العراق التعدّدي ومسؤولية البناء

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن فرصة البناء المتطور للعراق، متيسرة الآن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ومستلزمات، فهذا البلد يملك الموارد الكافية، ويملك الطاقات، والعقول، لكن الحاجة الاساسية للبناء، تتمثل بتوافر الارادة السياسية الحازمة، مع الكفاءة المطلوبة علميا وعمليا، لكي يُبنى هذا البلد على أسس حديثة، وركائز وقواعد ثابتة، حتى تمنع من انزلاقه مرة اخرى نحو الطغيان والجبروت السلطوي، ومع أننا نعترف بصعوبة مرحلة التحولات الاقتصادية والسياسية الحساسة التي يمر بها العراق، الا أن الفرصة مواتية كي يقف هذا البلد هو وشعبه على قدميه، معتمدا على القدرات الهائلة التي تتوافر له.

ولكن كلنا يعرف ويلاحظ الموانع والمعوقات الكثيرة التي تحاول ان تبقي على العراق بلدا ضعيفا، بمعنى هناك دوائر واذرع دولية واقليمية تخطط وتتدخل لكي يبقى العراق دولة مستهلة ضعيفة، فتعمل على إلهاء الشعب بامور جانبية غير البناء والاستقرار، لذلك لابد لمن يتصدى لمسؤولية قيادة هذا البلد أن يتنبه لهذه الامور التي تحد من تطور البناء المجتمعي والسياسي والاقتصادي.

لذلك ينبّه سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الجميع الى اهمية الظرف العراقي المعقّد، قائلا سماحته في هذا المجال بالكتاب القيم الموسوم (من عبق المرجعية): (ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق). بمعنى أننا جميعا مطالبون بالتصدي لمسؤولياتنا من اجل استثمار الفرصة الثمينة، للشروع ببناء الدولة القوية المستقرة، حتى نتجنب المآسي التي أحالت حياتنا كعراقيين الى سلسلة من القهر والحرمان والتجهيل، بالاضافة الى التشريد والتعذيب والقتل والمطاردة.

مأساة الماضي وفرص الحاضر

إن مجموعة المحن والمآسي التي تعرض لها العراقيون، هي من النوع الشامل، بمعنى معظم طبقات العراق - باستثناء تلك (الاستثناءات) المقربة من السلطة- نالت قسطها من العذاب والقهر، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا سماحته في هذا المجال: (نحن العراقيين جميعا في كل مكان، وفي كل ارجاء الارض، في بلاد الاسلام وفي غير بلاد الاسلام، قد شملتنا المأساة بشكل او بآخر).

من هنا لابد أن تكون مأساتنا دافعا لاستثمار الفرصة التاريخية المتاحة الان لنا، من اجل بناء الدولة القادرة على تحقيق التعايش السلمي، وتعميق قيم السلام، والقبول بالتعدد والرأي الاخر، وهي قيم لابد من ترسيخها في السلوك اليومي للشعب، وأن تتشبع افكاره بهذه القيم عن معرفة وقناعة، فالمقومات المطلوبة لبناء الدولة المتطورة، كلها موجودة في العراق، ولم يبق سوى التخطيط السليم والتنفيذ الجيد لخطوات البناء بكفاءة وعلمية، بمعنى أننا نحتاج الى ارادة الشروع بالتنفيذ السليم لبناء المجتمع والدولة القوية المستقرة القادرة على منح فرص الابداع والانتاج الامثل على المستويات كافة.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب على: (ان العراق فيه كل مقومات التقدم والتطور والرفاه والراحة، فهو يملك المال والنفط والارض الخصبة). وهذه كلها مقومات مساعدة لبناء الدولة والمجتمع، شريطة أن يتم استثمار الفرص بالطرق الصحيحة، وهنا تبرز اهمية الاستفادة من دروس الماضي، خاصة ما يتعلق بالاخطاء وتصحيحها، ومعرفة مكونات المجتمع، ومحاولة فهم الاختلافات والتفاهم بشأنها، والتدريب على احترام الرأي، ونشر منهج احتواء الصراع قبل ان يتحول الى مرحلة التصادم، وهنا يبرز دور المنهج التعددي وقدرته على استيعاب جميع المتناقضات وصهرها في بوتقة واحدة، تنسجم وتتفاعل مع بعضها في اطار القبول والاحترام.

الانسان طاقة فاعلة

في مجال البناء يمكن ان يتحول الانسان الى شمعة تضيء للاخرين سبل التقدم الى امام، فكل فرد له القدرة على تحفيز الاخرين على الانتاج الامثل، وكل كلمة لها تأثيرها ومفعولها الكبير في دفع الانسان نحو المسار الصحيح، انطلاقا من الشعور بأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقه، واهمية التصدي لها بروح قوية وارادة فاعلة متميزة، فكلنا كما يقول سماحة المرجع الشيرازي مسؤولين عن بناء العراق، بالوسائل المتاحة لنا ولكن ضمن التخطيط السليم والكفاءة والتميز.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (يجب علينا ان نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة الى جهود كثيرة وكبيرة، فكل انسان منا يمكن ان يكون شمعة في هذا المجال، وكل كلمة لها قيمتها).

ولكي نضمن النجاح في مسعى البناء، لابد أن نبدأ بتعضيد التجربة السياسية، وفي الوقت نفسه نعمق قيم التفاعل المجتمعي، ومنها كما ذكرنا سابقا مبدأ التعددية والتنوع، لأن المنحى الشمولي و الاحادية اثبتت فشلها الذريع، في السياسة او غيرها، سواء على مستوى العراق او التجارب الاخرى لدى الامم والشعوب، علما ان التعدد ينتهي الى نشر حالة التعايش كطريقة او منهج للحياة، لذلك الكل سوف يقبل بالكل ويتعاون معه، من هنا يتفق الجميع وكما تدل التجارب القائمة على الارض، أن الدواء الاكثر فاعلية في تدمير الدكتاتورية والتخلص من مخاطرها، هو اعتماد المنهج التعددي، والقبول به من لدن الجميع ونشره كدليل ومسار نحو العيش باعتدال وقبول متبادل، مع احترام الجميع للجميع في كل مجالات الحياة.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (العراق بحاجة الى التعددية لا الدكتاتورية، فبقدر ما تجرع العراق آلام الدكتاتورية، هو بحاجة اليوم الى التعددية).

هكذا ليس امامنا لدرء خطر الدكتاتورية، سوى التمسك بمجموعة قيم القبول بالاخر والاحترام المتبادل والتعدد والتعايش والتكافل، وهي قيم وسطية تنبذ التطرف، وترفض العنف كطريقة لادامة الحياة، وتشجع على العيش في ظل نظام اجتماعي متوازن، تسوده قيم انسانية راسخة، تساعد بدورها على بناء العراق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولكن كل هذا ينبغي ان يتم تحت خيمة الشعور الجماعي بمسؤولية البناء والتطور والاستقرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/نيسان/2014 - 8/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م