الشورى.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

الفردية تؤدي الى عبادة الذات، والى الاستبداد، وهذا هو الطريق الى الهلاك

"آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي"

 

شبكة النبأ: يشغل مفهوم (الشورى) حيزا واسعا من اهتمامات المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) حتى تحولت نتيجة هذا الاهتمام المعرفي بها، الى نظرية متكاملة واخذت تسمية (شورى الفقهاء المراجع)، على مستوى التنظير للحكم وتطبيقه، و(الشورى) اطلاقا على مستوى الحياة الشخصية والاجتماعية للمسلمين.

ان نظرية الشورى بما تتميز به من تلاقح في الآراء ووجهات النظر المرتبطة بالأمة ومستقبلها، كما وأن السعة التي تمنحها نظرية الشورى تشكل كابحاً لظهور سمات الاستبداد والتفرد بالرأي، و(شورى المراجع) التي يطرحها الإمام الراحل،  في إدارة دفة الحكم في الإسلام، ليست شعاراً سياسياً أو لافتة دعائية وإنما هي نظرية إسلامية مدعمة بالبرهان، وتحتوي على تفاصيل عريضة، ومتشعبة في معالجة قضية الحكم في الإسلام، إنها أطروحة تنضج التصورات السياسية وتفسح الطريق أمام تجميع الطاقات وإدخالها في صيرورة الفعل السياسي وتكون حاجزاً أمام صفات الاستبداد والدكتاتورية اللتين تشكلان عائقاً قديماً بقي إلى يومنا هذا، كما يذهب الى ذلك كتاب (الامام الشيرازي التنوع الإنساني المبدع).

نظرية الشورى عند الامام الراحل (قدس سره) ليست وليدة فراغ في التجربة الإسلامية، بل هي إحدى خصوصيات تلك التجربة، والتي ركز عليها وعمل على تعميق مدياتها الاجتماعية والسياسية بما ينسجم مع تحولات المجتمع وإثراء مجالات التفاعل بين مضامينها وحاجات المجتمع.

في تعاطيه مع مسألة الحكم في الإسلام نجد ان الامام الراحل (قدس سره) يركز على نقطتين جوهريتين، الأولى: شورى المراجع والثانية: الانتخاب، فشورى المراجع هي الصورة الإسلامية المثلى للحكم الإسلامي كما يرى، ولكن ليس عن طريق الفرض القهري القسري، وإنما برضا أكثرية الأمة من خلال الانتخاب هنا، الذي يستلزم الحرية والعدالة في آن واحد.

(يتم تعيين مرجع المسلمين الأعلى، والذي بيده ناصية الحكم عن طريق انتخاب الامة بعد إعطاء رأيها له، وكذلك شورى الفقهاء، ان كان المرجع اكثر من واحد).

ان الشورى عند الامام الراحل، لاحظت ضيق المساحات التي تصطدم مع تطلعات الإنسان وسعيه لأن يكون مشاركاً في مستقبله، وهو (قدس سره) يدافع هنا بقوة وحرارة عن الانتخاب، فالأمة هي التي تختار حاكمها في النظرية السياسية الإسلامية حسب تصوره: (الحاكم الإسلامي هو الذي يجمع بين شرطين الأول: كونه مرضياً لله سبحانه وتعالى والثانية: كونه منتخباً من قبل أكثرية الأمة).

ويوضح تلك النقطة بقوله: (الحكم في الإسلام ليس رديئاً ولا دكتاتورياً، كما أن الحاكم الذي يأتي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مرفوض من قبل الإسلام حتى لو كان الحاكم مسلماً، إذ الإسلام يشترط إرادة الأكثرية وهذا الانتخاب ينبغي أن لا يكون (أجوائياً) أي بالمظاهرات والاحتفالات كما من الضروري أن نجري انتخابات عامة وبين فترة وأخرى كل أربع أو خمس سنوات مثلاً – لانتخابات الحاكم العام والحكام المحليين حسب رأي الأكثرية أيضاً).

لا تتوقف الشورى عند تنصيب الحاكم الإسلامي عن طريق الانتخاب، وتنتهي المسألة عند هذا الحد، بل انها تصل الى مدى ابعد، وهو عزل هذا الحاكم حين يفقد احد الشروط التي عملت على انتخابه في المرة الأولى، وهو في انتخابه يجب ان يتوفر على عدة شروط، يراها الناس تلبي المنظور الإسلامي للحاكم، وهي: الايمان، (فالحاكم الإسلامي مؤمن)، والفقه، فهو(يفقه الدين تماما)، و(يعرف شؤون الدنيا)، و(يتحلى بالعدالة التامة)، عند توفر هذه الشروط واستمرارها يمكن لهذا الحاكم ان يستمر في منصبه لأعوام طويلة، لكنه اذا فقد احدى هذه الشروط (عزل عن منصبه فورا، واذا لم ترض الامة به ببقائه رئيسا، حق لهم تبديله الى غيره ممن جمع الشرائط).

ان هذا الحق للناس الذي يجب أن يكون سائدا في اختيار من يحكمه، هو منطق الإسلام الذي (لا يعترف بالاستبداد، والتسلط الديكتاتوري، وانما الحاكم من الشعب والى الشعب، يرعى مصالحهم ويطمئن الى احوالهم). ومن ينكر الشورى، كنظام حكم في الإسلام، فانه يقر ضمنا، كما يرى الامام الراحل، (بالبديل الاخر، وهو الفوضى والاستبداد).

لا تقتصر الشورى على نظام الحكم، كما ينظر لها الامام الراحل، بل هي ابعد من ذلك، يجب ان توجد في كل شؤون المسلمين، (الصغيرة منها والكبيرة باستثناء النبوة والامامة والاحكام).

وهو هنا يضع خطا لهذه الشورى لا يمكن ان تتجاوزه، (ففي الواجبات والمحرمات لا مشورة، ومن ذلك في أمر النبوة والإمامة، حيث انهما بالنص من قبل الله سبحانه، وكذلك لا مشورة فـي سائر الأحـكام ـ المستحب والمكروه والمباح ـ والتي منها الأمور الوضعية، مثل تعيين ما في الإناء خمر أم ماء).

يلخص الامام الراحل نظريته في الشورى، وشورى الفقهاء المراجع بنقاط ثلاث:

1- إنّ الشورى مبدأ إسلامي عام لا يختصّ فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الاسرية والاجتماعية.

2- إنّ للشورى مجالان، الأول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الأمور المتعلقة بهم، والثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم على إدارة شؤونهم، فهي دعوة الطرفين إلى الشورى، طرف الحاكم وطرف الرعية.

3- مبدأ التشاور قائم في الأمور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص.

وللإمام الشيرازي كتاب كبير في هذا الموضوع، وهو الكتاب الموسوم بـ(الحكم في الإسلام ) وهو أحد أجزاء موسوعته الكبيرة التي لا يزال يخرجها تباعا تحت عنوان (الفقه). وهو فقه استدلالي موسّع، وتعتبر الموسوعة المذكورة من ابرز ما عرف في عالم الفقه على عصرنا الحالي. وقد بسط في كتابه هذا نظريته عن الحكم في الإسلام على شكل مسائل متتابعة، متعانقة، بلغت (34) مسألة، وذلك بتفصيل وتفريع شاملين... كما أن السيد تطرق لنفس الموضوع في كتابه الضخم (السياسة) الذي هو أحد أجزاء الموسوعة الفقهية، وعرض لها بسرعة في (هكذا حكم الإسلام) و(السبيل لإنهاض المسلمين) و(الاجتماع) و(نريدها حكومة إسلامية عالمية) وغيرها من المؤلفات والأسفار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/آذار/2014 - 23/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م