أوباما في السعودية.. محاولة أخيرة لتجنب الصدام المباشر

 

شبكة النبأ: اختتم باراك أوباما زيارة الأخيرة الى السعودية بجملة من التطمينات، لإذابة الجليد بين الولايات المتحدة والحليف التقليدي "السعودية" في منطقة الخليج وقلب الشرق الأوسط، لعل ابرزها: ان أمريكا ما زالت ترعى مصالح العائلة المالكة وترغب في بقائها على الوضع الحالي، كما يشير المحللون.

وفي هذا الشأن يقول سايمون هندرسون زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج "يرى الملك السعودي أن الولايات المتحدة هي الضامن النهائي لأمن مملكته، لكن منذ أن سحبت واشنطن دعمها للرئيس المصري حسني مبارك في عام 2011، قلق الملك عبد الله وزعماء آخرين من دول الخليج من مصداقية موقف واشنطن تجاه حلفائها الذين تربطها بهم علاقات وطيدة، وقد أدى تراجع الرئيس أوباما عن اتخاذ إجراء عسكري ضد سوريا في أعقاب استخدامها الأسلحة الكيميائية في الصيف الماضي إلى زيادة تلك المخاوف، وهو الأمر الذي تحول إلى سخط عقب الأحداث الأخيرة في شبه جزيرة القرم، حيث يقول السعوديون إن فلاديمير بوتين تغلب على الرئيس أوباما في القوة على المناورة".

ويبدو ان الخوف السعودي المتمثل في رأس الهرم، الملك عبد الله "الرجل المريض" (91) عاماً، والذي ظهر في اللقاء الرسمي مع أوباما وهو يضع جهاز الاوكسجين ولا يستطيع التنفس من دونه، يحتاج الى طمأنة مباشرة من الرئيس الأمريكي شخصياً بعد ان شعر بخوف حقيقي من المستقبل وإمكانية تغير استراتيجية الولايات المتحدة تجاه السعودية كما غيرتها مع غيرها من الحلفاء التقليديين، سيما وان الخلافات جوهرية في طريقة التفكير الأمريكي والسعودي على المستوى الخارجي، إضافة الى مجال حقوق الانسان التي تعتبر من الاوتار الرئيسية التي تتقاطع مع نظرة الولايات المتحدة تجاه حلفائها.

وقد شكل الضغط المباشر من قبل المنظمات الحقوقية على الرئيس الأمريكي لتناول ملف حقوق الانسان داخل المملكة بشكل موسع، فيما أشار كبار المسؤولين اللذين رافقوا أوباما في رحلته ان مناقشة العديد من القضايا الحساسة وضيق الوقت لم تمكن الأخير من مناقشة هذا الامر، في إشارة الى تجنب الصدام المباشر مع ملك السعودية الذي مازال مرتاب من تحركات أوباما في المنطقة، خصوصاً الطريقة التي عالج بها الملف النووي الإيراني والازمة السورية.

اختلافات تكتيكية

بدوره قال مسؤول أمريكي كبير إن الرئيس باراك أوباما والملك عبد الله ناقشا بعض "الاختلافات التكتيكية" في رؤيتيهما لبعض القضايا خلال اجتماع في الرياض لكنهما اتفقا على أن التحالف الاستراتيجي بين الجانبين لايزال قائما، وأضاف المسؤول أن أوباما أكد للملك عبد الله أن الولايات المتحدة لن تقبل اتفاقا نوويا سيئا مع إيران مشيرا الى أن واشنطن مازال يساورها القلق بشأن إمداد مقاتلي المعارضة السورية ببعض الأسلحة المضادة للطائرات ومنها الصواريخ المحمولة على الكتف.

وقبل زيارته للمملكة قال مسؤولون إن أوباما سيسعى لإقناع الملك بأن مخاوف السعودية من أن واشنطن تنسحب تدريجيا من قضايا الشرق الأوسط وأنها لم تعد تنصت الى حليفتها القديمة لا أساس لها، وحذر مسؤولون سعوديون من "تحول كبير" بعيدا عن واشنطن بعد خلافات حادة بشأن رد فعلها على انتفاضات "الربيع العربي" والسياسة تجاه ايران وسوريا حيث تريد الرياض أن تقدم الولايات المتحدة مزيدا من الدعم لمقاتلي المعارضة.

وقال المسؤول إن الزعيمين تحدثا بصراحة عن عدد من القضايا و"ما قد تكون او ربما كانت اختلافات في الرؤية لبعض هذه القضايا لكن الرئيس أوباما أوضح جليا أنه يعتقد أن مصالحنا الاستراتيجية لاتزال على نفس الخط"، وأضاف المسؤول أن أوباما أكد للملك أنه "لن يقبل اتفاقا سيئا" بشأن إيران وأن الملك "أنصت باهتمام شديد" لما قاله أوباما، وقال المسؤول إنه كان من المهم أن يأتي أوباما الى السعودية ويشرح للملك عبد الله الموقف الأمريكي وجها لوجه.

وقال مسؤول أمريكي للصحفيين عقب الاجتماع الذي جمع الملك السعودي عبد الله والرئيس الأمريكي باراك أوباما إن الزعيمين اتفقا على أن المصالح الاستراتيجية للبلدين لاتزال متوافقة، وأوضح المسؤول "أعتقد أنه كان من المهم الحصول على فرصة للقدوم لرؤية الملك وجها لوجه وتوضيح مدى إصرار الرئيس على منع إيران من امتلاك سلاح نووي".

في الوقت نفسه يريد السعوديون مزيدا من التأكيدات بشأن النوايا الأمريكية فيما يتعلق بالمحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، والتي يمكن أن تفضي إلى اتفاق يرفع العقوبات عن طهران مقابل تنازلات منها بهذا الخصوص، وتخشى الرياض أن يأتي هذا الاتفاق على حساب السنة العرب في الشرق الأوسط، والذين يتخوف بعضهم أن تستغل إيران الشيعية أي خفض في الضغوط الدولية لنشر نفوذها. بحسب رويترز.

وقال هذا المسؤول إن الزعيمين أجريا مناقشة شاملة حول سوريا التي قتل فيها نحو 140 ألف شخص خلال الصراع الدائر منذ ثلاث سنوات، وأوضح أن البلدين يعملان معا "على نحو جيد جدا" لتحقيق الانتقال السياسي ودعم جماعات المعارضة المعتدلة، وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن الولايات المتحدة مستعدة لزيادة المساعدات السرية للمعارضة السورية في إطار خطة جديدة تشمل تدريب المخابرات المركزية الأمريكية لمقاتلين بالمعارضة السورية، وأنها تدرس تزويدهم بقاذفات صواريخ مضادة للطائرات.

وقال أوباما في مقابلة مع شبكة "سي بي اس" التلفزيونية الأمريكية، أجريت معه في روما قبيل توجهه إلى السعودية، "أظن أنه غير صحيح الاعتقاد بأننا كنا في موقف نستطيع فيه، من خلال توجيه بضع ضربات محددة الأهداف، أن نمنع حصول ما نراه اليوم حاصلا في سوريا"، وأضاف مدافعا عن موقفه بعدم توجيه ضربات للنظام السوري، "ليس أن الأمر لا يستحق العناء، ولكن بعد عشر سنوات من الحرب فإن الولايات المتحدة لها حدود".

ولم يصدر أي تعليق على الفور من قبل المسؤولين السعوديين بشأن الاجتماع، لكن وسائل إعلام حكومية، قالت إن المحادثات تركزت على جهود السلام في الشرق الأوسط والأزمة السورية، وقال شهود إن عددا من أمراء الأسرة الحاكمة كانوا حاضرين، وإن أنبوب أوكسجين فيما يبدو كان موصولا بأنف الملك عبد الله في بداية اجتماعه بأوباما في روضة خريم إلى الشمال الشرقي من العاصمة الرياض.

وعرض التلفزيون الرسمي السعودي أوباما الذي كان بصحبته وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يصغي باهتمام للملك عبد الله وهو يتكلم، ورغم أن إمدادات النفط السعودية للولايات المتحدة قلت عما كانت عليه من قبل، إلا أنه لايزال تأمين الحصول على موارد الطاقة من السعودية (أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم) يمثل أهمية بالنسبة لواشنطن إضافة إلى تعاون البلدين في مواجهة تنظيم القاعدة، وإلى جانب الملك شارك في المحادثات مع أوباما ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير مقرن الذي عين وليا لولي العهد إضافة إلى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل.

وأدى اعلان البيت الابيض عن توقف اوباما في السعودية بعد محطاته الاوروبية الى اثارة تكهنات حول دوافع هذه الزيارة الثانية خلال خمس سنوات الى المملكة، ابرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتحالف الذي انجز اواخر الحرب العالمية الثانية قائم ضمن معادلة الامن مقابل عقود نفطية، فالسعودية هي العمود الفقري في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) واول منتج ومصدر للنفط في العالم، وفي العام 2012، احتلت المرتبة الثانية في مصدري الذهب الاسود الى الولايات المتحدة بعد كندا.

وقد اتهم ولي عهد السعودية الامير سلمان بن عبد العزيز خلال قمة الكويت المجتمع الدولي ب"خداع" المعارضة السورية التي تطالب بالسلاح في حربها ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وتؤكد مصادر في المعارضة السورية ان الولايات المتحدة ما تزال تمنع تزويدها اسلحة مضادة للطائرات والدبابات من جانب حلفائها خشية وقوعها في ايدي الاسلاميين المتطرفين.

الى ذلك، تتنافس السعودية التي تتبع المنهج الوهابي مع ايران الشيعية على قيادة منطقة الشرق الأوسط، وتحدث هذه الانقسامات على وقع الاضطرابات الواسعة في العالم العربي الاسلامي منذ العام 2011، فقد ارتاب السعوديون من الدعم العلني الذي ابداه اوباما لحركات الاحتجاج الشعبي التي اسفرت عن الاطاحة بأنظمة تسلطية وبعضها حليف لهم.

وتقول تمارا كوفمان ويتس خبيرة الشرق الاوسط في معهد بروكينغز في واشنطن " اعتقد ان القلق وطلب دول الخليج من واشنطن الالتفات اليها هو نتيجة واقع اننا في نقطة تحول في دور الولايات المتحدة في المنطقة" مشيرة الى الانسحاب الاميركي العسكري من افغانستان وقبلها العراق.

ومنذ اعلان اوباما عن رغبته في استقلال اميركا الشمالية في مجال الطاقة على المدى المتوسط بفضل النفط في كندا والمكسيك خصوصا "سارع العديد في المنطقة الى التساؤل عما يعنيه الاستقلال في مجال الطاقة بالنسبة للرغبة الاميركية في الاستثمار في الامن والامدادات النفطية من منطقة الخليج".

وتتزامن زيارة اوباما الى السعودية مع ازمة تعصف بمجلس التعاون الخليجي بسبب دعم قطر للإخوان المسلمين الامر الذي تعتبره دولا اخرى "تدخلا" في شؤونها الداخلية، وقد اكدت صحيفة "وول ستريت" ان هذه الازمة ادت الى الغاء قمة بين اوباما وقادة الدول الخليجية الست خلال زيارته المنطقة لكن البيت الابيض نفى ذلك مؤكدا ان القمة كانت مجرد فكرة ليس اكثر، وكانت مستشارة الامن القومي الاميركي سوزان رايس اعلنت "نحن سعداء بالعلاقات الراسخة مع كل دولة في مجلس التعاون الخليجي لكن من وجهة نظرنا ان الوقت لم يكن مناسبا لقعد لقاء".

حقوق الانسان

الى ذلك ختم الرئيس الاميركي باراك اوباما زيارته الى السعودية بلفتة الى المدافعين عن حقوق الانسان، لكن اوباما لم يبحث اوضاع حقوق الانسان مع الملك بحسب ما قال مسؤول أميركي، وكانت منظمات حقوقية مثل العفو الدولية دعت اوباما الى ممارسة ضغوط على الرياض لإنهاء "قمع حرية التعبير والتمييز ضد النساء والاقليات وجميع اشكال التعذيب" في المملكة المحافظة دينيا واجتماعيا.

واضاف المسؤول "لدينا الكثير من القلق الجدي حول اوضاع حقوق الانسان فيما يخص النساء والحريات الدينية وحرية التعبير كما ان بعض القوانين التي اقرت اخيرا تطرح اسئلة حول قدرة الناس على التعبير عن آرائهم بحرية"، ولدى الالحاح عليه بسؤال حول امتناع اوباما عن اثارة هذه المسالة مع الملك، اوضح المسؤول ان اللقاء كان مخصصا لملفات جيوسياسية كبيرة في المنطقة، واضاف "هناك اختلافات في وجهات النظر في علاقتنا مع الرياض بينها مسالة حقوق الانسان". بحسب فرانس برس.

وتابع "لكن نظرا للوقت الذي استغرقه الحديث عن سوريا وايران، لم يتمكنا من التطرق الى ملفات اخرى وليس فقط مسالة حقوق الانسان"، والتقى اوباما الناشطة الاجتماعية السعودية مها المنيف لتسليمها جائزة "أشجع امرأة" التي منحتها وزارة الخارجية الاميركية قبل أسابيع، لكن المنيف لم تكن حاضرة في حفل توزيع الجائزة برعاية الاميركية الاولى ميشيل اوباما.

والمنيف هي المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري الوطني وعضو في الشبكة العربية لحماية الطفل من الإيذاء وتبذل جهودا لمكافحة العنف الأسري والعنف ضد الأطفال، كما انها ساهمت في وضع تشريع يحظر العنف الاسري في المملكة، حيث تسود قيم اجتماعية وافكار دينية متشددة، والجائزة التي تقدمها الخارجية الاميركية تمنح للمدافعين عن حقوق الإنسان والمساواة والتقدم الاجتماعي.

وفي السياق ذاته، تدعو ناشطات سعوديات الى قيادة المرأة للسيارة ضمن موعد محدد مسبقا لكنه يتزامن مع زيارة أوباما، وقالت الناشطة مديحة العجروش ان "الموعد تم تحديده مسبقا لكنه تزامن مع الزيارة بمحض الصدفة"، واضافت ردا على سؤال "انه موعد شهري لقيادة المرأة للسيارة منذ انطلاقة حملة القيادة في 26 تشرين الاول/اكتوبر الماضي واصبح بمثابة الرمز لتحركنا".

بدورها، قالت الناشطة عزيزة اليوسف "نامل ان تقوم نساء بقيادة السيارات" مشيرة الى ان الموعد اصبح يوما محددا في كل شهر، ونفت الناشطتان ان تكون جمعيات سعودية تقف وراء مطالبة هيئات حقوقية دولية اوباما بتعيين امرأة مرافقة له خلال الزيارة، واكدتا عدم طلب ذلك "باي شكل من الاشكال" من الهيئات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش وغيرها.

وكان التجاوب خجولا في المرات السابقة مع دعوة ناشطات لقيادة السيارات بهدف اعادة اطلاق حملة المطالبة بمنح النساء الحق في قيادة السيارة، واطلقت ناشطات سعوديات عريضة في ايلول/سبتمبر الماضي تدعو النساء الى قيادة السيارات في 26 تشرين الاول/أكتوبر، الا ان الناشطات، تفاديا منهن للصدام مع السلطات، التزمن قرار المنع الذي صدر عن وزارة الداخلية لكنهن اكدن عزمهن على مواصلة الحملة.

ورغم قرار المنع، قادت نساء عديدات السيارات في مدن المملكة ما دفع الشرطة الى تحرير مخالفات بحقهن، وكان المتحدث باسم الوزارة اللواء منصور التركي اعلن انه ليس مسموحا للنساء بقيادة السيارات في السعودية، وقال محذرا "من المتعارف عليه في المملكة السعودية ان قيادة المرأة للسيارة ممنوعة وسنطبق القوانين في حق المخالفات ومن يتجمهر تأييدا لذلك"، والسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات، وتحتاج النساء لموافقة محرم أو ولي امر، والد او شقيق او زوج او ابن عم، للسفر والعمل والزواج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/نيسان/2014 - 29/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م