السياسة عندما تصنع الثقافة!!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ماذا يمكن أن نتوقع من ثقافة تصنعها السياسة؟، وعندما نعكس السؤال ونسأل، ماذا يمكن أن يحدث لو أن الثقافة هي التي تصنع السياسة؟، أظن أن الفارق سيكون كبيرا، بل سيقع على طرفي نقيض تماما، فالثقافة التي تكون صنيعة النظام السياسي، لا يمكن لها أن تخرج عن دور البوق المروّج لافكار ومصالح الحكومة، بمعنى أدقّ، ستكون الثقافة التي تصنعها السياسة أسيرة موجَّهة لا تنطوي على الابداع، لسبب بسيط هو انتفاء الحرية فيها، ولا يمكن أن نتصور لثقافة مسلوبة الحرية والارادة أن تبدع، أو تجرؤ على التغريد خارج السرب، أو خارج ما يخطط لها السياسي.

هكذا ستكون الثقافة عرجاء، كمن يسير على ساق واحدة، وكمن ينظر الى الاشياء بعين واحدة، إذا كانت صنيعة الحكومة، أو النظام السياسي، وقد أثبتت التجارب في الدكتاتوريات التي نمت وتعملقت في امريكا اللاتينية وبعض الدول الافريقية والعربية، فشل الثقافات المصنّعة سياسيا، كونها لا تتمتع بحرية الطرح والرأي والتفكير، وثقافة مؤطّرة بهذا النوع من الممنوعات، لا يمكن لها أن تجاري التطورات المتسارعةأن تجاري التطورات المتسارعة في عصرنا الراهن، واذا كانت الثقافة المصنوعة سياسيا فاشلة في الازمنة الغابرة، فإن فشلها في هذا العصر سيكون أكثر وضوحا، بل سيكون فشلا مدوّيا، بسبب طبيعة العصر القائمة على الابتكار، والافكار الجريئة المغايرة الصادمة والخارجة عن النسق المعتاد دائما.

ولنا أن نتصور في حالة حدوث العكس!، أي عندما تولد السياسة من رحم الثقافة، فماذا يحدث، وما هي النتائج التي يمكن أن تنعكس على حياة المجتمع، إن الثقافة التي يكون بمقدورها انتاج نسق ثقافي متطور، ويمكنها أن توجّه المسارات السياسية في بلد ما، هذه الثقافة لابد أن تكون راسخة متطورة مكتملة، بسبب تجذرها، وتحولها كمنهج سلوكي وفكري في حياة المجتمع، لهذا السبب تتمكن مثل هذه الثقافة المتطورة، أن تصنع الاطار السياسي، وأن تحدد نوعية النظام، وتسهم في بناء المؤسسات التي تضبط إيقاع حركة الدولة المدنية، بهذا المعنى تصبح الثقافة هي المنتجة للسياسة، وليس العكس كما يحدث في الدكتاتوريات، لذا نحن ازاء تجربة سياسية ثقافية متناغمة ومنسجمة، يتعاضد فيها السياسي والثقافي، ويؤازر بعضهما الآخر، فتكون النتائج باهرة وموفقة دائما للثقافة التي تصنع السياسة، على العكس مما يحدث لو تراجعت الثقافة، واصبحت خاضعة وتابعة للقرار السياسي، عند ذاك تحركها الاهداف والمصالح السياسية، وفقا لأجنداتها، أو مساراتها، بما يحقق ضمانا أكيداً لمصلحة النظام السياسي، ومآربه التي غالبا ما تتمحور حول الكيفية التي تحافظ على العرش، وتحميه بغض النظر عن الاساليب والوسائل المستخدّمة لتحقيق هذا الهدف.

ليس ثمة مغالاة في قولنا، أن السياسة عندما تجبر الثقافة على تبعيتها، ستجني على الجميع، وسوف تدمر الدولة والمجتمع وتدمر النظام السياسي نفسه، لذا فإن التوظيف الشمولي للثقافة لصالح فرد، أو حزب أوحد، أو حزب قائد، أو لصالح جهة معينة، قد يبدو ذا نتائج سياسية ثقافية تدل على قوة الدولة، ومتانتها وقوة النظام السياسي، لكن الجانب الاكثر خطورة هنا، يتمثل في فقدان الثقافة لدورها وفاعليتها، وقدرتها على التأثير في الدولة والمجتمع، فتكون مصابة بالشلل، فاقدة للابتكار، وتابعة لما تريده السياسة، فتتحول الثقافة الى تابع مريض، تسري عدوى هذا المرض في مفاصل الدولة والمجتمع.

فعندما تمرض الثقافة تمرض السياسة، بل تمرض الدولة كلها، وهنا سوف يكون الجميع خاسرا، ما يعني أهمية توافر الحرص الجماعي، على إعطاء الثقافة دورها في رسم مسارات الدولة والمجتمع، وتوفير المناخات المدنية التي تساعد الثقافة على النمو والتطور، والتأثير في حركة المجتمع والسياسة، وعموم مفاصل الدولة، وبهذه النتيجة، تكون الثقافة هي الرحم الذي ينجب سياسة قوية، واضحة متطورة ومتوازنة، تسهم في بناء دولة مدنية ومجتمع متميز.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آذار/2014 - 22/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م