ديمقراطيون شموليون.. يكرهون التنوّع!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من المفارقات الغريبة حقا، أن تجد تناقضا حادا بين الانسان الديمقراطي وبين أفكاره وأفعاله وادّعاءاته، فالانسان الذي يعلن انه ديمقراطي، مؤمن بالمناهج الديمقراطية، وما تنص عليه وما تدعو له، فإنه حين ذاك يكون ملزما بضوابط وقيم الديمقراطية، وما تنص عليه وتدعو إليه من مبادئ وقيم، ولكن اذا اختلف القول عن الفعل، أي اذا اعلنتُ انني ديمقراطي، وافعالي وأفكاري لا تدل على ذلك، هنا يتحول الاعلان عن ديمقراطيتي الى ادّعاء لا أساس له من الوجود على أرض الواقع.

هكذا يمكن أن تكشف الافعال حقيقة الاقوال، فليس كل انسان يعلن انه مؤمن بالديمقراطية سوف يكون صادقا في كلامه، فالمعيار هنا هو ما يحدث في الواقع، واذا كنت أنتَ ديمقراطيا، استطيع أن اعرف مدى إيمانك بالمنهج الديمقراطي، من خلال افكارك وافعالك في التعامل مع الآخرين، لهذا هناك من هو شمولي، مؤمن بالشمولية في الخفاء ويرفض التنوع في سريرته، لكنه في العلن وامام الملأ يعلن انه مع التنوع، ويقبل الفكر والرأي الآخر، وانه ديمقراطي النزعة والسلوك، لكنه في حقيقة الامر يرفض التنوع جملة وتفصيلا، من خلال أفعاله، وهو يعاضد المنهج الشمولي ويؤازره بسلوكه وأفكاره، لذلك تنكشف الأغطية والاقنعة المزيّفة عن هؤلاء، ويتضح للجميع أنهم يقولون غير ما يفعلون.

بعض الديمقراطيين، يريدون إلغاء الآخر، مع انهم يعلنون وقوفهم مع التنوع والتحرر، وقبول الرأي الآخر، والاسهام بالقواعد والقيم التي تنشر السلام، وتحافظ على السلم الاهلي، هكذا يعلن هؤلاء الديمقراطيون بأنهم يقبلون الجميع، لكن الوقائع تشير الى غير ذلك، فتنكشف حقيقة هؤلاء، مثال ذلك، حينما يدعو بعض ممن يعلنون انهم ديمقراطيون، الى إلغاء الدين!!، هذه المطالبات تصدر أحيانا بصورة علنية من بعض الديمقراطيين، ولا نعرف كيف تكون ديمقراطيا متحررا، وفي الوقت نفسه تدعو الى إلغاء الفكر الآخر؟!.

إن مثل هذا السلوك، يؤكد أن الديمقراطية ليس ادّعاءً، بل هي منهج فكري سلوكي، يتضح بصورة جلية، من خلال التطبيق العملي في الواقع، وعندما تعلن انك ديمقراطي، وتدعو الى إلغاء الفكر الآخر، مثل إلغاء الدين أو سواه، فإن ذلك يدل على الشمولية المخفية، تحت غطاء الادّعاء بالديمقراطية، والانتماء لها بالقول فقط، لان السلوك الفعلي في الواقع، لا يقر بأنك ديمقراطي فعلا، لذلك هناك كثير من السياسيين، بل هناك أنظمة سياسية، وحكومات متعددة ومختلفة، تعلن بأنها ديمقراطية، وتدّعي بأنها تعمل على رعاية الشعب، وتحسين اوضاعه الاقتصادية وسواها، من خلال ادّعاها و وعودها للشعب، ببناء المؤسسات السياسية والاقتصادية المستقلة التي تسعى لتطوير البلاد، سياسيا واقتصاديا، ولكن عندما نأتي الى الواقع، سنجد أن هذه الادعاءات الديمقراطية، غير موجودة فعلا في واقع الناس.

لذلك تعدّ مثل هذه الانظمة السياسية، شمولية، كذلك سوف نكتشف أن هؤلاء السياسيين او المثقفين والمفكرين الذين يعلنون الديمقراطية والتمسك بها، يهمّشون الفكر والرأي الآخر، لذا فإن مثل هؤلاء لا يمكن أن نضفي عليهم صفة الديمقراطية، لأنهم أساسا لا يؤمنون بمبادئ الديمقراطية، التي ترفض الشمولية، وتدعو الى الحرية، وعدم اقصاء الاخر او رفضه، او عدم القبول برأيه، وحرمانه من حقوقه لانه مختلف، فالاختلاف في مفهوم الديمقراطية ينتمي الى التنوّع، والقبول بالتنوع شرط أساس من شروط الديمقراطية، لهذا لا يصح بل لا يجوز أن تعلن ديمقراطيتك، وفي الوقت نفسه تطالب بإلغاء الفكر الآخر!.

إن مثل هذا التناقض في الفكر، يدل على عدم أصالة وعدم جدية هذا الفكر،  إذ كيف تدعو الى التنوّع الفكري واشكاله الاخرى، وفي الوقت نفسه لا تقبل الآخر؟، هذا التساؤل يثير جملة من الامور، لابد أن تتم الاجابة عنها بوضوح، إن الازدواجية التي يعاني منها بعض المنتمين الى الديمقراطية بالادّعاء، بحاجة الى معالجة، بمعنى لا يصح الدمج بين نقيضين فيما يتعلق بالسلوك، إذ لا يمكنني ان اجمع مثلا بين الكذب والصدق في آن واحد، لذا مطلوب من الانسان الديمقراطي، أن يتمسك بمبادئ الديمقراطية، وبأهم شروطها وهو التنوّع، وعندما يحدث العكس، فإن الشمولية ستكون هي العنوان الذي يليق بمثل هؤلاء حتما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/آذار/2014 - 26/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م