سيزيف العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الانسان هو من يصنع عذاباته، سيزيف رمز عذابات لا تنتهي في الأسطورة الاغريقية، عاقبه كبير الالهة في تلك الميثولوجيا بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.

والاسطورة السيزيفية وظفها البير كامو في مقالة فلسفية عن البحث غير المجدي للإنسان عن معنى.

ماذا عن سيزيف العراقي، والذي يمكن الاستفادة من رمزية عذابه، ليس في البحث عن المعنى مثلما ذهب البير كامو، بل البحث عن وعد بالخلاص؟، لكن عن أي خلاص نتحدث؟.

منذ فجر الوعي العراقي، بحث انسان وادي الرافدين عن خلاص موعود، يحتوي كل قلقه وخوفه وارتيابه وتوتره، فكان جلجامش، تلك الشخصية التي انهمكت في البحث عن خلودها الخاص والشخصي، لكن لا خلود لمن كتب عليه الموت والفناء.

في أدوار أخرى، اصبح الخلود يتشكل من ثيمة جديدة، انهم الأشخاص الذي يتركون خلفهم اثرا، فكان حمورابي، ونبوخذ نصر، وسرجون الاكدي، وغيرهم من شخصيات حقيقية غلفتها الأسطورة ببطولات وقوى خارقة..

ماذا عن الناس الاخرين؟

انهم بقوا في تطلعهم المستمر نحو وعد بالخلاص، لم يحققه لهم أولئك الابطال او الملوك، وبقت عذاباتهم خارج كل تدوين، فهم مجرد عابرون في رحلة قصيرة.

يكاد العراق الدولة الوحيدة في العالم الذي استطاع تكوين اربع امبراطوريات هي الاشورية والاكدية والبابلية التي حكمت جميع بقاع العالم قديما حتى نهاية اخر امبراطورية وهي الإمبراطورية العباسية.

في خلال تلك المراحل، سجل التاريخ سير الابطال والمقاتلين والحكام، واهمل تسجيل ملامح قتلاهم ومحكوميهم، الذين بقوا ينتظرون هذا الوعد بالخلاص الذي ربما يأتي على يد احد منهم.

مابين شخصية وأخرى، حفل التاريخ بمآثرها، واحتفل المشاهدون بالتصفيق لها، كانت رحلة العراقي عذابا ابديا لم يكف لحظة واحدة عن استيلاد الامه واوجاعه.

منذ فجر التاريخ كان العنف وكانت الحروب على هذه المساحة الجغرافية، (ميزوبوتاميا – بلاد الرافدين – العراق) او أي تسمية أخرى شئت لها، انه (عراك) لا تنتهي عذابات ناسه.

هل يشكل العنف وتشكل الحرب هوية العراقي والعراق، والتي بدونها لا يعرف له هوية أخرى؟

استبشر العراقيون خيرا بسقوط صنم المستبد والطاغية الأكبر في العام 2003، استدرك ولا اريد ان اعمم ذلك الاستبشار والفرح على الجميع، لا يهم، ففي كل تغيير يحدث، هناك من لا يريد ان يكون امام تياراته، او ان يكون جزءا من ضحاياه، لا يهم أيضا، ان كانوا مستفيدين من وضع أو واقع حال على حساب جموع أخرى، فهم أيضا كانوا يعتقدون ان ذلك الزمن الذي انقطع هو عشبة خلودهم، مثلما ظن البعض، ان ما بعد الزمن المنقطع هو وعد خلاصهم المتحقق.

اكتشف الجميع ان لا خلود لمن يفنى، ولا خلاص يحمله الاتي..

حكم على العراقيين ان يكون كل واحد منهم، سيزيف المعذب بعدم الوصول والقاء صخرة عذاباته على قمة الجبل، فهي ابدا تتدحرج وتسقط، بمجرد الظن انها يمكن ان تستقر على تلك القمة، انها مجرد خطوة، لكنها أطول من أي سنة ضوئية أو صوتية، او أي استعارات بلاغية أخرى، تريد ان توصّف ما لا يمكن توصيفه، لعذابات سيزيف العراقي.

مجرد ارقام في عتاد البحث عن وعد بالخلاص، تلك قصة العراقيين، فهم اعداد من القتلى الذين يتكاثرون يوما بعد آخر، في تناسل العنف العجيب، وهم نسب مئوية في حالات الفقر والتهجير والهجرة، ورغم ذلك لم يكف اغلبهم عن التصفيق، أو اتباع خطوات القائد المبجل، أو الرئيس المفدى، وهو يقودهم نحو كل زاوية يتربص بها الحتف والفناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آذار/2014 - 24/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م