صورة الشيعة في الإعلام العربي..

موقع العربية والشرق الأوسط نموذجا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حدثان مهمان في الشروع برسم الاطار العام للشيعة فوق المشهد السياسي، العربي منه أو الاسلامي او العالمي.

الحدث الاول: الثورة الايرانية في العام 1979 الذي شكل حدثا مفارقا لكل ما تم رسمه من خرائط سياسية للمنطقة، وضعت الشيعة، ككيان سياسي على قمة السلطة، في دولة تمتلك كل الاشتراطات الاستراتيجية للنمو والتفوق واحتلال مكانة تتناسب وحجمها.

الحدث الثاني، سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 ووصول الشيعة الى سدة الحكم في بلد مثّل الكثير للعرب والمسلمين في مخيالهم التاريخي، والذين لم يستوعبوا بعد حجم التغيير الذي حدث، أو انهم ليسوا مصدقين حتى الان مما حدث.

مفارقة دالة في الحدثين، ففي حرب الثماني سنوات بين العراق وايران، كانت امريكا ومن خلفها دول أوربا والخليج، هي من تدعم صدام حسين في حربه لإسقاط التجربة الشيعية في ايران، وهي نفسها التي تعاونت على اسقاطه في العام 2003.

ما قبل سقوط نظام صدام حسين، لم يكن الحديث يدور عن الشيعة كلاعب سياسي، أو طرف فاعل في اللعبة السياسية، الا بمقدار بعض التحركات هنا أو هناك، (لبنان كمثل بارز)، لكن سقوط بغداد كشف المخبوء في الصدور، واظهر ما في القلوب علنا.

ثم لتأتي احداث سوريا، ويعود العرب والمسلمون، ومن خلال فاعلياتهم الدينية والسياسية، الى الحفر في المأثور الديني والتاريخي، واستعارة تلك الصور والترسيمات المتعددة، لهذا العدو الذي لا يمكن قهره أو القضاء عليه.

هناك ثلاثة احداث تاريخية يستمد منها العرب والمسلمون صورهم تلك عن الشيعة.

الاول، هو المدونات العقائدية والفقهية التي أعقبت استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) والتي وصلت في ذروتها وبعد قرون الى توصيف ما حدث له (عليه السلام) بانه (قتل بسيف جده)، مع اقتران كل حدث شيعي بارز (ثورة – انتفاضة) بالموالي، ثم الشعوبية، مرورا بالرافضة، ثم يصبح الشيعة، بعد سقوط بغداد بيد المغول، هم المتهم الرئيسي بهذا السقوط واندحار الخلافة الاسلامية.

الثاني، تحول ايران من المذهب السني الى المذهب الشيعي، في الدولة الصفوية، قبل اربعة قرون، وكانت التسمية التي تطلق على ايران قبل تحولها في الكتابات التاريخية هي (ايران المسلمة) ثم لتتحول التسمية بعد ذلك الى (ايران المجوسية) او (ايران الفارسية). ويستطيع المتتبع للكتابات التاريخية حول ايران قبل تشيعها ان يلاحظ غياب اي توصيف له علاقة بالمجوس او الفرس.

الثالث، الحرب العراقية الايرانية، وهو تاريخ حديث لا زال طريا في الذاكرة، مبني على التاريخين السابقين من ناحية الخطاب والدلالات.

لم يترك الاعلام العراقي في حرب الثماني سنوات من وصف الا واستدعاه من ذاكرة التاريخ، لوصم العدو الذي يحاربه، فهو (مجوسي – فارسي – عبدة النار – ابناء المتعة – احفاد كسرى) وغير ذلك من مفردات في القاموس التعبوي، ليشكل من خلالها صورة نمطية قريبة للاذهان في خطابات العرب والمسلمين بعد سنوات لاحقة.

كيف يتعامل الاعلام العربي مع الشيعة في اخباره وتقاريره المرئية والمكتوبة؟

هناك نوعان من هذه الخطابات:

النوع الاول هو الاعلام الرسمي الذي يقدم وجهة نظر الدولة التي يمثلها، واعلام غير رسمي، مستقل وحر في الظاهر، لكنه يتلقى تمويله من خلال أجهزة الدولة، أو من متنفذين فيها، ويعبر عن رأيها دون تسمية للجهات تلك.. أي انه تعبير عما يفكر به قادة تلك الدولة ولا يستطيعون التعبير عنه.

وفي احيان كثيرة يلجأ الاعلام الرسمي الى فسح المجال من خلال مواقعه التفاعلية، الى القراء بالتعبير عن ارائهم دون خوف او وجل، ومعلوم أن القائمين على تلك المواقع، لا يحجبون او يمنعون من نشر اي تعليق يسيء الى الشيعة كمذهب.

ابرز تلك الوسائل الاعلامية، ومن خلال موادها هي قناة العربية وصحيفة الشرق الاوسط، والاثنتان مملوكتان للعربية السعودية، ويتبنيان وجهات نظر العائلة المالكة تجاه جميع القضايا على الساحة العربية والاسلامية.

المتن أو النص في المادة المرئية او المقروءة، هو وجهة نظر رسمية، لا تستعمل الأوصاف والألقاب ضد الشيعة كمذهب، بل تترك ذلك الى الهامش، من خلال ردود القراء وتعليقاتهم على المادة، وتسمح للتمادي في استعمال كل شتيمة ونقيصة ضد الشيعة، كمذهب أو شعائر أو مراجع دين أو فاعليات سياسية أو اجتماعية.

وأكثر ما يدهش في التعليقات وخصوصا على مواد موقع (العربية) هو كثرتها الوافرة والتي لا تتناسب مع الحدث الذي ينقله الخبر، او التقرير، حتى لو تعلق ذلك بالحدث الاوكراني على سبيل المثال.

 في حين تغيب تلك الردود والتعليقات على مواد تحتل المواقع الاولى في جميع وسائل الاعلام العالمية لأهميتها وسخونتها.

ولا يثير القائمون على صحيفة الشرق الأوسط، مقدار الذبح والقتل التي يتعرض له الشيعة، وهم يغطون الاحداث او يقومون بتحليلها (سوريا – العراق – لبنان)، ولا يمارسون أي نوع من الإدانة لهذه الأفعال، الا من خلال المقارنات بين ما يقوم به حزب الله أو الميلشيات الشيعية في سوريا، او بمقدار انتماء الضحايا الى المملكة السعودية، فتكون صورة القتل (مروعة) لا يمكن تصديقها، (لرأسين بشريين وضعا في قدر للطبخ)، لكنهما ليسا الا رأسين لسعوديين قادتهما وغيرهم الكثير فتاوى الحقد والكراهية للجهاد ضد الشيعة الكفار، والتي اطلقها علماء المملكة، في بازار الصراع الإقليمي.

هل تلك الصورة المروعة ستكون اقل ترويعا، لو انها لرأسين شيعيين، أو غيرهما من الرؤوس التي يحين قطفها بين لحظة وأخرى، في ساحة الكراهية المنفلتة، التي يغذيها الاعلام الوهابي – النفطي؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/نيسان/2014 - 3/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م