المرشحون بين أوهام الفوز وخسارة الحقيقة

 

شبكة النبأ: جمعتني الصدفة مع جار لي في سيارة الأجرة، وكنا نلاحظ في الطريق تزاحم الصور الكبيرة والصغيرة مع بعضها هنا وهناك بشكل غير طبيعي، وبعد نظرة خاطفة عليها، بادر الى التعليق بظرافة وعفوية؛ "أعتقد ان كثرة المرشحين دليل على عدم فهمهم للديمقراطية التي يريدون ممارستها.."!.

في الديمقراطيات الناجحة فان المرشح في الانتخابات، سواء البلدية – المحلية، أو البرلمانية العامة، قبل ان يفكر في الفوز بأصوات الناخبين، يأخذ بنظر الاعتبار كل الحقائق على الأرض، حتى وأن كان هنالك ما يتعارض مع مصالحه وأفكاره، لأنه في كل الاحوال في حلبة سباق واحدة مع الآخرين. فهنالك الحاجات العامة للشعب، وهنالك الاستحقاقات وايضاً الأفكار والتوجهات المختلفة، مثال ذلك؛ ما نشاهده في أبرز الاستحقاقات الاجتماعية لدى الناخبين في بعض الدول الأوربية، حيث ينقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض.

تأسيس القاعدة الجماهيرية، من أهم استحقاقات نجاح التجربة الديمقراطية، ورغم مرور أكثر من عقد كامل من الزمن على عمر الديمقراطية في العراق، فان مفهوم الانتخابات ما يزال يدور في الحلقة السياسية المفرغة، ولم يخرج منها بعد الى الساحة الجماهيرية، والسبب في ذلك ربما يعود الى شرطين، من جملة شروط مفقودة: عجز الأحزاب السياسية نفسها من التوصل الى "قانون الأحزاب السياسية" في البرلمان العراقي، بعد ثمان سنوات من وجود نواب برلمان منتخبون من قبل الشعب العراقي. والشرط الآخر؛ فقدان صفة الجماهيرية في الهيكلية التنظيمية لمعظم الاحزاب السياسية الموجودة على الساحة، لذا نجد ان المرشح يظهر أمام الناس بصوره ووعوده ليس من واقعهم، إنما من الواقع السياسي، حيث اللهاث على المكاسب المادية والمصالح الفئوية والسباق على فرض الهيمنة والنفوذ في مرافق الدولة.

نعم؛ هنالك الواقع المرير في العراق، حيث الأزمات والمشاكل على الأصعدة كافة، وهذا ربما يحسبه المرشح، نافذة جيدة للدخول منها قاعة مجلس النواب في بغداد..!. لذا لا يجب أن نستغرب وجود (9045) اسم مرشح في الدورة الثالثة للانتخابات البرلمانية، ينضمون تحت لواء (233) كيان وحزب سياسي، وهي ارقام مهولة في بلد مثل العراق، لم تتجاوز عمر الديمقراطية فيها أكثر من عشر سنوات، وربما تكون الغرابة لا تُحد لدى البلاد التي ناهز عمر الديمقراطية فيها حوالي أربعمائة عام، مثل بريطانيا. ومن خلال عملية حسابية بسيطة يتبين أن كل مرشح مدرج اسمه في قائمة المفوضية، يفترض أن يكون مقابل حوالي (1888) مواطن يحق له التصويت، من مجموع (17) مليون ناخب، كم سمعنا وشهدنا من هؤلاء المرشحين من عقد ندوات واجتماعات وملتقيات جماهيرية؟، وكم منهم قام بجولات تفقدية على المناطق السكنية وطرق الابواب مجردين من آلات التصوير والمرافقين والمطبلين..؟!.

ومما يؤسف له حقاً، ان السنوات الماضية والتجارب الانتخابية العديدة لم تحمل المرشحين الى تخطي التجربة الفاشلة في كسب ولاء الناخبين وأصواتهم، بل يبدو ان البعض مُصر على إبقاء صورة السذاجة والسطحية في التفكير والاقتصار على الحاجة المادية لدى الناس، مثل المفروشات والمستلزمات المنزلية او المواد الغذائية، بل ذهب احدهم حداً في التلاعب علانيةً بالمشاعر الإنسانية للناس، عندما أعلن استعداده لاجراء عمليات جراحية مجانية..!.

صحيح؛ أن هنالك مفهوم في السياسة تحت عنوان "الامر الواقع"، وفي العراق يسمى "واقع الحال"، لكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال استغفال الحقائق، او ان يكون الواقع المرير الذي يعيشه الناس طريقاً لتمييع الحقائق ونسيانها. فهنالك حقيقة التخلّف العلمي والثقافي، وهنالك حقيقة الفوضى السياسية والأمنية والفساد وانحنائة القانون أمام لغة العنف والمال.

والمفارقة، أن نسمع بمبادرة المفوضية العامة المستقلة للانتخابات بعقد ندوات وورش عمل تقيمها مكاتب المفوضية في عديد المحافظات، لنشر ثقافة الانتخاب وإرشاد الناخبين بكيفية استخدامهم البطاقة الالكترونية، كما توجه خطابها الى الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين المعنيين بإنجاح التجربة الانتخابية، ولا نسمع بندوات مماثلة من كيانات وأحزاب سياسية رغم العدد الهائل لها في العراق.

وللحقيقة نقول: ان إجراءات تحفيزية عديدة اتخذت لدفع الناخب العراقي للتوجه الى صناديق الاقتراع يوم الثلاثين من الشهر الجاري، في مقدمتها فكرة البطاقة الالكترونية، ثم جاء دور التقديس وإدراج الانتخابات ضمن المسؤوليات الأخلاقية والدينية، هذا الى جانب بعض المحفزات المادية من اصحاب النفوذ في المراتب العليا بالدولة، كل ذلك يعزز الوهم بحصول الكثير ممن يتصورون أنفسهم محظوظين، على ثقة الناس وآرائهم، وإن حصل، فتكون بأرقام هزيلة. ومع علم الـ (9045) مرشح بأنهم يتسابقون على (325) مقعد في البرلمان، إلا انه ثمة شريحة، ربما يمكن وصفها بالطبقة الثرية سياسياً واعلامياً وتاريخياً..!. تتصور أنها الأكثر حظاً بالفوز، بيد ان هذا التصور – الوهم، وإن تحقق، فانه سيسجل خسارة بالمقابل للحقائق، ويجعل السياسيين بعيدين أكثر فأكثر عن الحلول الحقيقية والشاملة للازمات في البلاد، والأخطر من ذلك؛ تبرير حالة التخلّف واستمراء المشاكل من قبل الناس بما يجعل الديمقراطية في العراق وسيلة لحكم المشاكل والأزمات، وليس لحكم الناس وقدرتهم على حل هذه المشاكل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/نيسان/2014 - 7/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م