نهاية الجامعة العربية

حاتم حميد محسن

 

في الاسبوع الماضي (26 مارس 2014) عقدت الجامعة العربية قمتها السنوية الخامسة والعشرين. وعلى الرغم من ان امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر دعا عند افتتاح القمة الدول المشاركة لترك الخلافات جانبا، الاّ ان التوترات المتصاعدة في المنطقة في السنوات الاخيرة، تركت بصماتها على يومين من محادثات القمة التي انتهت الى اخفاق واضح. المشاركون اتفقوا على رفض فكرة الإعتراف باسرائيل "كدولة يهودية" لكنهم لم يتفقوا على اي من القضايا الاخرى.

توقعات المراقبين للجامعة العربية (والتي لم تكن في يوم ما عالية) كانت منخفضة حتى قبل انعقاد هذه القمة. الاستقطاب الاقليمي الذي حدث في اعقاب الربيع العربي، عمّق الانقسام بين المؤيدين للانتفاضات العربية، مثل تونس، والمدافعين عن الوضع الراهن، مثل العربية السعودية و مصر، ومثّل جزءاً من المشكلة.

 اما الجزء الاخر تمثل بالانقسام حول الاخوان المسلمين: العربية السعودية ومصر سميا مؤخراً حركة الاخوان المسلمين بالمنظمة الارهابية، لكن قطر، الداعم الاقليمي للاخوان المسلمين، لازالت مستمرة بمساعدتهم، كما ان الاحزاب السياسية المتحالفة مع الجماعة لا تزال تمسك بالسلطة او لديها نفوذ سياسي هام في تونس والمغرب وقطاع غزة. اما سوريا وهي القضية الاخرى الاكثر خطورة، انقسمت حولها الدول الاعضاء، فقدمت الدعم وبشكل فعال وكبير لمختلف اطراف الحرب الاهلية. كذلك بقيت الجامعة منقسمة بين اولئك الذي يخافون من ايران وبين اصحاب الرؤية الأكثر اعتدالاً كلبنان والعراق.

ونظراً لهذه الانقسامات، رفض قادة السعودية والبحرين وعمان والامارات العربية حتى الحضور الى القمة. هذا لا يعني ان مقاعدهم وحدها بقيت فارغة. الجزائر والعراق اصرّتا على عدم السماح للمعارضة السورية بتمثيل دمشق رسميا (رغم ان احمد الجربا رئيس الائتلاف السوري المعارض، دُعي لالقاء كلمة في الاجتماع). ان القمة اساسا جاءت كفرصة للمتحدثين لتبادل الانتقادات غير المباشرة والاتهامات بزعزعة استقرار المنطقة. وحتى لو ان المسؤولين اشادوا "بنجاح القمة" وبنتائجها الملموسة، فان بلاغتهم الخطابية لم تستطع اخفاء حقيقة ان الاجتماع كان مجرد تذكير آخر بعجز القمة في إثبات صلاحيتها منذ تأسيسها قبل 70 عاماً.

 ومع سقوط الدكتاتوريات القديمة، خرقت الجامعة العربية وبشكل غير متوقع مبدأها القديم بعدم التدخل: في عام 2011، طالبت الجامعة بفرض منطقة للحظر الجوي فوق ليبيا وعلقت عضوية هذا البلد. وفي نفس السنة، دعت الجامعة لإستقالة الرئيس السوري بشار الاسد ومن ثم علقت عضوية سوريا. وبموازاة ذلك، توسطت الجامعة في ابرام اتفاقية مع الرئيس السوري بشار الاسد كان محكوماً عليها سلفاً بالفشل وارسلت المراقبين لمراقبة تطبيق بنود الاتفاقية. وعلى الرغم من الشكوك التي كانت تحيط بهذه المبادرة المثيرة للجدل- حيث ان لجنة المراقبين هذه وُضعت تحت إمرة جنرال سوداني ذو خلفية سلطوية وماضي سيء- الاّ انها أنعشت بعض الأمل في ذلك السبات الطويل للمنظمة.

بالتأكيد، العودة الحقيقية للجامعة في ممارسة دورها المنتظر سيكون مرحبا به. حيث ان ميثاق الجامعة العربية الذي ينص على "رسم اوثق العلاقات بين الدول الاعضاء وتنسيق التعاون، لترسيخ استقلالها وسيادتها"- يجب، ان يضعها نظريا، في موقف يمكّنها من التعامل مع تحديات المنطقة. وهي تحديات كثيرة. ولكن حتى مع الاحداث المثيرة لعام 2011، لم تكن الجامعة بمستوى طموحاتها. نجاحاتها كانت قليلة، فالاجماع الهش على الدعم السعودي لمبادرة السلام العربية لوضع نهاية للصراع الاسرائيلي الفلسطيني عام 2002 كان استثناءاً وليس القاعدة.

في عام 2009، حلل Marco Pinfari، الاستاذ المساعد حاليا في العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في القاهرة، محاولات الجامعة العربية للتوسط في الشرق الاوسط منذ عام 1945. استنتاجاته كانت مثيرة. رغم ان الجامعة العربية توسطت في 12 من مجموع 20 صراع اقليمي ثانوي طوال تاريخها، لكنها تدخلت فقط في 7 من مجموع 36 حرب اقليمية كبيرة، كذلك، تدخلت الجامعة فقط في 5 من مجموع 22 حرب اهلية كبيرة. والأجدر بالملاحظة، ان المنظمة فشلت في صياغة موقف موحد اثناء احتلال العراق للكويت عام 1990، وما تلاه من حرب الخليج، وحرب العراق لعام 2003. وفيما يتعلق بالازمة الليبية، صوتت الجامعة لفرض منطقة حضر جوي فوق ليبيا، لكن محاولاتها للتوسط في وقف اطلاق النار في سوريا فشلت ولم يكن لها اي تاثير. باختصار، اجتماعات القمم المتكررة لم تثمر الاّ عن عناوين ولم يتبلور عنها اي عمل مشترك بل انها قادت لعجز جماعي.

هذا الفشل السياسي هو نتيجة للأسس الرخوة والهشة للمنظمة. الجامعة تأسست عام 1945 تجسيداً لروح القومية العربية. لكن الإعداد التنظيمي للجامعة تطلّب من الجامعة ان تعمل تحت رحمة الدول التي رفضت كل ما في القومية العربية عدى البلاغة. هذا اتضح في ميثاق الجامعة الذي حصر اهدافها بحماية الاستقلال والسيادة، وجعل قراراتها ملزمة فقط للدول الاعضاء التي تقبل بها.

لم يكن ذلك كافياً. لكي تلعب الجامعة دوراً بنّاءاً في سياسة المنطقة، تحتاج لتتحول من منتدى غير فعال للمناقشات الى مكان لصنع قرارات حقيقية. الخطوة الاكثر اهمية ستكون بتغيير ميثاق المنظمة ليسمح باتخاذ قرارات الزامية، وهي المسالة التي اعلن عنها اكثر من مرة نبيل العربي سكرتير الجامعة العربية في القمة الاخيرة في الكويت. هو أكّد بان الميثاق المؤسس للجامعة كان ببساطة"غير كاف" لمواجهة التحديات. وعلى الرغم من رغبة سكرتير الجامعة بالتغيير، لكن يداه بقيتا مكبلتين.

هنا، يجب على الجامعة العربية ان تتعلم من الاتحاد الافريقي. يجب التأكيد ان الاتحاد الافريقي له نواقصه: انه يعاني من الاعتماد على المانحين ويتنافس مع منظمات اقليمية فرعية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ومجموعة تنمية جنوب افريقيا. ولكن في العقد الاخير، تحول الاتحاد من ماضيه السيء "كنادي للدكتاتوريين" - كما يسميه البعض- الى لاعب رئيسي في السياسة الافريقية المعاصرة.

وفي مواجهة التطهير العرقي في راوندا عام 1994، التقى القادة الافريقيون في ليبيا عام 1999 لمراجعة ميثاق منظمة الوحدة الافريقية OAU. وبعدها بثلاث سنوات، ولد الاتحاد الافريقي رسميا. وعلى الرغم من ان ميثاق منظمة الوحدة الافريقية، كما في مرسوم الجامعة العربية، شدد على عدم التدخل بسيادة الدول، لكن الاتحاد الافريقي ابتعد عن هذه المبادئ. في عام 2004 اسس الاتحاد مجلس للسلم والامن من 15 عضوا "لمنع وادارة وحل الصراعات "في المنطقة. هو ايضا ضمن السلطة لتمرير القرارات الملزمة على اعضاء الدول في "الظروف الخطيرة، مثل جرائم الحروب والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية". ورغم ان الاتحاد كان بعيداً عن الكمال، لكنه ومنذ تأسيسه لعب دورا نشطا في بروندي و كوت دي فوير ودارفور وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واخيرا مالي حيث ساعد الاتحاد الافريقي اللجنة الدولية في مالي على تنظيم انتخابات رئاسية.

وعلى عكس الجامعة العربية، استخدم الاتحاد الافريقي وباستمرار العقوبات لتحقيق اهدافه. الجامعة العربية ايضا فرضت عقوبات على سوريا عام 2011 وطالبت على الدوام بمقاطعة اسرائيل، لكن، في نهاية عام 2013، فرض الاتحاد الافريقي عقوبات على عشر دول اعضاء (جمهورية افريقيا الوسطى، مصر، كويانا- بيساو، غويانا كونغو، مدغشقر، مالي، موريتانيا، النيجر، و توغو). ومع أحداث الثورة المضادة في مصر عام 2013، قام الاتحاد بتعليق عضوية مصر. ذلك جسد تناقضا صارخا مع الجامعة العربية، التي ارسلت سكرتيرها العام في جولة عالمية لتوضيح "الظروف الاستثنائية في مصر" ودعت الى مساعدة دولية لجيشها في "هذه المرحلة الانتقالية الحساسة". وعلى الرغم من ان قرارات الاتحاد الافريقي كان فيها الكثير من الاشكالات المثيرة للجدل، وان الامن الافريقي العام بقي هشا ومثاراً للخلافات، لكن الاتحاد على الاقل أثبت ان الفعل الجماعي ممكن، كونه السبيل الى الاصلاحات الهامة للمنظمات الاقليمية.

وبالنسبة للجامعة العربية، لا يمكن للاصلاحات الهامة ان تأتي الاّ من خلال الدول الاعضاء ذاتها. وكما يبدو، الرغبة لمثل هذا العمل تبدو محدودة. في نهاية يومين من اجتماعات القمة، تعهدت الدول الأعضاء بـ "العمل الحاسم لوضع نهاية للانقسامات". ان البيان الرسمي الختامي قُرأ بصوت عالي ليس من سياسي ثقيل وانما من قبل خالد الجار الله وكيل وزارة الخارجية الكويتية. وعلى الرغم من ان النجاح القصير الأجل يبدو غير واقعي، لكن هناك على الاقل بعض الامل بان الاحداث المأساوية في المنطقة قد تدفع الجامعة للعمل الجدّي بنفس الطريقة التي عمل بها الاتحاد الافريقي. والاّ، سيأتي اليوم الذي تُترك فيه جميع مقاعد الجامعة الـ 22 فارغة – ولا احد يهتم بذلك.

..................................................

The End of The Arab League?، الشؤون الخارجية Foreign Affairs، عدد 30 مارس 2014.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/نيسان/2014 - 6/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م