إذ توصلت الدراسة إلى أن الحياة المفعمة بالنشاط هي الأكثر ارتباطا بالسعادة. ومضى فينهوفين للقول "حتى تتمتع بحياة سعيدة مثمرة، فإنك بحاجة لأن تكون نشيطا. لذا فإن الانهماك في العمل أهم من الانشغال بالمغزى من الحياة ومسألة لماذا نحن هنا (سؤال الكينونة) بهدف تحقيق السعادة المرجوة." إلا أن أفضل دراسة سجلت في قاعدة البيانات العالمية للدراسات بشأن السعادة ترى أنه بإمكاننا أن نكون أكثر سعادة، ولا يكون ذلك فقط من خلال تغييرات خارجية مثل الحصول على أموال إضافية.

وقال فينهوفين: "أظهرت الأبحاث أن بإمكاننا أن نكون أكثر سعادة، لأن السعادة في ذاتها تطرأ عليها تغيرات مع مرور الوقت. ولا تتمثل تلك التغيرات فقط في تحسن الظروف المحيطة نحو الأفضل، بل في التعامل الأفضل مع الحياة. فكبار السن يكونون أكثر حكمة، ومن ثم فهم يشعرون بسعادة أكبر." وأظهرت الأبحاث أن الحزن يكون مفيدا أيضا إذ إن مفعوله يشبه مفعول الإشارة الحمراء التي تكبح السلوكيات السلبية لذا، ما الذي يمكننا القيام به لنكون أكثر سعادة؟

تخلص الدراسات المستمدة من قاعدة البيانات إلى أن الإنسان يكون أكثر سعادة إذا ما: كان يعيش علاقة طويلة المدى. كان منخرطا في السياسة. كان نشيطا في عمله وفي أوقات فراغه أيضا. كان يخرج لتناول العشاء خارج المنزل. كان لديه أصدقاء مقربون (على الرغم من أن السعادة لا تزداد بازدياد عدد أصدقاء الإنسان).

كما هناك أيضا بعض النتائج المدهشة: الناس الذين يتناولون باعتدال المشروبات الكحولية يشعرون بسعادة أكبر مقارنة بالناس الذين لا يستهلكون المشروبات الكحولية. الرجال يشعرون بسعادة أكبر في المجتمع الذي تتمتع فيه النساء بمساحات أكبر من المساواة في حقوقهن. المظهر الحسن يجعل الرجال أكثر سعادة مقارنة بالنساء. تكون أكثر سعادة لو اعتقدت أن مظهرك حسن وليس لو أنك حقا حسن المظهر في واقع الأمر. إذا كان عندك أطفال، فإن مستويات السعادة تنخفض، لكن السعادة تزداد عندما يكبر الأطفال ويغادرون بيت الأسرة.

وكن على حذر من الرحلة التي تقضيها كل صباح في طريقك إلى العمل إذ توصلت إحدى الدراسات الألمانية التي أجراها فراي آند ستاتزر عام 2004 إلى وجود علاقة وطيدة بين وقت الرحلة في الطريق إلى العمل ودرجة الرضا عن الحياة. فقد بدا الذين يقضون نحو ساعة في طريقهم إلى أعمالهم أقل سعادة بكثير من أولئك الذين لا يقضون وقتا يذكر في تلك الرحلة. كما ترى تلك الدراسة أن الارتفاع في معدل الدخل بالنسبة إلى الوظائف التي تقتضي رحلة يومية إلى العمل لا يمكنه تعويض الوقت المهدر في تلك الرحلة.

وعكف فينهوفين وزملاؤه على تشجيع الناس على القيام بالأشياء التي تبعث على السعادة، وتدوينها في مفكرات يمكنهم أن يملؤها بفضل شبكة الإنترنت. وقد اجتذبت تلك الفكرة حتى الآن ما يزيد على 20 ألف مستخدم. وقالت جانا كوبمان، وهي سيدة متقاعدة، إن هذه الفكرة قد أحدثت تغييرا في حياتها، وليس ذلك لأنها ساعدتها على التعرف على ما يجعلها سعيدة فقط، وهو التحاقها بدورة لتعلم الرسم، بل لأنه جعلها تتجنب بنسبة كبيرة القيام بالأشياء التي تجعلها تعيسة.

وأضافت: "قد تقوم بتنظيف المكان الذي تجلس فيه اليوم، إلا أنه يصبح متسخا في اليوم التالي. لذا، ما الداعي إلى القيام بذلك؟ أو ما الذي يجعلك تقوم به بشكل متكرر؟ إنني أحب القراءة، والآن فإنني أختار أحد الكتب التي أود قراءتها وأغض النظر عن أي شيء آخر." إلا أنه لا يمكننا أن نكون سعداء دائما. حيث أظهرت الأبحاث أن الحزن يكون مفيدا أيضا، فمفعوله يشبه مفعول الإشارة الحمراء التي تكبح السلوكيات السلبية. بحسب بي بي سي.

وطبقا لبعض الدراسات التي تضمها قاعدة البيانات، فإن من الجيد لنا جميعا أن تعترينا مشاعر الحزن بنسبة 10 في المئة من أوقاتنا. وبدأ فينهوفين ورفقاؤه في تحليل البيانات التي جرى جمعها في تلك المفكرة الشبكية، وذلك للقيام بدراسات أكثر بشأن السعادة. وحتى الآن، فقد أظهر تحليل الاعترافات الشخصية لمحبي العمل أن اللجوء إلى التمارين الرياضية بعد العمل بدلا من احتساء كوب من الجعة في المنزل قد يؤدي إلى حياة أكثر سعادة.

مملكة السعادة

في السياق ذاته تشتهر مملكة بوتان التقليدية الواقعة في الهملايا بين الصين والهند بمؤشر "اجمالي السعادة الوطنية" الذي يركز على رفاه السكان قبل النمو الاقتصادي.. لكن عددا متزايدا من الشبان يرفض اعتبارها بلد السعادة. وابتكر ملك بوتان السابق في السبعينات مفهوم مؤشر السعادة الذي بات مؤشرا للتنمية في العالم اجمع حل محل مؤشر اجمالي الناتج المحلي.

وبحسب هذا المفهوم، تقاس سعادة سكان بلد معين بأخذ النمو الاقتصادي بالاعتبار، بالإضافة الى معايير اخرى مثل الحفاظ على الثقافة والبيئة والحكم الرشيد. لكن بعدما لحقت بوتان بركب العولمة وسمحت بدخول السياح الى اراضيها للمرة الاولى سنة 1974 وبالتلفزيون سنة 1999 والديمقراطية سنة 2008، يبدو أنها فقدت شيئا من رونقها. ويقول جيغمي ونغشوك (24 عاما) وعو عامل اجتماعي ومدمن مخدرات سابق يعيش في العاصمة تيمفو "من الواضح ان الناس هنا ليسوا سعداء. فنحن نواجه تحديات عدة والكثيرون يعانون".

وتتخوف السلطات من تفاقم ظاهرة استهلاك المخدرات في هذا البلد الذي بقي منعزلا عن العالم لمدة قرون. ويعتبر استهلاك الكحول، خصوصا النبيذ المصنوع من الارز، جزءا من الثقافة المحلية. لكن امراض الكبد اصبحت من الاسباب الرئيسة للوفاة في هذا البلد الذي يضم 750 الف نسمة، على ما اظهرت احصاءات وطنية نشرت سنة 2012.

وظلت بوتان بلا طرقات وهواتف وعملة حتى الستينات. ولم تنفتح على العالم الخارجي الا في السبعينات. لكنها لا تزال تنتقي سياحها حتى اليوم من خلال منحهم تأشيرة دخول تكلف 200 دولار لليوم الواحد. وبعدما كان الحكم في بوتان ملكيا مطلقا، اصبح بدءا من العام 2008 ملكيا برلمانيا. ولا تزال البوذية الديانة الرسمية في المملكة وهي تطبع حياة السكان اليومية. لكن النسيج الاجتماعي التقليدي يتفكك تدريجيا.

فيقول الطبيب النفسي دامبر نيرولا ان "نسبة الجرائم ترتفع كل سنة، وتظهر في الشارع جرائم لم تكن موجودة قط قبل 10 سنوات، مثل السرقة والنشل في الشوارع". ويضيف ان البطالة مصحوبة بالادمان ومعاقرة الخمر هي التحدي الرئيسي الذي تواجهه البلاد. وتدرس هيئة اجمالي السعادة الوطنية المعنية بالتخطيط في البلاد، كل التدابير الاقتصادية للتأكد من انها تتماشى مع مبادئ اجمالي السعادة الوطنية. لكن السكان يشككون في حسن تطبيق هذا المبدأ.

ويقول طالب يدعى جاميانغ تشيلتريم "عندما انظر الى الصعوبات في بلدي، لا أرى سعادة وطنية"، مضيفا ان ما يثير قلقه في الدرجة الاولى غياب فرص العمل الملائمة للشبان الذين يبلغ معدل اعمارهم 26 عاما. فالوظائف التي تناسب السكان اصحاب المؤهلات تقتصر على القطاع الخاص الذي لا يزال يخطو خطواته الاولى، والاعمال اليدوية في قطاع البناء المزدهر تترك للهنود الذين عبروا الحدود.

ويقول نيرولا "هناك تفاوت بين العرض والطلب في مجال فرص العمل"، خصوصا ان الشبان يبتعدون عن الزراعة التي لا تزال القطاع الرئيسي في المملكة، تاركين الحقول في عهدة الاكبر سنا. وتعتمد بوتان الى حد كبير على العملاق الهندي في مجال الاستثمارات والمساعدة والواردات. وسنة 2012، نفدت العملة الهندية من البلاد التي عانت ازمة ائتمانية. ومع تفاقم الازمة الاقتصادية، روج رئيس الحكومة مفهوم اجمالي السعادة الوطنية في مقر الامم المتحدة في نيويورك. بحسب فرانس برس.

ويقول تينزيغ لامسانغ محرر صحيفة "ذي بوتانيز" "في تلك اللحظة، تضاعفت الانتقادات، لأن الناس اعتبروا ان الهم الاول لدى المسؤولين هو ترويج مفهوم السعادة في الخارج". ويعتبر ان السعادة الوطنية باتت مفهوما شائعا في اوساط النخبة، لكنه لم يعد يعني شيئا للسكان. لكن بيما تينلي الذي يعمل في مركز الدراسات حول بوتان يقول ان الناس يبالغون في انتقاد مفهوم السعادة الوطنية لانهم يتوقعون "دولة مثالية". ويضيف ان "اجمالي السعادة الوطنية هو هدف يحاول شعب بوتان برمته المطالبة به وتحقيقه. لكن لا أحد يدعي حاليا ان بوتان حققت اجمالي السعادة الوطنية".

عش اللحظة

من جانب آخر فالسعادة، حالة نفسية ومعنوية قد تعرفها، ولكن من الصعوبة وصفها. وقد قد يطلق عليها الشعور بالرفاه، والتفاؤل بمغزى الحياة. ولكن أيا كانت السعادة، نحن نعلم أننا نريد الاستمتاع بذلك الشعور، لأنه جيد للغاية. ونحن نعرف أيضا أننا لا نسيطر دائما على شعورنا بالسعادة. وأشارت الأبحاث إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دورا كبيرا في مستوى الرفاه لدينا. وعلاوة على ذلك، فإن العوامل المحيطة يمكن أن تؤثر أيضاً على المزاج.

وقالت أستاذة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جماعة "هارفرد" للصحة العامة لورا كوبزانسكي إن محاولة السيطرة على المزاجات العاطفية تعتبر أمراً هاماً للجسم والعقل معا. وقد وجدت العديد من الدراسات العلمية، بما في ذلك بعض الدراسات التي أجرتها كوبزانسكي، ارتباطاً وثيقاً بين الصحة النفسية والجسدية. ووجدت مراجعة علمية أجريت في العام 2012، وضمت أكثر من 200 دراسة، وجود ارتباط بين السمات النفسية الايجابية، مثل السعادة والتفاؤل والرضى عن الحياة، وانخفاض بمخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية.

وأوضحت كوبزانسكي أن الناس الذين لديهم عقلية متفائلة هم أكثر انخراطا في السلوكيات الصحية مثل، تناول نظام غذائي متوازن والحصول على قسط كاف من النوم وممارسة التمارين الرياضية. أما انخفاض ضغط الدم، ووزن الجسم الطبيعي وصحة الدهون في الدم فترتبط أيضا بشعور أفضل من الرفاه في هذه الدراسة. كذلك، وجدت كوبزانسكي أن التفاؤل يرتبط بمستويات أقل من الالتهابات.

أما إذا كان ما تعنيه في السعادة على وجه التحديد "التمتع بالحياة" فهناك أدلة أحدث تدعم ذلك أيضا. فقد وجدت دراسة حديثة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الكندية أن الأشخاص الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، وقالوا إنهم استمتعوا أقل بالحياة، هم أكثر عرضة لتطوير العجز على مدى فترة ثماني سنوات. ورغم أن الدراسة لا تثبت أن المشاكل المادية هي سبب أقل للتمتع بالحياة، إلا أنها تشير إلى وجود علاقة بينها.

ويوجد أدلة قوية على أن الوراثة تلعب دورا كبيرا في السعادة، وذلك وفقا لأخصائية علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا، نانسي سيغال. وقد أظهرت الأبحاث أن التوائم المتطابقة تميل إلى أن تكون على مستوى مماثل من السعادة، وأكثر من التوائم العادية. وأوضحت كوبزانسكي أن البيئة المحيطة تؤدي دورا مهما أيضاَ. بحسب CNN.

هل فكرت مثلا أنك ستكون أكثر سعادة، إذا كنت تتمتع بمزيد من المال. كليشيهات قديمة تفيد أن "المال لا يشتري السعادة". ولكن هل هذا صحيح؟ ووجدت دراسة صدرت في العام 2010 أن الشعور بالرفاه يرتفع مع الدخل إلى نقطة محددة، كأن يكون مثلا دخل الأسرة 75 ألف دولار. أما السعادة اليومية فلم تزيد بسبب ارتفاع الدخل. وقال الباحثان في جامعة "برينستون" دانيال كهنيمان وأوغوس ديتون إن "مزيد من المال لا يشتري بالضرورة المزيد من السعادة، ولكن عدم القدرة على جني الأموال، يرتبط بالألم العاطفي."

مقياس السعادة

في السياق ذاته يعتزم رئيس بلدية فيلنيوس وضع شاشة عملاقة فوق مبنى البلدية تعرض "مقياس السعادة" الذي سيراقب الحالة المعنوية للعاصمة الليتوانية. ومن المقرر أن تراقب الشاشة الضخمة مستوى السعادة بين سكان العاصمة البالغ عددهم 520 الف نسمة بعرض رقم على مؤشر من واحد إلى عشر درجات يعكس الآراء التي يرسلها السكان عبر هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر. والنظام قائم بالفعل ويعرض على شاشات تلفزيونية في بهو مبنى البلدية. بحسب رويترز.

وقال ارتوراس زوكاس رئيس البلدية "هذا المقياس أداة عظيمة للسياسيين. إذا اتخذنا قرارا ورأينا هبوطا حادا في المزاج بالمدينة سنعرف أننا ارتكبنا خطأ فادحا." وكان استطلاع أجراه اتحاد وين (وهو شبكة مؤسسات تجري استطلاعات للرأي) في عام 2011 بشأن الشعور بالسعادة في العالم قد توصل إلى أن ليتوانيا التي تأثرت كثيرا بالازمة المالية عامي 2008 و2009 كانت بين أقل الدول سعادة بين 58 دولة جرى استطلاع رأي سكانها. ولم يكن أقل من الشعب الليتواني سوى شعوب كل من صربيا والأراضي الفلسطينية ومصر ورومانيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/نيسان/2014 - 8/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م