طموحات أرودغان التفردية تقتل حريات الشعب العامة

 

شبكة النبأ: تعيش تركيا ومع اقتراب الانتخابات البلدية صراعا داخليا حربا انتخابية شرسة، تزداد حدتها بشكل مستمر مع اتساع شدة التهديد والوعيد التي يتبعها رئيس الوزراء رجب طيب أرودغان، الذي يسعى وبشكل جدي الى فرض سيطرته المطلقة على كل المؤسسات في تركيا من خلال فرض تشريعات وقوانين خاصة هذا بالإضافة الى استخدام القوة المفرطة لأجل إقصاء الخصوم، خطوات جديدة أثارت الكثير من المخاوف والانتقادات داخل تركيا وخارجها بشأن انتهاك حقوق الأفراد ومستقبل الحريات في هذا البلد.

وبحسب بعض الخبراء فان حكومة أرودغان وبعد فضائح الفساد الكبيرة التي طالت شخصيات بارزة في حزب العدالة والتنمية، عمدت الى استخدام حرب جيدة من خلال توسيع دائرة الرقابة وخنق الحريات الخاصة، حيث أقدمت أخيرا الى وبعد موجة الاحتجاجات الكبيرة الى حجب بعض المواقع الالكترونية وهو ما أسهم باتساع مساحة الغضب والتنديد الشعبي والدولي.

تلك الإجراءات التعسفية التي أثارت قلق الكثير من المنظمات الحقوقية اعتبرها البعض خطوة نحو تثبيت قواعد النظام الدكتاتوري، الذي سيعمل على تغيب الحقائق وإبعادها عن الرأي العام من خلال اعتماد أساليب الحيلة والخداع، مؤكدين في الوقت ذاته على ان الفترة القادمة ستكون أصعب خصوصا وان المعطيات الحالية تشير الى ان أرودغان وبعد هذا الفشل الكبير والفضائح المستمرة ربما سيعمد الى تزوير نتائج الانتخابات القادمة.

وفيما يخص أخر التطورات في هذا الشأن فقد أثار حجب موقع تويتر للتواصل الاجتماعي على الانترنت في تركيا قبل الانتخابات التي تشهد منافسات حامية غضبا شعبيا بشأن ما وصف "بانقلاب رقمي" وتنديدا دوليا وتسبب في خلاف بين رئيس الوزراء والرئيس. وأصدرت محاكم تركية قرارا بحجب موقع تويتر بعد أن توعد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان خلال تجمع انتخابي قبل الانتخابات المحلية التي تجري في 30 مارس آذار بوقف خدمات الموقع مهما كان رد فعل المجتمع الدولي على هذا.

وقال وزير الصناعة التركي فكري إيشيق إن محادثات تجري مع تويتر وإنه سيتم رفع الحظر اذا عينت الشركة ممثلا في تركيا ووافقت على حجب محتويات معينة حين تطلب منها المحاكم التركية. وسارع الأتراك الشغوفون بالتكنولوجيا ومنهم الرئيس عبد الله جول على ما يبدو الى البحث عن سبل للتغلب على الحظر.

وكتب جول على موقع تويتر "لا يمكن أن يوافق المرء على الإغلاق الكامل لوسائل التواصل الاجتماعي" معبرا عن أمله في ألا يستمر الحظر طويلا مما يجعله على خلاف علني مع رئيس الوزراء.

ويكافج اردوغان الذي يقود الحكومة التركية منذ 11 عاما في مواجهة فضيحة فساد أذكتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تزخر بأدلة مزعومة على ارتكاب الحكومة مخالفات. ولم يتطرق الى حجب تويتر خلال مؤتمرين انتخابيين. وقال حزب المعارضة الرئيسي في تركيا إنه سيطعن على قرار الحجب ويقدم شكوى جنائية ضد اردوغان تستند الى انتهاك الحريات الشخصية. وتقدمت نقابة المحامين التركية للمحكمة بطعن منفصل.

ووصف مستخدمو تويتر ما حدث بأنه "انقلاب رقمي" وقارن البعض تركيا بإيران وكوريا الشمالية حيث تخضع وسائل التواصل الاجتماعي لقيود مشددة. كما ظهرت دعوات لتنظيم احتجاجات. وقال الكاتب والصحفي الأمريكي اندرو فينكل الذي يقيم في تركيا ويغطي اخبارها منذ 20 عاما عبر حسابه على تويتر "الاستيقاظ على حجب تويتر يشبه الاستيقاظ على انقلاب. إنه المعادل الحديث لاحتلال المحطات الإذاعية."

وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم قد شدد القيود على الإنترنت ومنح الحكومة مزيدا من النفوذ على المحاكم ونقل آلافا من ضباط الشرطة ومئات من ممثلي الادعاء والقضاة في الوقت الذي يواجه فيه فضيحة فساد وصفها اردوغان بأنها مؤامرة من تدبير خصومه السياسيين للإطاحة به. وتردد جول الذي ينظر اليه على أنه يتبنى نهجا تصالحيا اكثر من اردوغان في انتقاد رئيس الوزراء علنا في الفترة السابقة للانتخابات على الرغم من الفضيحة وتكرار اردوغان مزاعم بوجود مؤامرة ضد حكومته. وأسس الاثنان حزب العدالة والتنمية الحاكم ويعتبر جول الخليفة المحتمل لاردوغان اذا قرر الأخير خوض انتخابات الرئاسة في اغسطس آب. ويقول منتقدوه إن طموحاته جعلته شديد الحذر من انتقاد اردوغان وهو أقوى شخصية في الحزب الحاكم. بحسب رويترز.

ووجه اردوغان نقدا لاذعا لتويتر امام الآلاف من أنصاره وقال "سنمحو كل هذا. بوسع المجتمع الدولي أن يقول هذا أو ذاك. لا يهمني على الإطلاق. الجميع سيرون مدى قوة الجمهورية التركية." وقال نائب رئيس الوزراء علي باباجان انه يتوقع ان يكون اغلاق موقع تويتر مؤقتا بينما قلل وزير المالية محمد شيمشك من شأن المخاوف وقال لقناة (تي.أر.تي) خبر إن حجب الموقع "لا ينبع من عقلية تسعى الى المنع" وإنه ليس سوى تطبيق لحكم محكمة.

تويتر منحاز

على صعيد متصل قالت تركيا إن موقع التدوين المصغر تويتر "متحيز" واستخدم في "اغتيالات معنوية ممنهجة" لشخصيات في حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. جاء الاتهام بعد يوم من قرار أنقرة حجب الموقع مما أثار غضبا دوليا. لكن مسؤولا كبيرا بالحكومة التركية قال في وذكرت تقارير إعلامية وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أن الكثير من الأتراك قالوا إنهم واجهوا صعوبات ليس فقط في دخول تويتر ولكن في تصفح الانترنت بشكل عام. وقال مكتب اردوغان في بيان إن حجب تويتر جاء ردا على "تحدي" الشركة وعدم امتثالها لمئات الأحكام القضائية. وأضاف "استخدم تويتر كوسيلة لتنفيذ اغتيالات معنوية ممنهجة بنشر تسجيلات تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية وسجلات تنصت مزورة ومفبركة."

وتم تداول تسجيلات صوتية نشرت عبر تويتر خلال الأسابيع القليلة الماضية بصورة شبه يومية وقيل انها محادثات هاتفية لاردوغان ومسؤولين كبار في الحكومة ورجال أعمال وتكشف عن فساد مزعوم. وقال البيان "من الصعب أن نفهم عدم اكتراث تويتر وموقفه المنحاز. نرى أن هذا الأسلوب يضر باسم الشركة المعنية ويترك انطباعا ظالما وغير دقيق عن بلادنا."

وأضاف أن اجراءات مماثلة اتخذت لنفس الأسباب في دول أخرى لمنع انتهاكات للحقوق الشخصية وتهديدات للأمن القومي. ويواجه اردوغان فضيحة فساد يصفها بأنها مؤامرة لتقويض حكمه دبرها رجل الدين التركي فتح الله كولن الذي يعيش في الولايات المتحدة. وكولن حليف سابق لاردوغان وتضم شبكة اتباعه اعضاء بارزين في جهازي الشرطة والقضاء في تركيا. وينفي كولن أن يكون وراء التحقيق في مزاعم الفساد.

وردت حكومة اردوغان على الفضيحة بتشديد القيود على الانترنت والمحاكم ونقل الالاف من ضباط الشرطة والمئات من ممثلي الادعاء والقضاء لمناصب أقل من مناصبهم في أغلب الأحيان. وبدأت الحكومة التركية محادثات مع تويتر قائلة إن الحظر لن يرفع إلا إذا عينت الشركة ومقرها سان فرانسيسكو مندوبا في تركيا ووافقت على حجب محتويات معينة بناء على طلب المحاكم التركية.

وأثار حجب موقع تويتر بواعث قلق من ان تغلق تركيا مواقع للتواصل الاجتماعي وخدمات انترنت اخرى لكن المسؤول الحكومي قال انه لا توجد اي خطط لفرض قيود على مواقع اخرى للتواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو يوتيوب. وقالت شركة تويتر انها تقف مع مستخدميها في تركيا الذين يعتمدون على تويتر كوسيلة اتصال "حيوية". وأضافت أنها تأمل ان تتاح لهم فرصة الدخول على الموقع بحرية قريبا.

وحاول الكثيرون التحايل على الحجب من خلال برنامج شبكة افتراضية خاصة أو تغيير اسماء النطاقات (الخوادم) لاخفاء الموقع الجغرافي لاجهزة الكمبيوتر. لكن الكثيرين قالوا إن أجهزة الكمبيوتر التي تم تغيير نطاقها لم تستطع تصفح الانترنت من الأساس. وكتب احد المستخدمين يقول "اغلقت اجهزة الخوادم البديلة ايضا في تركيا فيما يبدو. يتم توزيع نطاقات جديدة."

وهدد اردوغان ايضا بتعطيل يوتوب وفايسبوك بعد الانتخابات البلدية والتي قد تتحول الى استفتاء مع او ضد اردوغان الذي يحكم البلاد منذ 2003. واعلنت اجهزة الحكومة انها اتخذت هذا "القرار الوقائي". وتأتي اخطر التهم من حسابين على تويتر اطلق عليهما اسما "حرامزدلر" (ابن اللصوص) و"بسكلان" (اكبر اللصوص، وهما لقبان يستعملان للسخرية من رئيس الوزراء) تمكنا من جمع كمية هائلة من الوثائق السرية ومحاضر تنصت سرية اجرتها الشرطة في اطار التحقيق. وتكشف التسجيلات مكالمة هاتفية مفترضة من اردوغان مع ابنه دارت حول مسالة تحويل كميات كبيرة من الاموال وضغوط يمارسها رئيس الوزراء على القضاء والصحافة وتدخل في بيع عقارات. ونسب اردوغان تلك التهم بالفساد التي نفاها قطعا واعتبرها "حقيرة" وغير صحيحة، الى خصومه السياسيين. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الشباب الاتراك الى الا يصبحوا "عبيدا للانترنت" وذلك اثناء تسليمه اجهزة كمبيوتر لوحية لعدد من طلاب المدارس. وانتهز اردوغان هذه المناسبة للدفاع مجددا عن مساعي حكومته لتشديد الرقابة على الانترنت وهي الخطوة التي اثارت انتقادات واسعة. وقال اردوغان امام مجموعة من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية وعدد من المدرسين في انقرة "ان الانترنت اداة مهمة جدا، ولكنها يمكن ان تصبح كذلك اكبر تهديد في عصرنا عندما تكون في ايدي اشخاص بعقلية شريرة". واضاف "لا تصبحوا عبيدا للانترنت، ولا تصبحوا عبيدا لأجهزة الكمبيوتر".

وجاءت تصريحاته في حفل بمناسبة اطلاق مبادرة حكومية بتسليم 100 الف جهاز لوحي للطلاب في انحاء البلاد. واثار البرلمان عاصفة من الاحتجاجات داخل تركيا وخارجها بعد ان وافق على فرض قيود على الانترنت تشمل منح السلطة التنفيذية صلاحية حجب مواقع الكترونية إذا ما اعتبرت مهينة او تتعدى على الخصوصية.

تنديد وانتقادات

على صعيد متصل نددت المفوضة الاوروبية المسؤولة عن التقنيات الجديدة نيلي كروز بشدة بقرار حجب تويتر في تركيا. وقالت كروز "قرار حجب تويتر قرار جبان لا اساس ولا مبرر له". وتابعت على تويتر ان "الشعب التركي والاسرة الدولية سينظرون الى القرار على انه اجراء رقابة وهو فعلا كذلك".

وتعتبر المنظمات غير الحكومية المدافعة عن الحريات تركيا من اكثر الدول قمعا لجهة الرقابة على الانترنت. وحظرت البلاد التي يزيد عدد مستخدمي تويتر فيها عن عشرة ملايين شخص الاف المواقع في السنوات الاخيرة. واعتبرت جميعة "انترنت بابليشرز اسوسييشن" الدولية لدور نشر على الانترنت ان حظر تويتر محاولة "للقضاء على حرية التعبير". وصرحت الجمعية في بيان "لرئيس الوزراء السلطة لحجب تويتر لكن ذلك سيؤكد ان (تركيا) دكتاتورية".

من جهتهما، اعلن حزب الشعب الجمهوري، ابرز احزاب المعارضة، ورئيس نقابة المحامين في تركيا متين فايز اوغلو الجمعة انهما رفعا المسألة الى القضاء من اجل الغاء الحظر، قال النائب عن حزب الشعب الجمهوري ايكان ارديمير "هذا انتهاك لا يصدق للحقوق الاساسية والحريات". واضاف ان "تويتر لم يمنع حتى في سوريا التي تواجه حربا منذ ثلاث سنوات". واعلن ان "تركيا باتت من اكثر الدول تسلطا على صعيد الحرية على شبكة الانترنت".

واعرب المفوض الاوروبي للتوسيع شتيفن فولي عن "قلقه الشديد" وذكر انقرة المرشحة للانضمام بأن "استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هو من الحريات الاساسية في الاتحاد الاوروبي". وفي باريس، انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية تدبيرا "يتناقض مع حرية التعبير والتواصل". وذكر المتحدث باسم الحكومة الالمانية شتيفن شيبرت ان "في مجتمع حر ترجع حرية اختيار وسائل التواصل الى المواطنين وليس الى الدولة". ودعت سفارة بريطانيا في انقرة السلطات التركية الى "اعادة النظر في قرارها". وانتقدت منظمة العفو الدولية ايضا انقرة ودعتها الى التراجع فورا عن قرارها الذي يعتبر "تعديا غير مسبوق على حرية التعبير والانترنت في تركيا".

من جهتهم، رأى الخصوم السياسيون لاردوغان في هذا القرار تأكيدا للانحراف الاستبدادي لنظامه الذي يتولى الحكم وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري خالوق كوتش ان "الديكتاتور قام بخطوة خطرة". وردا على فضيحة الفساد غير المسبوقة التي يواجهها منذ منتصف كانون الاول/ديسمبر الماضي اجرى اردوغان عمليات تطهير واسعة في صفوف الشرطة والقضاء واصدر مجموعة قوانين مثيرة للجدل، منها قانون يشدد الرقابة على الانترنت في شباط/فبراير.

واتهم اردوغان حلفاءه القدامى في جمعية فتح الله غولن بالوقوف وراء الاتهامات بالفساد التي ترمي الى اضعافه. وبرر وزير الاتصالات لطفي علوان قرار حجب تويتر. وقال انه "قرار قضائي وليس سياسيا"، مشيرا الى ان "تركيا ليست بلدا يمنع الانترنت لكن على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الامتثال للقانون". بحسب فرانس برس.

وقال نظيره المسؤول عن الاقتصاد علي باباجان المعروف باعتداله ان الحكومة اتخذت "مرغمة" هذا القرار. وبدأت تصدر دعوات الى التظاهر على شبكات التواصل الاجتماعي في اكبر ثلاث مدن تركية هي انقرة واسطنبول وازمير (غرب). قال يمن اكدنيز استاذ الحقوق في جامعة بيلجي الخاصة في اسطنبول "انها رقابة سياسية لا اكثر ولا اقل". واضاف "اخشى ان يكون الفيسبوك ويوتيوب الهدفين المقبلين قبل الانتخابات البلدية". وانتقد اتحاد ارباب العمل الاتراك "منعا غير ملائم ومثير للجدل ويتناقض مع الحريات". واضاف ان "الديموقراطية الحقيقية لا تتحقق إلا بضمان حرية الوصول الى وسائل الاعلام".

من جانب اخر انتقدت وزارة الخارجية الاميركية تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي هدد بحظر موقعي يوتيوب وفيسبوك، واكدت انها تنتظر من تركيا تنفيذ تعهداتها بشأن "الحريات الاساسية للتعبير". وقالت الناطقة باسم الخارجية التركية جين بساكي ان الولايات المتحدة "قلقة من اي تصريح يفيد ان مواقع للتواصل الاجتماعي يمكن ان تغلق بما ان القانون المتعلق بالانترنت مطبق". واضافت "ننتظر من تركيا تنفيذ تعهداتها احترام الحريات الاساسية للتعبير"، مؤكدة ان "الاعلام المستقل والحر اساسي من اجل مجتمع منفتح ونظام حكومي يمكن محاسبته".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آذار/2014 - 21/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م