انتخابات تركيا ومعركة تكسير العظام

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: ما ان تصدر اردوغان وحزبه نتائج الانتخابات البلدية في تركيا بنسبة تقترب من 46% والتي وعد فيها بتوجيه "صفعة عثمانية" لخصومه ومعارضيه، حتى قرر حزب الشعب الجمهوري التقدم بطعن في نتائج الانتخابات البلدية، على الأقل في "أنقرة"، ربما لحفظ ماء الوجه، بعد النصر الكبير لحزب العدالة والتنمية (44,79% من الأصوات مقابل 43,77)، في عموم تركيا، وبفارق ضئيل عن حزب الشعب، برغم الجبهات التي فتحت ضده، كما يشير المتابعون.

وقد اكد نائب الحزب إيكمان أرديمير "سنرفع اليوم طعنا لدى المجلس الانتخابي الأعلى"، وأضاف أن "أكثر من ألف من متطوعينا يعملون منذ أكثر من 48 ساعة للتحري في المعطيات في المقر العام لحزبنا، لدينا أدلة على وقوع مخالفات"، فيما صرح محام مقرب من حزب الشعب الجمهوري طالبا عدم كشف هويته قائلا إن "عمليات تزوير كبيرة تبينت في عدة مراكز اقتراع"، وتجمع الآلاف من أنصار حزب الشعب الجمهوري أمام مقر المجلس الانتخابي الأعلى في أنقرة، رافعين أعلاما تركية ومنددين بـ"تزوير مكثف" في العاصمة التي تعد خمسة ملايين نسمة ومطالبين بعملية فرز جديدة.

ومع توقع الفوز لحزب العدالة والتنمية، إضافة الى شعبية رئيس الوزراء اردوغان في تركيا، حاول معارضيه التركيز على فضائح الفساد وتضييق الحريات والاحتجاجات والصراع القوي مع كولن، من اجل التأثير على هذه النتيجة وهز ثقة الجمهور بالحزب، الا ان النتائج جاءت ضمن المتوقع، من دون تجاهل ان الازمة قد اثرت بطريقة وأخرى على شعبية الحزب الحاكم.

ويبدو ان تركيا، كما يرى المحللون، ستقبل على مرحلة جديدة من الصراعات، ليكمل اردوغان حربه على ما وصفه "دولة داخل دولة"، ضد من وصفهم بالخونة والإرهابيين، من دون ان يلتفت الى الانتقادات بعد ان أكد بانه "لا يهمني من يكونون، لن أصغي"، سيما وان التفويض الشعبي اعطى المزيد من الدعم له في مواصلة مشواره، إضافة الى الاستعداد للانتخابات الرئاسية التي سوف تجري بعد أشهر قليلة.

فيما سيحاول خصومة الاستمرار في معركة عض الأصابع والطعن من الخلف، وربما ستشهد الأسابيع والاشهر القادمة المزيد من المعارك الإعلامية والاحتجاجات التي سيعلو فيها الصراخ والكلام دون الفعل، بينما سيمضي حزب العدالة والتنمية وزعيمه اردوغان، في استغلال الوضع الاقتصادي والرجل القوي، لإكمال مشوار "العشر سنوات الذهبية"، بحسب وصف مؤيديه.

وقت الحساب

فقد أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فوز حزبه الكاسح في الانتخابات البلدية التركية وتوعد خصومه "بدفع ثمن" الانتقادات التي وجهت إليه مؤخرا، وركز أردوغان هجومه على أنصار "الخونة" من أنصار الداعية الإسلامي فتح الله غولن والذي يتهمهم بتدبير "مؤامرة" للإطاحة به، وأظهرت النتائج الرسمية فوز حزب أردوغان بـ45% من الأصوات في حين لم يتجاوز أقرب حزب منافس له 28.5%.

وأظهرت النتائج الرسمية أن حزب العدالة والتنمية يتصدر الانتخابات بفارق كبير عن أقرب منافسيه، بحسب ما أفادت قنوات التلفزة، وبحسب هذه النتائج فقد حصل الحزب الحاكم على 45% من الأصوات، في حين حصل أقرب منافسيه، حزب الشعب الجمهوري على 28,5%، وقال أردوغان مخاطبا الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا أمام مقر حزبه العدالة والتنمية في أنقرة للاحتفال بالانتصار إن "الشعب أحبط اليوم المخططات الملتوية والفخاخ اللاأخلاقية، أولئك الذين هاجموا تركيا خاب أملهم".

وركز رئيس الوزراء هجومه بشكل خاص على "الخونة" من أنصار الداعية الإسلامي فتح الله غولن، حليفه السابق الذي أصبح من أشد خصومه بعدما اتهمه أردوغان بالوقوف خلف "مؤامرة" للإطاحة به، متوعدا بالقضاء على حركته الواسعة النفوذ التي يقودها من مقر إقامته في الولايات المتحدة والتي "تسللت إلى جهاز الدولة"، بحسب تعبير أردوغان.

وقال رئيس الوزراء "سوف ندخل الى أوكارهم، سترون، آن الأوان لتطهيرها، في إطار القضاء"، وأضاف "لن تكون هناك دولة داخل الدولة، حان الوقت للقضاء عليهم"، وردت الجموع بهتافات مؤيدة لرئيس الوزراء مثل "تركيا فخورة بك" و"الله أكبر".

ويعزز فوز حزب أردوغان الكبير وخطابه الناري الاعتقاد بأن رئيس الوزراء البالغ من العمر اليوم 60 عاما اقتنع بأنه بات عليه الترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في آب/أغسطس المقبل والتي ستجرى للمرة الأولى بنظام الاقتراع العام المباشر، وجاء احتفاظ الحزب الحاكم ببلدية إسطنبول، كبرى مدن البلاد، ليكلل هذا الفوز الكاسح ويكرس العدالة والتنمية كقوة لم تخسر أي انتخابات، أيا كانت، منذ العام 2002.

وقد لجأ اردوغان إلى صناديق الاقتراع التي دعمته قبل عشر سنوات كي يتصدى لاتهامات ووقف سلسلة من التسريبات الأمنية المضرة التي ينحي باللائمة فيها على "خونة"، وأصبحت الانتخابات البلدية استفتاء طارئا على حكم اردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، وقال اردوغان عن معارضيه خلال تجمع في اسطنبول العاصمة التجارية لتركيا "كلهم خونة، "فلندعهم يفعلون ما يريدون، اذهبوا إلى صناديق الاقتراع غدا ولقنوهم جميعا درسا، فلنعطيهم صفعة عثمانية".

واستبعد اردوغان نحو سبعة آلاف شخص من السلطة القضائية والشرطة منذ مداهمات مكافحة الفساد في ديسمبر كانون الأول والتي استهدفت رجال أعمال قريبين من اردوغان وأبناء وزراء، وينحي اردوغان باللائمة في التحقيق على فتح الله كولن وهو رجل دين إسلامي كان حليفا له ويقول اردوغان الآن إنه يستخدم أنصاره في الشرطة في محاولة لإسقاط الحكومة.

ويصف حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي لحزب العدالة والتنمية اردوغان بأنه دكتاتور فاسد مستعد للتشبث بالسلطة بأي وسيلة، وقد يسمح له الفوز بالعاصمة أنقرة أو اسطنبول بإعلان شكل ما من الانتصار.

وقال وهاب سلبوك وهو طالب يبلغ من العمر 20 عاما ويستعد لامتحانات دخول الجامعة "يجب أن تنظر إلى السبب الذي يجعلهم يريدون الاطاحة بالحكومة الآن، تركيا دولة جديدة وتزداد قوة والدول الكبيرة لا تريد هذا"، وفي مدرسة بمنطقة سيسلي التجارية في وسط اسطنبول رأى آخرون في الانتخابات فرصة للتعبير عن معارضتهم لحكومة اردوغان. بحسب رويترز.

وقال ألبر بالابيك وهو مستشار مالي يبلغ من العمر 30 عاما "نتوقع بارقة أمل في الانتخابات، وحتى إذا لم يتراجع التصويت لحزب العدالة والتنمية إلى هذا الحد فنتوقع أن يخسروا مدنا كبرى على الأقل، وإذا لم يحدث هذا فنحن نفكر في العيش خارج البلاد".

الولاء لاردوغان

بدوره إذا كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يخوض معركته الأشرس في حياته السياسية في ظل مزاعم فساد مع دنو الانتخابات فإن معاقل المحافظين في الأناضول ستسانده فيما يبدو، هنا ودون شق صف أنصاره المتدينين أدت فضيحة الكسب غير المشروع والصراع المرير على السلطة مع رجل دين يقيم في الولايات المتحدة إلى زيادة الولع برجل يعتبره السكان أعظم زعيم تركي معاصر لأنه بنى المستشفيات والمدارس وفكك قبضة النخب العلمانية خلال العقد المنصرم.

واشتملت مزاعم الفساد على تسجيلات ينشرها مجهولون على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة شبه يومية وتظهر تعاملات غير مشروعة يتورط فيها أشخاص من الدائرة المقربة لاردوغان، وألقت الفضيحة بظلالها مع اقتراب الانتخابات البلدية المهمة والمقررة، ووصف مسؤول تركي كبير الأزمة بأنها "من أكبر الأزمات في تاريخ تركيا" وردت الحكومة بحجب موقعي تويتر ويوتيوب مما أثار الغضب الشعبي وإدانات دولية.

لكن في قونية البلدة المحافظة التي بلغت نسبة التصويت لاردوغان فيها 70 في المئة في الانتخابات العامة عام 2011 فإن الكثيرين يتفقون مع رئيس الوزراء في أن الفضيحة جزء من "مؤامرة قذرة" للإطاحة به يدبرها أعداء سياسيون يتصفون بالخسة وانعدام الاخلاق.

ووصفت خديجة كوبرا وهي طالبة في قونية تبلغ من العمر 19 عاما المزاعم بأنها "ليست سوى أكاذيب" وحملت رجل الدين التركي الذي يعيش في الولايات المتحدة فتح الله كولن المسؤولية، وكان كولن حليفا سابقا لاردوغان ويقول أتباعه إن أعدادهم تقدر بالملايين، وأضافت خديجة في مؤتمر انتخابي لحزب العدالة والتنمية "الله مطلع على كل شيء، ويعلم الله ما يفعله فتح الله"، وفي إشارة إلى كولن وأتباعه كتبت على لافتة في الحشد عبارة "اقتحم قطيع من الخنازير حدائقنا الروحانية."

وشارك عشرات الآلاف في الحشد لتتحول قونية إلى بحر من أعلام حزب العدالة والتنمية والمحجبات، وارتدى بعض المشاركين أقنعة تحمل وجه اردوغان وتسلق آخرون الأشجار لإلقاء نظره على رئيس الوزراء لكن أملهم خاب بعدما ألغى اردوغان زيارته اثر تلقيه نصائح بأن ينال قسطا من الراحة.

وتثنى اللافتات الإعلانية لحزب العدالة والتنمية بما تصفه بأنها "عشر سنوات ذهبية" تولى خلالها رئاسة بلدية قونية، ولا تكترث أحزاب المعارضة بتقديم مرشحين عنها في البلدة، وكشف تسجيل لمسؤولي أمن كبار يناقشون عملا عسكريا محتملا في سوريا، ومن بين الذين تظهر أصواتهم في التسجيل وزير الخارجية أحمد داود أوغلو العضو في البرلمان عن قونية، ولاقى داود أوغلو ترحيبا حارا عندما صعد على المسرح لإلقاء كلمة بالنيابة عن اردوغان.

وقال داود أوغلو للحشود التي هتفت "هل أنت مستعدة لإعطاء رئيس وزرائنا نسبة أكبر من التصويت هذه المرة يا قونية؟"، وفي قونية شيدت مراكز التسوق والمجمعات السكنية والصناعية حول مقبرة جلال الدين الرومي الشاعر والصوفي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، ويشعر السكان بإحساس من الرخاء والرفاهية ويدينون بالفضل في ذلك لرؤية اردوغان وطريقته في الادارة.

ويرى سكان البلدة الذين كانوا يشعرون بالتهميش في الدولة عندما كانت تديرها النخب العلمانية وحكوماتها الائتلافية الفوضوية أن وقتهم قد حان، وقالت ليلى ايروغلو وهي أم لستة أطفال تبلغ من العمر 54 عاما "لدينا مستشفيات قريبة وأطباء وأماكن للتنزه والقطار السريع إلى أنقرة"، وأضافت في إشارة إلى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة قبل نحو قرن "كانت تركيا قبل ذلك فظيعة، قتال مستمر بين اليمين واليسار ولم نكن نستطيع أن نعيش بسهولة، اردوغان هو أتاتورك الثاني بالنسبة لنا".

وسلطت موجة من الاحتجاجات الصيف الماضي في مدن تركية رئيسية لرفض زعامة اردوغان الضوء على توتر داخل المجتمع التركي بين قطاع علماني إلى حد كبير في الطبقات الوسطى معظمه في اسطنبول أو على الساحل من ناحية والمحافظين الدينيين مثل أبناء قونية من ناحية أخرى.

واعتبر حجب تويتر ويوتيوب في الايام القليلة الماضية دليلا آخر على ميول اردوغان الاستبدادية خاصة بين الجيل الشاب المطلع على التكنولوجيا، لكن لا يوجه كل الشبان الاتراك الانتقادات لاردوغان، وقال جهاد أوزير (21 عاما) من مركز الطلبة التابع لبلدية قونية والذي افتتح عام 2009 عندما أجريت الانتخابات البلدية السابقة "عندما أذهب للتصويت سأفكر في كل شيء منحوه لي".

وكان المركز في ذلك الوقت يقدم الخدمات لجامعة واحدة في البلدة فيوفر دروسا مجانية خارج المناهج وخدمات غسل الملابس بالإضافة إلى مطعم وغرف للدراسة على مدار الساعة، وافتتحت أربع جامعات أخرى في قونية منذ ذلك الحين.

وتنتشر أماكن الاستراحة الخشبية على الطرق الرئيسية في البلدة، وتم ترميم المساجد التاريخية ويجرى توليد الكهرباء من النفايات كما يبنى استاد جديد لكرة القدم ويجري تجديد وتوسيع مطار البلدة، وأقر اوزير بأن طلبة آخرين قالوا أحيانا إن سياسات اردوغان تقوم على رد الفعل لكنه دافع عن حجب تويتر في إطار مواجهة فضيحة الكسب غير المشروع.

وأشار أحمد ايزي (30 عاما) رئيس فرع الشبان في حزب العدالة والتنمية إلى صورة كبيرة لاردوغان في مكتبه ظهر فيها وهو شاب عند توليه رئاسة الوزراء في عام 2002، وقال ايزي في معنى يلقى صدى فيما يبدو بين الحشود في المؤتمر الانتخابي لحزب اردوغان "انظر إليه الآن، أصبح رجلا كبيرا، إن هذا نتاج العمل المستمر من أجل بلاده، "نعم أحيانا يكون اردوغان عدوانيا للغاية، لكن الناس تحبه لهذا السبب، إنه مثلهم بالضبط، لا يراوغ، إنه رجل الشعب".

المعارضة التركية

من جانب اخر لم ينجح حزب المعارضة التركي الرئيسي في إضعاف التأييد لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان على الرغم من احتجاجات مناهضة للحكومة على مدى أشهر وتحقيق في فساد حكومي وتسريب حوارات جرت سرا ونشرت على الانترنت، وظهر كمال كيليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري خلال المؤتمرات الانتخابية في اكثر من 70 مدينة في أنحاء تركيا بوصفه أشرس منتقدي أردوغان بسبب فضيحة الفساد التي طالت رئيس الوزراء وعائلته وأقرب وزرائه.

وقال كيليجدار أوغلو "أنا أتحدث عن جهود لإضفاء شرعية على الفساد عن طريق الانتخابات، هذا اختبار لديمقراطيتنا"، لكن هذه الرسالة لا تلقى صدى في صفوف الأتراك المحافظين دينيا الذين مازالوا راضين الى حد كبير عن حكم حزب العدالة والتنمية بعد 12 عاما من النمو الاقتصادي الثابت، بالنسبة لهم يبدو حزب الشعب كحصن يقتصر على النخبة العلمانية التركية القديمة.

وقال بكير اجيردير المدير في مؤسسة كوندا للأبحاث السياسية "فشل حزب الشعب الجمهوري في فهم أن السياسة تتعلق بالتعامل مع احتياجات الناس وليس مجرد مفاهيم الهوية مثل العلمانية"، وأضاف "بدلا من السعي لفهم الناس بصورة أفضل يسلك نفس الطريق السهل الذي يسير عليه منذ سنوات".

وتظهر استطلاعات أخرى للرأي سباقا أقرب في اسطنبول التي كان اردوغان رئيسا لبلديتها ذات يوم والعاصمة أنقرة وهما ساحتا القتال الرئيسيتان، واقتصرت قاعدة ناخبي حزب الشعب الجمهوري الى حد بعيد على الطبقة المتوسطة ذات التوجه العلماني، ولا يحظى بجاذبية أوسع بسبب سجله في مجال حقوق الأقليات ودعمه للجيش الذي كثيرا ما تدخل في السياسة ومعارضته للرموز الدينية مثل ارتداء الحجاب حتى وقت ليس ببعيد.

وأجرى كيليجدار أوغلو (65 عاما) إصلاحات داخل حزبه في هدوء ونحى جانبا "الكماليين" المتشددين الذين يتبنون تفسيرا متزمتا لأفكار مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية العلمانية الحديثة ورقى أعضاء يعتبرون أقرب للقيم الاجتماعية الديمقراطية الأوروبية، وقال شاهين الباي استاذ العلوم السياسية بجامعة بهجة شهير الذي عمل فيما سبق مستشارا لحزب الشعب الجمهوري "سعى الى الموازنة بين الجناح الإصلاحي الجديد والكماليين التقليديين تفاديا لانقسام الحزب".

ويرفض كيليجدار أوغلو فكرة أن حزبه لايزال نفس الحزب الذي أسسه أتاتورك منذ 90 عاما وحكم تركيا كدولة حزب واحد لا منافس له على مدى ربع قرن، ولمع نجم كيليجدار اوغلو بوصفه ناشطا في مجال مكافحة الفساد وظهر في برامج تلفزيونية ليكشف أوراقا ضد مسؤولين كبار أدت الى عدد من الاستقالات.

وتولى رئاسة الحزب عام 2010 بعد دينيز بايكال الذي رأس الحزب 18 عاما واستقال بسبب فضيحة جنسية، وفي عهد كيلجدار أوغلو وضع ميثاق جديد للحزب حدد حصصا للنساء والشباب، كما تخلى الحزب عن معارضته الشديدة لارتداء النساء الحجاب في المباني الحكومية والمدارس.

وقال في مقابلة على متن طائرة من طراز سيسنا في طريقه الى مؤتمر انتخابي ببلدة دنيزلي بجنوب غرب البلاد "ربما نكون ارتكبنا أخطاء فيما مضى، لكننا لا نخشى مواجهة تاريخنا، نحن أسرع الأحزاب تغيرا في تركيا"، قد لا يأتي التغيير بالسرعة الكافية ليلحق بهذه الانتخابات لكن في ظل تضرر حزب العدالة والتنمية من تباطؤ الاقتصاد والاتهامات بالفساد يريد كيليجدار أوغلو أن يعد الحزب لمشهد سياسي جديد.

ويرفض اردوغان (60 عاما) أن يكون كيليجدار اوغلو منافسا حقيقيا، واتهمه بالتواطؤ مع خصومه السياسيين بما في ذلك رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي يشغل أتباعه في تركيا مناصب كبيرة في الشرطة والقضاء ويعتقد أنهم هم من يقف وراء التحقيق في الفساد وأنهم مسؤولون عن التنصت على مكالمات، ونفى كولن اي صلة له بهذا.

وفي محاولة لإلهاب حماس الحشد في دنيزلي أذاع حزب الشعب الجمهوري التسجيلات الصوتية التي تم تسريبها في فضيحة الفساد التي وصفها اردوغان بأنها مؤامرة دولية لتشويه سمعته، وقال كيليجدار أوغلو "أعتقد أن حزب الشعب الجمهوري سيجتذب عددا اكبر من الناخبين المتدينين لأنهم يدركون أن المكاسب التي تجنى بطرق غير مشروعة هي اكبر إثم".

فيما قال اردوغان امام مئات الالاف من أنصاره رافضا اتهامات يوجهها له منتقدون غربيون ومحليون بعدم التسامح، وقال اردوغان "لا يهمني من يكونون، لن أصغي"، ولوح أنصار اردوغان بالأعلام التركية الحمراء وشعار حزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان في 2001 وقاده للسلطة بعدها بعام متعهدا بالقضاء على الفساد الذي لطخ منافسيه.

وقال اردوغان "وسائل الإعلام المعتادة تهاجمنا، بماذا يصفونها؟ عدم تقبل الحريات، لا يهمني من يكونون، لن أصغي، حتى لو وقف العالم ضدنا فأنا ملزم باتخاذ إجراءات ضد أي هجوم يهدد أمن بلادي"، وأضاف "هذا الكيان المسمى تويتر، هذا اليوتيوب، هذا الفيسبوك، كلها كيانات تسببت في تصدع عائلات، لا أفهم كيف يمكن لأي شخص يتحلى بالمنطق السليم أن يدافع عن هذا الفيسبوك وهذا اليوتيوب وهذا التويتر، هذه المواقع تنشر كل أنواع الأكاذيب".

وقوض صراع السلطة بين اردوغان وكولن تصورات الغرب عن تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بوصفها مثالا يحتذى به لدولة ديمقراطية ذات أغلبية مسلمة وركيزة محتملة للاستقرار في الشرق الأوسط.

الى ذلك قال رجل الدين التركي فتح الله كولن إن الحملة التي يشنها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على أتباعه هي "أسوأ عشرات المرات" من أي شيء واجهته حركته بعد الانقلابات التي قام بها الجيش العلماني، ويتهم أردوغان شبكة المراكز التعليمية التي تعرف باسم "خدمة" التابعة لكولن والتي رسخت نفوذا قويا داخل جهازي الشرطة والقضاء على مدى عقود بتدبير تحقيق الفساد الذي تحول إلى أكبر تحد لحكمه المستمر منذ 11 عاما.

وفي أول مقابلة رئيسية له مع وسائل الإعلام التركية منذ تفجر فضيحة الفساد في ديسمبر كانون الأول قال كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تقول شبكته العالمية من الأتباع إن عددها بالملايين إنه كان ضحية لحملة تشويه سمعة، وأضاف "في أعقاب الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر 1980 تعقبتني السلطات لست سنوات كما لو كنت مجرما، نفذت مداهمات، تعرض أصدقاؤنا لمضايقات، وبمعنى من المعاني أصبح الأمر بالنسبة لنا دورة حياة نعيش فيها تحت مراقبة دائمة في مناخ انقلابي".

كما نقل عنه قوله في مقابلة مع صحيفة زمان ونسختها الإنجليزية وكلتاهما مقربة من حركته "ما نراه اليوم أسوأ عشرات المرات مما رأيناه خلال الانقلابات العسكرية"، وأطاح الجيش التركي الذي نصب نفسه حارسا للعلمانية بأربع حكومات في النصف الثاني من القرن العشرين قبل أن تحقق حكومة حزب العدالة والتنمية التي يرأسها أردوغان استقرارا سياسيا واقتصاديا على مدى عقد من الزمان، واتهمت جماعات حقوق الإنسان الجنرالات بالتعذيب والقتل بعد انقلابي 1960 و1980.

وقال كولن "هذه المرة نواجه معاملة مماثلة لكن على أيدي مدنيين لهم نفس معتقداتنا، ويلي الانتخابات سباق رئاسي بعد خمسة أشهر تثور توقعات منذ فتره طويله بأن يخوضه أردوغان غير أن حزبه قد يغير أيضا من لوائحه الداخلية للسماح له بتولي فترة خامسة في رئاسة الوزراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/نيسان/2014 - 30/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م