المشاريع التنموية في كربلاء المقدسة وآفاق التطور

 

شبكة النبأ: دائماً يجري الحديث في كربلاء المقدسة عن ضرورة العمل في البنية التحتية، لإزالة آثار الحرمان والتخلف، ثم إعادة البناء والإعمار، وقد استغرق الحديث السنوات التي اعقبت سقوط صنم الديكتاتورية الصدامية، وتخللت هذه السنوات إنفاق مليارات الدولارات في إطار الموازنة التشغيلية والاستثمارية للمحافظة، بيد أن أول من يقرّ بعدم وصول المنجز الى مستوى الطموح، هم المسؤولون في المحافظة أنفسهم، فهم غير بعيدين عن الواقع الإنمائي وسير عمل المشاريع الاستثمارية والخدمية.  

وما يعزز فرص نجاح كربلاء المقدسة في تشييد البنية التحتية لعموم المرافق الحيوية في الدولة، مثل الزراعة والصناعة والتعليم والطرق والطاقة، وجود ثلاث عناصر من جملة عناصر، تميزها عما موجود في سائر محافظات العراق:

أولاً: الاستقرار الأمني بنسبة كبيرة قياساً بالسائد في المحافظات الاخرى، لاسيما التي توصف  بـ"الساخنة"، حيث تعيش في ظل التحديات الامنية ، وتتعرض لمخطط ارهابي – تكفيري مدمر.

ثانياً: التميّز العالمي في توافد الزائرين باعداد تفوق قدرة الإحصاء، لاسيما في المناسبات الخاصة المتعلقة بالإمام الحسين، عليه السلام، فضلاً عن أن خصوصيتها الدينية – الحضارية، وانها تحتضن مرقد الإمام، عليه السلام، فانها تمثل مركز جذب ثقافي عالمي، من شأنه توفير فرص نجاح لأي مشروع اقتصادي على المدى القريب أو البعيد. مثال ذلك؛ إنشاء المؤسسات الثقافية والدينية من قبل عراقيين وعرب ومسلمين من كل أنحاء العالم.

ثالثاً: التجانس الاجتماعي، وهو ايضاً يعد من مميزات كربلاء المقدسة منذ عهود خلت، ويؤكد المؤرخون والخبراء على أن التنوع والتجانس الاجتماعي، هو الذي أعطى بعداً حضارياً للمدينة، عندما شارك في بنائها وتطوير مرافقها الخدمية والتجارية، السكان المنحدرين من أصول عرقية وقومية عديدة، يجمعهم الحب والولاء العميقين للإمام الحسين، عليه السلام.

هذه الأرضية الخصبة يفترض ان تكون فرصة ذهبية للتخطيط الاستراتيجي، مع الاهتمام بالاستحقاقات الراهنة التي هي بالحقيقة تمثل تحصيلاً حاصلاً لمهام وأعمال المسؤولين المحليين المنتخبين من قبل ابناء الشعب، لكن بنظرة خاطفة على عموم المنجز في هذه المحافظة، نجد الاموال الطائلة والجهد الفكري والعضلي والزمن الغالي المبذول دون حساب، كل ذلك من أجل تعبيد شوارع في الاحياء السكنية، أو مد شبكة مجاري، أو مدّ شبكة الكهرباء لتغطية أحياء سكنية جديدة او تشييد جسر في مكان ما..

وحتى نعرف الفرق بين واقعنا وما يجب ان نكون عليه، يكفي أن نلاحظ تحركات الاطراف الاقليمية والدولية على صعيد التنمية والبنية التحتية، فقد وفدت الى المحافظة وفود عديدة من ايران وتركيا والخليج وحتى من دول اوربية وآسيوية، واجتمعوا مع المسؤولين المحليين وهم يبحثون فرص العمل الممكنة على هذا الصعيد. وآخر زيارة كانت للمدير القُطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق "آدم عبد المولى"، ورغم ان هذه الزيارة ولقاء الأخير بالسيد المحافظ عقيل الطريحي، كانت بهدف الحصول على موافقة إفتتاح مكتب في كربلاء المقدسة يمثل منطقة الفرات الاوسط، بيد أن الاخير صرّح لمضيفه بأن هذه المؤسسة الأممية، والتي يقول أنها موجودة في (150) بلداً في العالم، ويعمل في مجالات عديدة ضمن البرنامج الموجود في العراق منذ 37 سنة، تهدف الى تطوير "البيئة والادارة السليمة والقضايا التي تتعلق بالاقتصاد والبنى التحتية وشؤون المرأة والشباب بالاضافة الى مكافحة الفساد المالي والاداري".

والخطوة التنموية الاستراتجيية الاخرى جاءت من البنك الدولي ومركزه في العاصمة الامريكية واشنطن، حيث أكدت مديرة فرع البنك في العراق "ماري هيلن"، "ان البنك يرغب في اقامة عدد من المشاريع التنموية في قطاع التعليم والسياحة الى جانب تفعيل القطاع الخاص بشكل اكثر حيوية في كربلاء..". وفي اعقاب زيارتها كربلاء المقدسة ولقائها بالسيد المحافظ، كشفت هيلن عن أن "في جدول اعمالنا تشييد ستة مدارس داخل المحافظة الى جانب تفعيل برنامج يهدف الى تنشيط القطاع الخاص والقطاع السياحي بالاضافة الى تنمية المهارات الفنية الموجودة في المحافظة"، واضافت: ان "البنك الدولي لديه خطة شراكة مع الحكومة المحلية في كربلاء لتطوير وتنمية الكثير من القطاعات الاساسية".

هذا النمط من التفكير يدعونا لمزيد من التأمل وإعادة النظر في تقييمنا لمكانة واهمية كربلاء المقدسة، لاسيما ونحن مقبلون على دورة انتخابية جديدة لمجلس النواب، حيث يركز مئات المرشحين جهودهم على إظهار قدراتهم وكفاءاتهم المهنية والعلمية والادارية لكسب ثقة الناخب الكربلائي أملاً بأن يكونوا ضمن رقم (328) نائباً تحت قبة المجلس في بغداد، عن محافظة كربلاء المقدسة. وللأسف – حقاً- أن لا نلمس برامجاً إستراتيجية وتنموية تهتم بالنية التحتية للمدينة في برامج المرشحين، وإن كانت، فهي لا تعدو ان تكون افكاراً ونظريات جميلة تبعث على الأمل في النفوس، لكنا بحاجة الى برامج عملية واضحة المعالم والخطوات، يكون أول شريك فيها ومنفذ ومستفيد هو المواطن الكربلائي.

لنأخذ – مثلاً- القطاع الانتاجي، فبالرغم من الحديث الطويل – العريض عن الزراعة والصناعة في كربلاء فان الاستيراد ما يزال سيد الموقف، بل نجد إنحناءة الفلاح العراقي بل وانسحابه بالكامل أمام المنتوج المستورد، كذلك الحال بالنسبة لبعض المفردات الصناعية في المدينة، مثل المواد الانشائية والغذائية، التي هي الاخرى تعاني قلة الدعم والتطوير مما يفتح المجال واسعاً امام الاستيراد.

وهنالك مسألة لاتقل أهمية عما مضى، وهي الاهتمام بالقطاع التعليمي، من حيث التأهيل والتطوير في الأداء والمنهج والوسائل.. ففي الوقت الذي يتفق الجميع على أن المدرسة والجامعة هي مصدر الكفاءات العلمية التي يفترض انها تدير البلد في المستقبل. بيد أننا نشهد صوراً مأساوية في بعض المراكز التعليمية، لاسيما في المراحل المتقدمة وتحديداً في الاماكن التي يفترض ان تكون مهد البذرة التعليمية للطالب مثل المختبرات وأدواتها او الورش الفنية وغيرها.

نعم؛ من الجيد متابعة مسألة المباني والكهرباء والماء والخدمات الاخرى في المدارس والجامعات، ولكن هل يعقل أن يستغرق العمل في هكذا أمور، لسنوات طويلة كما هو الحال مع ما تطلبه البيوت من ماء وكهرباء وقرض إسكان..؟!.

وللحقيقة نقول: إن حق كربلاء المقدسة، ليس في التفاعل مع الدعوات الدولية للعمل على التنمية الاستراتيجية، إنما في المبادرة، من خلال إثارة العقول الموجودة في الداخل والخارج، واستجلاء الآراء والافكار والخروج بخطة عمل معينة لخطوة أولى على الطريق، كأن تكون في مجال النقل والمواصلات والطاقة أو في مجال الانتاج أو تشجيع الزراعة او تطوير التعليم والصحة وغيرها.

ربما هنالك من يقول: إن كربلاء المقدسة تواجه بالأساس معضلة المشاريع المتلكئة والقصور المستمر في الانجاز والأداء، هذا في مشاريع مرحلية بسيطة، فكيف اذا توجهنا الى المشاريع الاستراتيجية التي تحتاج الى تخطيط واسع وأداء مميز ودقيق..؟.

انه التحدي الحقيقي لمن يروم الخوض في عملية النهوض بواقع هذه المدينة المقدسة والهامة في العراق، وفي عموم العالم الاسلامي، ولعلم المعنيين فقط؛ ان عدم الالتفات الى آفاق التطور والبعد المستقبلي للوضع الاقتصادي للمدينة، لن يمنع الاطراف الاقليمية والدولية من دخول الساحة في المستقبل وتقديم الافكار والطروحات بشأن البنية التحتية والمشاريع الاستراتيجية، لكنها ستعكس أهداف ومصالح تلك الاطراف، ولا يهمها الجانب الوطني أو الواقع الاجتماعي، مما يعني أن نكون منفذين ومتفرجين على ما يطرح من افكار وتخطيط ومنهجية تقدم الينا من الخارج. ونرجو ان لا يأتي ذلك اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/نيسان/2014 - 4/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م