أغلب المرشحين لإنتخابات مجلس النواب العراقي يضعون أسماء عشائرهم
في نهاية الوصف التفصيلي للإسم الإنتخابي الخاص بكل واحد منهم على
اللافتات المنتشرة في كل مكان من أنحاء العاصمة بغداد والتي تبلغ
الملايين، ومن غير المؤكد وجود قدرة على إحصاء عددها التقريبي بعد غياب
العدد الحقيقي لتلك اللافتات، فضلا عن تلك المنتشرة في بقية مدن
البلاد، وقراها على طول مساحة العراق بإستثناء إقليم كردستان المنفصل
واقعا عن الوطن منذ أكثر من عشرين عاما خلت من عمر الزمن العراقي
الكئيب الحافل بالعذابات والفشل وغياب الرؤية، ثم التنازع الغريب على
المناصب والمصالح والثروات والمكاسب المشروعة وغير المشروعة، وكلها في
دائرة الجشع والطمع التي تجتاح النفوس فتعمي القلوب والضمائر، وتحول
الإنسان الى لاهث خلف سراب لاحدود له ممتد بإمتداد صحراء العقل والنفس
الأمارة بالسوء إلا مارحم ربي، وكيف وقد غاب عنا هذا الذي نسميه (إلا
مارحم ربي) ؟ ولم نعد نجد له أثرا، إن كان مختبئا في نزل ما، أو أن
تكون إبتلعته رمال الصحراء التي توغل فيها باحثا عن نبع صاف يرفع عنه
كلكل العطش القاتل.
توزع الناس على طوائفهم ليحتموا من مطر العنف، والموت المجاني، فصار
الحراك السياسي والإنتخابات والتصويت فيها متأثرة بعوامل الولاء
للطائفة والقومية، وكنا نتحدث عن تطور المفاهيم وتغيرها بمرور الوقت
لنصل الى مرحلة الوعي الناجز لنتخلص من آثار الطائفية المقيتة التي
تحكمنا وتوجهنا حيث تريد وصرنا فيها عرضة للإنقسام، ولنكون مؤيدين لبعض
الفاشلين لمجرد إنهم يمثلوننا، وسرعان ماتحولنا الى فهم جديد للعلاقة
بين المرشح والناخب، وبين المواطن العراقي ومايؤمن به، أو مايضطر
للإيمان به رغما عنه، فنتيجة ظروف التغيير العاصفة وجدنا إن المواطن
صار يحتال لينتمي الى حزب، ويتوشح بوشاح طائفة محتميا بها من مخاطر
محدقة به.
هذه المرة حدث التطور الأخطر غير المتوقع والمرفوض، فنحن لم نخرج من
عباءة الطائفية، بل صرنا نتفنن في توصيفها وتسخيرها، ولأن المرشحين في
الغالب لايستطيعون التخلص منها برغم إنها ممقوتة، فإنهم صار يلجأون في
داخل الطائفة الى عشائرهم بعد إدراكهم طبيعة التنافس مع مرشحين محتملين
يمتلكون بعض الأهلية، وربما لم تكن لديهم عشائر ممتدة وفيها عدد وافر
من الناس، فصار هولاء يلجأون الى صوت العشيرة فنجد إن المرشح يكتب في
لافتته التعريفية المعلقة في الشارع (إنتخبوا مرشحكم هادي جلو مرعي
مناحي الشمري) هذا في حال بدأت الدعاية، بينما كان التحايل على عمل
المفوضية العليا للإنتخابات وتوجيهاتها الصارمة بعدم خرق القوانين
الإنتخابية تحايلا ممجوجا ومقرفا، فلاتجد المرشح يباشر بالدعاية خوف
العقوبة، لكنه يعلق اللافتات، ويكتب فيها (عشائر شمر تبارك لولدها
البار هادي جلو مرعي مناحي الشمري ترشيحه لإنتخابات مجلس النواب داعين
له بالتوفيق والنجاح خدمة للوطن والمواطن) ومثل هذا فعله غالب المرشحين
والمرشحات فصار الذكر بارا والأنثى بارة .. |