يعيش العرش السعودي اليوم حالة من التصدع بسبب الأوضاع التي تمر بها
المنطقة العربية بصورة عامة والمنطقة الخليجية بصورة خاصة، نتيجة
للأوضاع التي تشهدها سوريا والحراك الشعبي البحريني المستمر منذ عام
2011م إلى يومنا هذا نتيجة للتدخل السافر للمملكة العربية السعودية في
هذه البلدان، أضف إلى ذلك الأوضاع الصحية السيئة التي يعيشها الملك
السعودي ورغبته في اعادة تنظيم الخلافة في المملكة.
بناء على ذلك سنتطرق إلى معرفة الصراعات داخل المملكة العربية
السعودية ومدى تأثيرها على مستقبل السلطة الحاكمة؟.
انظمة الحكم الوراثي يعدها البعض من أكثر الأنظمة السياسية التي
تتصف بالاستقرار والسلمية في عملية تداول السلطة بناء على ما تعيشه
الملكيات العريقة مثل (المملكة المتحدة –بريطانيا– وبلجيكا) على اعتبار
أن هذا النظام يعد بعيدا عن الصراعات والانقلابات التي تحدث في الأنظمة
الأخرى، انطلاقا من أن أفراد الأسرة الحاكمة يكونون متفقين على كيفية
ادارة شؤون المملكة، لكن الواقع والتجربة العملية أشارت إلى غير ذلك في
منطقة الخليج، فالأنظمة السياسية في منطقة الخليج اغلبها وراثية وتعيش
صراعات عدة، اتضح للمراقب السياسي مدى تفاوتها ما بين أسرة وأخرى وان
كانت شدتها بدأت تظهر ما بين أفراد الأسرة الواحدة من اجل السيطرة على
الحكم.
ان نظام الحكم الملكي – الوراثي - وكما هو متعارف عليه يتم فيه
انتقال السلطة من الأب إلى الابن في حال وفاة الأول، أما في المملكة
السعودية فان خط الخلافة يسير من أخ إلى أخ بين أبناء آل سعود، وقد ترك
تسلم آل سعود للسلطة ولفترة طويلة جدا تأثيرا سلبيا على سير الحياة
السياسية داخليا وخارجيا، لان الحياة السياسية لم تشهد أي تطور أو تقدم
لكون هؤلاء متمسكين بالسلطة وغير مستعدين للتخلي عنها لأي سبب من
الأسباب.
إن عدم الرضا على سياسة الأسرة الحاكمة تلتقي في نقطة واحدة وهي أن
المجموعات المتصارعة داخل العائلة الحاكمة تتسارع إلى كسب رضا وود
الملك من اجل الحصول على الخلافة في الحكم. وفي الوقت الحالي فأن ولي
العهد هو الأمير (سلمان بن عبد الله بن عبد العزيز) الذي يوصف بأنه
يعاني من الخرف وقد جاء تعيينه وليا للعهد بناء على ترشيح من الملك
نفسه، ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه هي المرة الأخيرة التي سوف يستطيع
الملك فيها من ترشيح خليفة له اذا ما انتقل العرش إلى سلمان فأن ولي
عهده سيرشح من قبل هيئة تعرف ب(هيئة البيعة) وهي تتكون من الأمراء
مهمتها المساعدة في قيادة الخلافة المستقبلية للمملكة، ولكن نطاق دورها
مبهم لكونها لم تشارك في اختيار ولاة العهد الجدد الذين جاءوا بعد
سلطان أو نايف.
تعتبر الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية من أكثر الأسر
الحاكمة في منطقة شبه الجزيرة العربية التي تزداد فيها الصراعات
والتنافسات حول السلطة، وتوصف هذه الأسرة بأنها ذات دور محوري وأساسي
في عملية اتخاذ القرار سواء كان داخليا أم خارجيا، وهذا من خلال تدخلها
في شؤون وسياسات دول المنطقة، حيث يذكر أن هناك صراع أزلي داخل بناء
الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية ما بين الملك (عبد الله بن
عبد العزيز) و(السديريين) -وهم الأخوة غير الأشقاء للملك- هذا الصراع
ما بين الفريقين كان سببه يعود إلى كيفية اجراء الإصلاح في المملكة
وطبيعة التعامل مع المعارضة وقاد هذا إلى الانقسام ما بين مؤيد ومعارض:
(أ) الاتجاه الأول كان يطالب بإجراء إصلاحات مع توسع نسبي في مجال
المشاركة السياسية بشكل عام وهذا الاتجاه يتمثل بالملك عبد الله ابن
عبد العزيز منذ أن كان وليا للعهد، وكان من مؤيدي الملك هم الأمير سعود
الفيصل -وزير الخارجية- والأمير تركي الفيصل، والأمير نواف بن عبد
العزيز -رئيسي جهاز الاستخبارات السابقين- والأمير عبد الله الفيصل
-حاكم منطقة عسير-.
(ب) الاتجاه الثاني الذي كان يناوئ الإصلاح ويتبنى موقفا متشددا
اتجاه أي اصلاح أو تنفيذ لمطالب المعارضة وهذا الاتجاه يتمثل
بالسديريين، وأبرزهم ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، والأمير
نايف بن عبد العزيز -وهو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير
الداخلية-، والأمير سلمان بن عبد العزيز -حاكم الرياض-، ومن المفارقات
التي تذكر أن هذا الاتجاه بالرغم من معارضته لأي إصلاحات قد تجري إلا
انه يدعو إلى اندماج المملكة السعودية مع العالم بالإضافة إلى اقامة
علاقات أوثق مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تزايدت التكهنات حول من سيحكم المملكة العربية السعودية في
المستقبل بعد تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائبا لرئيس مجلس
الوزراء في 1/شباط/2013م وهذه الخطوة سوف ترمي بظلالها على السياسات
والإجراءات المعقدة التي تحيط بمستقبل العرش السعودي، إذ يعتبر الأمير
مقرن بن عبد العزيز اصغر أبناء الملك عبد العزيز (مؤسس المملكة العربية
السعودية) وهو اليوم الشخص الثالث الأكثر نفوذا في المملكة بعد الملك
عبد الله وولي عهده الأمير سلمان، والاثنان يعانيان من المرض، فالأول
يبلغ من العمر 89 عاما" وهو شبة عاجز عن الحركة، والثاني يبلغ 79 عاما
وهو مصاب بالخرف، أما الأمير مقرن فيبلغ 70 عاما وهو الأوفر حظا مابين
الاثنين على الرغم من كبر سنه.
مهما كانت التوقعات حول من سيحكم السعودية أو من سيتولى عهدها في
المستقبل فإنها تبقى في حيز التكهنات والتخمينات، لكن توجد بعض
المؤشرات حول مصير الحكم في الرياض منها:
(1) قيام الملك بتعيين وليا لولي العهد أمرا مبهما حول ما الغاية من
هذا التعيين؟ والجميع اليوم بانتظار متى سيتنازل الملك عن الحكم لولي
عهده بعد تدهور حالته الصحية وبشكل ملفت للنظر.
(2) أن الأمير سلمان -ولي العهد الحالي- هو ليس أفضل حالا من الملك
لكونه كبير السن ومصابا بالخرف فان توليه للسلطة يعد بعيدا بعض الشيء
نظرا للوضع الصحي الذي يمر به.
(3) قد يحاول الملك اعادة التجربة القطرية من خلال إيصال ابنه
للسلطة بعد تعيينه وليا للعهد وبذلك يضمن عدم خروج السلطة من قبضته.
(4) من المتوقع أن مقرن هو الملك للمرحلة القادمة وقد يعين الأمير
متعب وليا للعهد وبذلك يقضي على المنافسين السديريين.
ومن المتعارف عليه أن اغلب الصراعات التي تحدث بين أفراد الأسرة
الحاكمة السعودية تنتهي عادة داخل أسوار القصر الملكي، ولكن الواقع
اليوم يشير إلى غير ذلك، فمن المتوقع أن العالم سوف يلحظ هذه الصراعات
وفي القريب العاجل والسبب في ذلك يعود إلى تصدع المؤسسة الحاكمة في
المملكة العربية السعودية بناءا على واقعها الذي يشير إلى ذلك.
* باحثة مشاركة في مركز الفرات للتنمية
والدراسات الإستراتيجية
www.fcdrs.com |