الحق في الحصول على المعلومات من السلطة العامة

جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

اعترفت الأمم المتحدة في وقت مبكر بمبدأ (حرية المعلومات) كحق أساسي. ففي عام 1946 أثناء انعقاد جلستها الأولى، تبنت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة القرار (59/1) الذي نص على: (أن حرية الوصول إلى المعلومات حق إنساني أساسي و... معيار كافة الحريات التي مـن أجلها تـم تكريس الأمم المتحدة). ولكن مع ذلك لم يتم وضع حرية المعلومات بشكل منفصل، بل، ظلت جزءا من الحق الأساسي لحرية التعبير الواردة في اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية، الذي يتضمن حق البحث وتلقي ونقل المعلومات.

 يُعَدّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العمومية في الأمم المتحدة عام 1948، البيان الأكثر أهمية فيما يتعلق بحقوق الإنسان الدولية المتصلة بحق حرية الحصول على المعلومات. فالمادة (19) منه، تكفل حق حرية التعبير والحصول على المعلومات، إذ تنص: يتمتع الجميع بحـق حريـة الرأي والتعبير؛ ويشتمل هـذا الحـق علـى حـرية الاحتفاظ بالآراء دون أي تدخـل وبحـث وتلقي ونقـل المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلام وبغض النظر عن الحدود..

 وقد أتبعه في الأهمية الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي يعتبر معاهدة ملزمة قانونياً، من قبل الجمعية العمومية في الأمم المتحدة عام 1966، ويكفل البند المماثل في هذه المعاهدة، والمادة 19 أيضاً، حق حرية الرأي والتعبير ضمن الشروط المشابهة نفسها التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR).

 في عام 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، بتأسيس مكتب مقرر اللجنة الخاص التابع للأمم المتحدة والمتعلق بحرية الرأي والتعبير. وبناء عليه، وفي تقريره السنوي عام 1998، صرح مقرر اللجنة الخاص بوضوح أن حق حرية التعبير يتضمن الحق بالحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، حيث جاء فيه (يفرض حق البحـث والتسلم ونقل المعلومات يفرض التزاماُ إيجابياً على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات، بخاصة فيما يتعلق بالمعلومات التي تحتفظ بها الحكومة بكافة أشكال أنظمة الحفظ والاسترجاع..).

 لم يكتف مقرر اللجنة الخاص في الأمم المتحدة، بل، توسع - بشكل كبير- في شرحه حول حرية المعلومات في تقريره السنوي إلى اللجنة عام 2002، حيث أشار إلى أهميتها الأساسية ليس بالنسبة إلى الديمقراطية والحرية فحسب، بل، للحق بالمشاركة وتحقيق حق التنمية. كما أكد قلقه بشأن توجه الحكومات والمؤسسات الحكومية نحو منع الناس من الحصول على المعلومات التي من حقهم الحصول عليها.

وهكذا هو الأمر بالنسبة للعديد من البلدان التي تحولت إلى الديمقراطية حديثاً، فقد تبنت دساتير جديدة تعترف بوضوح بهذا الحق. وفي بلدان أخرى، قامت محاكم عليا بتفسير الضمانات الدستورية طويلة الأمد الخاصة بحرية التعبير على أنها اعتناق حق حرية المعلومات. كما أقرت العديد من المحاكم المرموقة في دول عديدة في العالم أن حق الحصول على المعلومات هو حق يحميه الضمان الدستوري العام لحرية التعبير.

 فمثلا، في عام 1969 أقرت المحكمة العليا في اليابان من خلال قضيتين هامتين أن مبدأ "الشيرو كنري" أي "حق المعرفة" هو حق يحميه ضمان حرية التعبير وفقا للمادة 21 من الدستور. وفي عام 1982 أقرت المحكمة العليا في الهند أن الوصول إلى المعلومات الحكومية هو جزء جوهري من الحق الأساسي لحرية التعبير وإبداء الرأي. وذلك في المادة 19 من الدستور: إن مبدأ الحكومة المفتوحة هو بمثابة انبثاق مباشر من الحق في المعرفة، والذي يبدو مفهوما ضمنيا من حق حرية التعبير والرأي الذي تضمنه المادة (19/1/أ) وبالتالي فإن مبدأ كشف المعلومات المتعلقة بأداء الحكومة يجب أن يسود، وأن التكتم هو استثناء لا يبرر إلا عندما تستدعي أقصى متطلبات المصلحة العامة ذلك. ويجب أن تكون منهجية المحكمة تقليل مجال السرية قدر الممكن بما يتوافق ومتطلبات المصلحة العامة، مع الأخذ في الاعتبار دائما أن الكشف يخدم أيضا جانبا هاما من المصلحة العامة.

تأسيسا على ذلك، بات من الواضح أن حق حرية المعلومات، المفهوم بشكل عام على أنه الحق بالحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الجهات العامة، يتم الاعتراف به الآن بشكل واسع النطاق على أنه حق إنساني أساسي. كما أن هناك توجه عالمي كبير نحو الاعتراف القانوني بهذا الحق، فالدول التي تتوق في مختلف أرجاء العالم إلى الديمقراطية إما قد تبنت قوانين حرية المعلومات أو هي في خضم عملية الإعداد لذلك. ويمثل هذا الأمر تغييرا ضخما منذ عشر سنوات مضت عندما تم تبني أقل من نصف قوانين حرية المعلومات المعمول بها حالياً.

لكن ما هي الأهمية التي تمثلها حرية الحصول على المعلومات الحكومية، وما هي المبادئ التي يجب أن تقوم عليها، وما مدى تأثير هذا الحق على الأمن القومي للبلدان، إذا ما تمكن الجميع ومتى ما شاءوا من الاطلاع على المعلومات التي يريدونها؟

هناك من يصف حرية الحصول على المعلومات بأنها "أكسجين الديمقراطية" إذ إن المعلومات ضرورية للديمقراطية على عدد من المستويات. فالديمقراطية من حيث الأساس تتعلق بقدرة الأفراد على المشاركة بشكل فاعل في عملية صنع القرارات التي تؤثر بهم. فعملية التصويت ليست عبارة عن عمل فني فقط. وكي تؤدي الانتخابات مهمتها المناسبة الموصوفة في ظل القانون الدولي على اعتبار أن "إرادة الشعب ستكون أساس سلطة الحكومة" ينبغي أن يصل جمهور الناخبين إلى المعلومات. والأمر نفسه صحيح بالنسبة إلى المشاركة على كافة المستويات. إذ إنه من غير الممكن على سبيل المثال توفير مدخلات مفيدة لأي عملية سياسية دون الوصول إلى السياسة بحد ذاتها، بالإضافة إلى الأسباب التي يتم اقتراحها من أجلها.

 إن الديمقراطية تتعلق كذلك بالمساءلة والحاكمية. ويحق للجمهور مراقبة أعمال قادته وأن ينخرط في نقاش عام ومفتوح يتعلق بتلك الأعمال. وينبغي أن يكون قادراً على تقدير أداء الحكومة، ويعتمد هذا على الحصول على المعلومات المتعلقة بالوضع الاقتصادي والأنظمة الاجتماعية وأمور أخرى ذات اهتمام عام. كما أن إحدى الطرق الأكثر فاعلية لمعالجة ضعف الحاكمية، وخاصة مع مرور الوقت، هي من خلال النقاش المفتوح المستنير.

 تُعَدّ حرية المعلومات أداة رئيسة في مكافحة الفساد والأخطاء التي تقع في الحكومة. إذ بوسع الصحفيين الذين يعملون في مجال التحقيق والمنظمات غير الحكومية المشرفة استخدام حق الحصول على المعلومات لكشف الأخطاء والمساعدة في اجتثاثها. وكما أشار بوضوح لويس برانديس من محكمة العدل العليا الأمريكية "قليل من ضوء الشمس هو أفضل مطهر للجراثيم".

 غالبا ما يركز المعلقون على جوانب سياسية أكثر تتعلق بحرية المعلومات، بيد أن ذلك يخدم عدداً من الأهداف الاجتماعية الهامة الأخرى. إذ إن الحق بالحصول على المعلومات الشخصية المتعلقة بأي فرد، على سبيل المثال، يعتبر جزءا من الكرامة الإنسانية الأساسية.

 لقد كانت هناك خطوات داخل المجتمع الدولي للاعتراف بجانب خاص من حق حرية المعلومات فيما يتعلق بحقوق الإنسان. ففي عام 1998، قامت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة بتبني (الإعلان المتعلق بالمدافعين عن حقوق الإنسان) حيث توفر المادة 6 تحديداً الحصول على المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان: يتمتع الجميع بحق، على الصعيد الفردي وبالاشتراك مع الآخرين: أ- المعرفة والبحث والحصول وتلقي والاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بكافـة حقـوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك الحصول على المعلومات فيما يتعلق بكيفية تطبيق هذه الحقوق والحريات في الأنظمة التشريعية، والقضائية والإداريــة الداخلية. ب- وكما هو منصوص عليه فـي حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الأخـرى القابلة للتطبيق، فإنه من الحرية بمكان نشر ونقل وتوزيع الآراء إلى الآخرين، والمعلومات والمعرفة المتعلقة بكافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية... ناهيك عن أهمية إقرار حق الحصول على المعلومات في حالات انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها الانتهاكات والإساءات التي وقعت في الماضي. كما يعتبر استخدام هذا الحق لتسهيل الممارسات التجارية الفاعلة جانباً مهملاً في أغلب الأحيان من جوانب حرية المعلومات.

 خلال العقد الماضي، كان هناك اعتراف مضطرد بأن الحصول على المعلومات المتعلقة بالبيئة يعتبر أمراً أساسياً بالنسبة إلى التنمية المستدامة والمشاركة العامة الفاعلة في السيطرة البيئية. هذا ولقد تم تناول القضية لأول مرة بشكل جوهري عام 1992 في إعلان ريو ديجانيرو حول البيئة والتنمية، في المادة 10: يتم معالجة القضايا البيئية بشكل أفضل من خلال مشاركة كافة المواطنين المعنيين، على المستوى المناسب. فعلى المستوى الوطني، سيتمتع كل فرد بالحصول المناسب على المعلومات المتعلقة بالمــواد والأنشطة الخطرة فـي مجتمعاتهم، وسيحظون بفرصة المشاركة في عمليات صنع القرار...

 إذا ما قلنا بأهمية حصول المواطنين على المعلومات الأساسية التي تهمهم على المستوى السياسي والاجتماعي والإنساني والصحي والبيئي، وبإمكان قبول هذا الحق وتطبيقه في بلدان مثل بلدان الشرق الأوسط، ذات السلطات المحكمة، فان ثمة مبادئ يجب أن يستند عليها حق حرية الحصول على المعلومات، وهي بحسب (كتاب حرية المعلومات- مسح قانوني مقارن-إعداد توبي مندل) المنشور عام 2003 من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة، المكتب الإقليمي للاتصالات والمعلومات. والذي اعتمدنا على ما ورد فيه من معلومات في مقالنا هذا:

- المبدأ1، حد الكشف الأقصى: يجب أن تسترشد تشريعات حرية الحصول على المعلومات بمبدأ حد الكشف الأقصى. فالجميع وليس المواطنين فقط يجب أن يستفيدوا من هذا الحق والفرد الذي يسعى إلى الحصول على معلومات لا يتعين عليه أن يظهر أي اهتمام خاص بتلك المعلومات. فالمعلومات أو السجلات يجب أن تحدد بصورة واسعة لتشمل كافة المعلومات التي تحتفظ بها الجهة ذات العلاقة، بغض النظر عن الشكل أو التاريخ أو الشخص المعني أو إذا ما كانت هذه المعلومات تعتبر سرية أم لا. وهذا أيضا يحترم في معظم القوانين الوطنية، باستثناء المعلومات السرية التي تعتبرها بعض القوانين الوطنية استثناءا.

- المبدأ 2، الالتزام بالنشر: يجب أن تكون الهيئات العامة ملزمة بنشر المعلومات الأساسية، لا يكفي أن يطلب القانون فقط من الجهات العامة أن تستجيب لطلب الحصول على المعلومات. إن الوصول الفاعل للعديدين من الناس يعتمد على نشر وتوزيع هذه الجهات لأنواع أساسية من المعلومات حتى في غياب الطلب عليها.

- المبدأ 3، تعزيز الحكومة المفتوحة: يجب أن تنخرط الجهات العامة بنشاط في تعزيز الحكومة المفتوحة. إن أفضل طريقة لمعالجة هذه المشكلة تختلف من دولة لأخرى، ولكن كحد أدنى هناك حاجة لتدريب الموظفين الحكوميين. وهناك عدد من الوسائل الأخرى لتعزيز الانفتاح لدى الحكومات قد تم تجريبها في دول مختلفة وتتضمن مثلا تقديم الحوافز للأداء الجيد وفضح الأداء الضعيف وضمان الرقابة التشريعية من خلال رفع التقارير السنوية. ويجب على القانون أن يوكل هذه المسئولية على الأقل إلى مفوض معلومات أو مفوض حقوق الإنسان أو ديوان المظالم مثلا لضمان معالجة هذه الحاجة بالشكل الصحيح.

- المبدأ 4، مجال استثناءات محدود: يجب أن تكون الاستثناءات واضحة ومحددة وخاضعة لاختبارات "الضرر" و"المصلحة العامة". إن نظام الاستثناءات من أصعب القضايا التي تواجه أولئك الذين يعملون على صياغة قانون حرية الحصول على المعلومات، ومن أكثر الأجزاء تعقيدا في العديد من القوانين الموجودة. في حالات عديدة، فإن القوانين الفاعلة جدا يتم تقويضها كثيرا من قبل نظام واسع أو مفتوح من الاستثناءات. من ناحية أخرى فمن الواضح انه من المهم تأخذ القوانين بالاعتبار كافة المصالح السرية المشروعة، وإلا فسيصبح مطلوب من الجهات العامة قانونيا الكشف عن المعلومات رغم أن مثل هذا الكشف قد ينجم عنه أضرار غير مضمونة.

- المبدأ 5، عمليات تسهيل الحصول: يجب معالجة طلب المعلومات بسرعة ونزاهة ويجب أن تتوفر مراجعة مستقلة لأي رفض.

- المبدأ 6، التكاليف: يجب ألا تحول التكاليف المفرطة دون أن يتقدم الأفراد بطلب الحصول على المعلومات. حيث تعتبر الرسوم مسألة مثيرة للجدل في قوانين حرية الحصول على المعلومات. فمن المتعارف عليه على نطاق واسع ومقبول هو أن الرسوم لا يجب أن تكون مرتفعة لدرجة تثني الطالبين عن طلب المعلومات.

- المبدأ 7، الاجتماعات المفتوحة: يجب أن تكون اجتماعات الجهات العامة مفتوحة لعامة الناس، والسبب وراء تضمينها في المبادئ هو أن مبدأ حرية الحصول على المعلومات لا ينطبق فقط على المعلومات التي تكون على شكل وثائق بل أيضا على اجتماعات الجهات العامة.

- المبدأ 8، الأولوية للكشف: يجب تعديل أو استبدال القوانين التي لا تتفق ومبدأ حد الكشف الأقصى. فلدى معظم الدول سلسلة من القوانين حول السرية يعتبر العديد منها غير شرعي أو يتضمن أحكاما غير شرعية لا تنسجم وقانون حرية الحصول على المعلومات.

- المبدأ 9، حماية المبلغين عن الفساد: يجب حماية الأفراد الذين يدلون بمعلومات حول الفساد. حيث يجب على قانون حرية الحصول على المعلومات أن يعمل على حماية الأفراد من أي عقوبات قانونية أو إدارية أو وظيفية تترتب على إفشاء معلومات حول الفساد.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/نيسان/2014 - 3/جمادي الآخر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م