في مارس من عام 1944، وفي مثل هذا الاسبوع، نشر الفيلسوف والاقتصادي
النمساوي فردريك فون هايك (1899-1992) كتاباً اصبح من اعظم الكلاسيكيات
في الادب الاقتصادي للقرن العشرين. الافكار الاقتصادية الجديدة لجون
مايرند كنز كانت هي الطراز السائد لتلك الفترة، لكن هذا الكتاب الجديد
حكم على تلك الافكار بقساوة.
كتاب فردريك فون هايك، الذي عارض افكار كنز كان بعنوان"الطريق الى
العبودية"Road to Serfdom (1)، فيه جادل هايك بان زيادة التخطيط
المركزي من قبل الدولة هو بداية القيود على الحرية الفردية، والتي
ستقود حتماً الى ظهور الانظمة الاستبدادية، شيوعية كانت ام فاشية.
الكتاب جاء بعد عدة عقود و تتويجاً لأربع سنوات من العمل يتحدى فيه
العديد من افكار ونظريات كنز الاقتصادية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بما
يجب ان تقوم به الدولة في فترات الركود.
هذا العمل وُصف مؤخراً كأنه معركة بين اثنين من الاقتصاديين
الجبابرة. في السبعينات من القرن الماضي، كان يُنظر الى هايك كمعارض
لكل شيء يرمز للكنزية وللاجماع على الافكار الكنزية. ومؤخراً، اصبح
العديد من الناس يرون الاتجاه نحو المزيد من افكار حرية السوق منذ
الثمانينات كانتصار لأفكار هايك ضد كنز- وهي العملية التي جاءت كرد فعل
للركود الكبير آنذاك. هذه المعركة الاكاديمية من الافكار اتخذت طريقها
ايضا الى الميديا الشعبية، في اليوتيوب، هناك سلسلة من اشرطة فيديو
الراب الساخرة عن المعركة الاكاديمية بين كنز وهايك.
ولكن كنز ذاته في الواقع لم يكره معظم الافكار الواردة في كتاب هايك
(الطريق الى العبودية) بل، على عكس ذلك هو قام بشكل غير مباشر بمساعدة
هايك في الكتابة. عندما انتقل هايك ومعه العديد من الاقتصاديين في
مدرسة لندن للاقتصاد الى كامبردج عام 1940 هرباً من الهجمات الجوية
المفاجئة على لندن، أوجد كنز لهايك مكاناً للعمل وللاقامة في كلية كنك
التي يعمل بها، والاثنان بقيا على اتصال دائم حتى وفاة كنز عام 1946.
ايديولوجياً، هما ايضا عزفا نفس النشيد: كلاهما كانا ليبراليين
ويكرهان الانظمة السلطوية مثل الشيوعية والفاشية. وافق كنز مع هايك على
ان الفاشية ليست شيوعية مفيدة، كما اعتقد بذلك العديد من المعاصرين
البريطانيين، وانما كانت تشكل نفس الخطورة على الليبرالية.
كنز رفض التفسير الشائع لحجج هايك بان اي زيادة في تخطيط الدولة هو
الخطوة الاولى نحو الاستبداد، لكنه وافق على الرؤية العامة القائلة بان
القيود على تدخل الدولة تحتاج لتعريف واضح (اكثر وضوحاً مما فعله هايك
في الكتاب) لكي تبقى الديمقراطية الليبرالية آمنة. وبعد ان استلم كنز
شخصيا نسخة من كتاب هايك، كتب كنز جوابا له مثنياً على الكتاب. لكن كنز
اعتقد ان على هايك ان يكون اكثر وضوحا حول اي نوع من الخطوط الحمر
ستكون ضرورية لكي لا يهدد التدخل المتزايد للدولة قيم الليبرالية :
"انت تعترف هنا وهناك بان هناك تساؤلاً لمعرفة اين يُرسم الخط. انت
توافق بان الخط يجب ان يُرسم في مكان ما، وان المنطق المتطرف لسياسة
عدم تدخل الدولة كليا هو غير ممكن. لكنك لم ترشدنا اين يُرسم الخط...
طالما انت تعترف ان التطرف غير ممكن وان الخط يجب ان يُرسم، فانت تكون
وضعت نفسك في مأزق لا تستطيع الدفاع عنه".
باختصار، اتخذ كنز من دروس هايك كتحذير بان تدخّل الدولة يجب ان
يكون محدوداً والسياسيين يحتاجون لمعرفة اين يتوقفون – وهو الامر الذي
يقبل به دون تردد. ورغم انه اعتقد ان المزيد من سيطرة الدولة في بعض
المجالات قد يكون مبرراً، لكن الحكومات دائما تعيد رسم الخط الذي لن
تتجاوزه. ذلك ربما درس مناسب ليس فقط لتلك الفترة وانما لزماننا الحالي
ايضا.
* Keynes and Hayek Prophets for today, The
Economist, Mar 14th 2014.
.............................................
الهوامش:
(1) فردريك هايك في كتاب
"طريق للعبودية" رفض فيه الرؤية السائدة بين الاكاديميين البريطانيين
بان الفاشية هي رد فعل رأسمالي ضد الاشتراكية، بدلاً من ذلك يؤكد هايك
ان الفاشية والاشتراكية لهما اصل مشترك في التخطيط الاقتصادي المركزي
وفي سلطة الدولة على الفرد. يرى هايك ان التخطيط المركزي هو بطبيعته
غير ديمقراطي لأنه يفرض على الناس رغبات اقلية صغيرة. الفرد في ظل
التخطيط المركزي سيصبح مجرد وسيلة لتحقيق الاهداف المخطط لها، وبذلك
يحطم حكم القانون والحرية الفردية. كذلك تحتاج انظمة التخطيط المركزي
الى بروبوغندا قوية لكي يؤمن الناس بما يُخطط له، اعتقد هايك ان جذور
النازية موجودة في الاشتراكية. كتاب الطريق الى العبودية هو من اكثر
الاعمال شهرةً وتأثيراً في الدفاع عن ليبرالية السوق والذي لازال صداه
واسعا في الخطاب المعاصر. بيع من الكتاب حوالي 2 مليون نسخة. |