روسيا والغرب.. حرب عقوبات فارغة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن تصاعد السخونة السياسية في مسلسل الجدلية والازدواجية بين أجندة دول القوى المتخاصمة بشأن منطقة القرم الأوكرانية، التي أصبحت محركا رئيسيا لتوترات والاتهامات بين روسيا وأميركا وأوربا،  تجسد مؤشرات خلاف متصاعدة تفاقم عندما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد من المسؤولين الروس والأوكرانيين المتهمين بالضلوع في سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم التي ذوي الأصل الروسي أغلبية بين سكانها البالغ عددهم مليونا نسمة، في محاولة للغرب تخويف روسيا بعقوبات سينظر إليها على أنها عمل عدواني من قبل روسيا المصدر الرئيسي لطاقة الغازية الى أوربا، التي  تعاني من وجود فارق ضخم بين طموحاتها المعلنة وبين حقيقة الوضع.

إذ يرى بعض المراقبين ان هذه العقوبات المفروضة على بعض المسئولين الروس شكلية فارغة المضمون لا يمكن تكون خطرا فعالا يهدد الاقتصاد الروسي، سيما وان أسلوب الضغط بالعقوبات الذي يتبعه الغرب لا يجدي وربما سيكون تكرار لسيناريو العقوبات الإيرانية، غير ان روسيا أكثر قوة من إيران في اتخاذ هكذا مواقف مع الغرب وبالتالي قد تكون نتائج العقوبات عكسية على الغرب وأوربا على نحو خاص، حيث أن الازمة الحالية مع موسكو تخلط الاوراق وتهز قادة اوروبا الذين لم ينهضوا كليا بعد من اخطر ازمة مالية في تاريخ الاتحاد الاوروبي، رغم المسعى الحالي نحو هدف مزدوج هو خفض استهلاك الغاز وتصعيب الامور على مجموعة غازبروم الروسية العملاقة.

فيما تحاول الحكومة البريطانية ان تلعب دور المنقذ بسياسة براغماتية المصالح وذلك من خلال ما نصت عليه وثيقتها بإن لدى أوروبا مجموعة من الخيارات لتعزيز أمن الطاقة والحد من الاعتماد على الإمدادات الروسية تشمل طلب تصدير مزيد من الغاز الأمريكي والتعاون مع العراق، لكن بعد أن ضمت روسيا منطقة القرم الأوكرانية تنصب اهتمامات زعماء الاتحاد الأوروبي على سبل الحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي الذي ينقل عبر أراضي أوكرانيا، كونها تريد أن تكون قادرة على تزويد أوكرانيا بالطاقة إذا قطعت روسيا الإمدادات. ومن المتوقع أن تطلب من المفوضية الأوروبية - الذراع التنفيذية للاتحاد - إجراء دراسة معمقة لأمن الطاقة الأوروبي بحلول يونيو حزيران القادم.

بينما يرى أغلب المحللين انه بدلا من اعتبار تلك الأحداث مبررا للانتقال تصعيد العقوبات تميل معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى التريث والاحتفاظ بإجراءات المرحلة الثالثة لأي تحرك روسي آخر في الأجزاء الشرقية من أوكرانيا.

ويرى هؤلاء المحللين المشكلة التي تواجهها أوروبا هي الحفاظ على وحدتها. ففي حين أنه يمكن للولايات المتحدة أو روسيا التصرف إلى حد بعيد بناء على توجيهات من شخص واحد لا يمكن للاتحاد التحرك إلا بموافقة جماعية من رؤساء وزراء ورؤساء الدول الأعضاء البالغ عددها 28 دولة.

حيث ان المشكلة هي أن كل دول الاتحاد تقريبا لا تريد مجرد التفكير فيها فما تنطوي عليه من عواقب خطير سواء من حيث تأثيرها على التجارة الثنائية أو من حيث ما يمكن أن تجلبه على دول الاتحاد من ردود انتقامية روسية.

فمن فنلندا -التي تشارك روسيا حدودا طولها 1300 كيلومتر وتاريخا من العداء- إلى قبرص التي تربطها بروسيا علاقات وثيقة في القطاعات المصرفية والعقارية والاستثمارية فان كل دولة تقريبا من دول الاتحاد الأوروبي لديها اسبابها التي تجعلها تشعر بالقلق.

وألمانيا من بين أكثر الدول تصميما على التصدي لموسكو لكنها تحصل من روسيا على 40 في المئة مما تستهلكه من الغاز. وتريد بريطانيا اتخاذ موقف متشدد لكن الشركات الروسية وأقطاب المال الروس يستخدمون لندن مركزا ماليا لهم. ولفرنسا تعاملات مع روسيا تقرب من 50 مليار دولار، ولأسبانيا والبرتغال وإيطاليا ورومانيا وبلغاريا واليونان ودول البلطيق أسباب مماثلة أو قريبة من ذلك للتردد وكذلك النمسا.

من جانب آخر يرى بعض المراقبين انه لا فرصة تذكر للتصعيد بالعقوبات الذي يعرض مصالح واستثمارات دول الاتحاد الأوروبي في روسيا لأضرار جسيمة، وهذا يضع الاتحاد في مأزق كبير، وبالتالي قد لا يجد الاتحاد الأوروبي أمامه إلا البحث عن سبل دبلوماسية لتأنيب موسكو على أن يقبل مضطرا وفي صمت أن القرم باتت في يدي روسيا وأن وحدة أراضي أوكرانيا -وهو الشعار الذي ردده الاتحاد على مدى الشهر المنصرم- قد تبددت.

إذ يرى معظم المراقبين أن الخلافات بين أطراف الخصام صارت خطرا محتدما ربما يهدد الاستقرار العالمي وخاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث بات الأحداث في الأزمة الأوكرانية بتطوراتها المتلاحقة أشبه بصراع تكتيكي أكثر مما هو صراع استراتجي في أوكرانيا، التي يعتبرها الكثيرون الجائزة الكبرى في سباق القوى الدولية العظمى على عرش العالم، وذلك أفضل ما تتمتع به هذه الدولة الغنية بالثروات والموارد طبيعية ناهيك عن موقعها الجغرافي الإستراتجية بين الشرق والغرب، لتكشف هذه الحرب الاقتصادية المحتدمة الملامح الحقيقية لبؤر الصراع بين روسيا والغرب في التاريخ الحديث.

أوروبا تضيق الخناق على روسيا

في سياق متصل قالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قبيل القمة إن مناقشة فرض عقوبات مالية - وهو ما يشير الاتحاد الأوروبي إليه بالمرحلة الثالثة من رده - ستجري خلال القمة لكن من غير المتوقع التوصل لاتفاق، وقالت ميركل في كلمة أمام البرلمان "ستوضح (القمة) أننا على استعداد في أي وقت لتنفيذ إجراءات المرحلة الثالثة إذا تفاقم الوضع".

وفي آخر اجتماع لزعماء الاتحاد الأوروبي في السادس من مارس آذار أصدروا بيانا يقول إنهم سوف يدرسون قيودا مالية مثل تجميد تمويل التجارة واستهداف شركات محددة إذا "اتحذت روسيا الاتحادية أي خطوات أخرى لزعزعة استقرار الوضع في أوكرانيا".

وفي ذلك الوقت لم يتضح ما إذا كان بوتين قد أرسل القوات إلى القرم وما إذا كان يخطط للسيطرة على شبه الجزيرة، ولم تحتل روسيا المنطقة فحسب لكن أجري استفتاء في القرم وكانت نتيجته لصالح الانفصال عن أوكرانيا بنسبة 97 بالمئة وضم بوتين القرم التي يقطنها مليونا نسمة إلى روسيا، وقال مسؤول أوروبي يعد للقمة "لا توجد رغبة ولا توافق للانتقال إلى المرحلة الثالثة في الوقت الحالي". بحسب رويترز.

وتتفق ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبولندا وبلد آخر أو اثنين إلى حد بعيد على ضرورة الرد بقوة على التصرفات الروسية وهو ما قد يتضمن عقوبات مالية لكن أغلب الدول الأخرى لديها تحفظات قوية، وتقول وثيقة للحكومة البريطانية إن لدى أوروبا مجموعة من الخيارات لتعزيز أمن الطاقة والحد من الاعتماد على الإمدادات الروسية تشمل طلب تصدير مزيد من الغاز الأمريكي والتعاون مع العراق.

وتريد دول الاتحاد الأوروبي أن تكون قادرة على تزويد أوكرانيا بالطاقة إذا قطعت روسيا الإمدادات. ومن المتوقع أن تطلب من المفوضية الأوروبية - الذراع التنفيذية للاتحاد - إجراء دراسة معمقة لأمن الطاقة الأوروبي بحلول يونيو حزيران القادم.

على الصعيد نفسه اعلن الاوروبيون رغبتهم بالتقليل من اعتمادهم الكبير على روسيا في الحصول على الطاقة وذلك تعبيرا عن عدم ثقتهم في موسكو، غير ان تنفيذ هذا القرار لن يكون سهلا حيث انه يتطلب استثمارات هائلة بالنسبة للكثير من الدول التي تعاني من الازمة الاقتصادية.

وقال رئيس مجلس اوروبا هرمان فان رومبوي في ختام قمة الاتحاد الاوروبي في بروكسل ان "السياق الحالي يفرض خفض اعتماد اوروبا الكبير في مجال الطاقة ولا سيما على روسيا"، واضاف ان "المفوضية الاوروبية طلبت خطة عمل ملموسة من اجل القمة الاوروبية المقبلة في حزيران/يونيو" المقبل.

وذكر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان "50% من عائدات غازبروم تأتي من مشتروات الاتحاد الاوروبي"، واضاف ان "روسيا اكثر احتياجا للاتحاد الاوروبي من احتياج الاتحاد الاوروبي اليها"، وقال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو مرحبا ان "الاتحاد الاوروبي يظهر انه قادر على اتخاذ قرارات في الاوقات الصعبة".

الا ان تحرك الاتحاد الاوروبي جاء متاخرا، اذ ان المفوضية الاوروبية تدعو الى تنويع مصادر الطاقة منذ عام 2010. فقد دعا مفوض الطاقة غونتر اوتينغر انذاك دول الاتحاد الى استثمار الف مليار يورو قبل عام 2020 "لمواجهة انفجار اسعار موارد الطاقة العضوية وتقليل الاعتماد على الخارج"، واشار انذاك الى اهمية الغاز في ضمان العملية الانتقالية الى ان يطور الاتحاد الاوروبي استخدام مصادر الطاقة المتجددة وغير الملوثة.

لكن بدلا من ذلك انقص القادة الاوروبيون عشرة مليارات دولار من المبلغ المخصص للبنى التحتية في الميزانية الاوروبية للفترة من 2014 الى 2020 مخفضا بذلك قدرة الاتحاد الاوروبي على المشاركة في مشاريع شبكات نقل عابرة للحدود. بحسب فرانس برس.

وقالت انيكا اهتونين المحللة في مركز السياسة الاوروبية (يوروبيان بوليسي سنتر) ان سياسة الطاقة المشتركة "مجرد قطعة ورق"، واشارت الى ان "امن الاتحاد الاوروبي في مجال الطاقة مهدد بمجموعة من الاسواق الوطنية الصغيرة وباتفاقات ثنائية متعددة مع روسيا وبنقص مزدوج في التلاحم السياسي والتضامن".

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعترف بان هذا النقاش يأتي في الوقت الذي تواجه فيه اوروبا "مشاكل في التزود بالغاز" مشددا على انه "من المهم جدا اذا ان نتمكن من ضمان امن الامدادات"، وتمثل واردات الغاز الروسي 27% من استهلاك الاتحاد الاوروبي يمر نحو 50% منها عبر اوكرانيا.

من جانبه اثار ديفيد كاميرون الجدل بشان استغلال احتياطي الغاز الصخري في اوروبا، بل ان هرمان فان رومبيي اشار الى امكانية شراء الغاز الصخري من الولايات المتحدة وادراج مصدر الطاقة هذا في اتفاقية التبادل الحر التي يجرى التفاوض عليها مع واشنطن، وفي هذا الصدد قال اوتينغر ان "المشكلة مع الغاز هي انه لا توجد له سوق عالمية او اسعار عالمية خلافا للنفط"، وقال هرمان فان رومبويي "بعد 64 عاما من انشاء السوق المشتركة للفحم والنحاس على اوروبا ان تتجه الى اقامة اتحاد للطاقة".

بريطانيا تغري أوربا

من جهة أخرى تدعو الورقة البريطانية التي وزعت على حكومات الاتحاد الأوروبي واطلعت عليها رويترز إلى خطة مدتها 25 عاما وإجراءات للمدى القريب، وتقول إن محادثات هذا الأسبوع "ينبغي أن تظهر أن أوروبا ستعمل على نحو منسق وعاجل للحد من اعتمادها الكبير على الغير في مجال الطاقة"، ويبحث قادة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل سبل تكثيف جهودهم في أزمة القرم وسط شكوك متنامية بشأن ما إذا كانوا متحدين بما يكفي لفرض عقوبات مؤلمة على موسكو، وسبق أن اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتنويع مصادر الطاقة ردا على أزمات سابقة عندما قطعت روسيا الإمدادات عن أوكرانيا.

ودعم الاتحاد مشروع خط أنابيب جديد لاستيراد الغاز الأذربيجاني وطور البنية التحتية للسماح بضخ الغاز من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا، لكن المحللين يقولون إن أوروبا ستواجه رغم ذلك مشاكل كبيرة إذا قطعت روسيا الإمدادات.

وتقول بريطانيا في ورقتها النقاشية إنه ينبغي تكثيف جهود البحث عن سبل لشحن الغاز العراقي إلى أوروبا وتطوير التعاون مع شركاء استراتيجيين آخرين، وقالت إنه ينبغي أن تدرس محادثات الطاقة الأوروبية الأمريكية سبل البدء في تصدير الغاز من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي وبحث كيفية إدراج ذلك في مباحثات التجارة عبر الأطلسي، وبدأت الولايات المتحدة منح رخص لتصدير الغاز الطبيعي المسال لكن التقدم بطيء بسبب الحساسيات السياسية بشأن إبقاء معظم الغاز للاستهلاك المحلي. بحسب رويترز.

ويقول المحللون إن الوجهة الطبيعية للصادرات الأمريكية ستكون آسيا حيث أسعار الغاز أعلى منها في أوروبا لكن حتى شحنات محدودة إلى الاتحاد الأوروبي قد تساعد، وتقترح بريطانيا - التي تحصل على قدر ضئيل من الغاز الروسي خلاف ذروة الطلب الشتوي عبر خط أنابيب من أوروبا - الغاز الأمريكي كخيار واحد فحسب من بين خيارات عديدة، فهي تحث سلطات الاتحاد الأوروبي على مساعدة الدول الأعضاء في استغلال مواردها عن طريق تنظيم إقامة سوق حرة مشتركة للطاقة وتقديم مساعدات مقننة.

ونجحت بريطانيا بالفعل في جهودها للحيلولة دون لوائح أوروبية كانت ستجهض خططها لتطوير الغاز الصخري، وتسعى بريطانيا أيضا إلى بناء محطة نووية جديدة بالتعاون مع إي.دي.اف الفرنسية لكن المفوضية الأوروبية أثارت مخاوف من أن خطط التمويل البريطانية قد تنتهك قانون المنافسة الأوروبي، وقالت الورقة البريطانية "ينبغي للمفوضية الأوروبية أن ترتب الأولويات على صعيد مساعدات الطاقة الحكومية لتسهيل وتسريع إقامة بنية تحتية في الاتحاد الأوروبي تضمن تحقيق أمن الإمدادات".

الاتحاد الأوروبي في مأزق

من جهته يحتاج الاتحاد الأوروبي الذي تعرض لسخرية موسكو إلى فرض عقوبات أشد كثيرا بخصوص القرم لحمل الرئيس فلاديمير بوتين على أخذها مأخذ الجد لكن قدرته على الاتفاق على مثل هذه العقوبات محدودة وقد يكون الوصول الى إجماع عليها متعذرا أصلا.

واتسم رد موسكو بالاستهانة بالمرحلة الأولى من عقوبات الاتحاد الأوروبي المتمثلة في حظر سفر 13 مسؤولا روسيا وثمانية مسؤولين من القرم إلى دوله وتجميد أصولهم فيها، وسخر نائب رئيس الوزراء ديمتري روجوزين في موقع تويتر من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واصفا خطواتهما بالضعف وقلة الشأن.

ويتفق بعض وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في صمت مع هذا التقدير ويشعرون بالإحباط، وكانوا يريدون عقوبات أشد تأثيرا لكن فرض العقوبات في الاتحاد الأوروبي يتطلب الإجماع ومن ثم فأي إجراءات لا يمكن أن تتجاوز ما تسمح به الدولة صاحبة القدر الأكبر من التحفظات، ومن بين الدول المتشككة النمسا التي قال مستشارها فيرنر فايمان "العقوبات لا تحل المشاكل. الحل غير ممكن إلا بالتفاوض"، وتساءل "ماذا ستفعلون عندما تنفد العقوبات؟" ملمحا إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يريد ولا يطيق الدخول في مواجهة أقرب إلى القوة مع روسيا.

وفي حين ان من المحتمل ان تتمكن الدول الأعضاء الثماني والعشرون من الاتفاق على توسيع القائمة -أبلغ دبلوماسيون رويترز أن قرابة 100 إسم قيد البحث- لكن من غير المرجح أن يؤثر ذلك في روسيا كثيرا. بحسب رويترز.

والمرحلة الثالثة التي اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في السادس من مارس آذار على الانتقال إليها إذا اتخذت روسيا خطوات أخرى لزعزعة استقرار أوكرانيا مشابهة للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي. وهي تنطوي فعلا على عواقب خطيرة بالنسبة إلى موسكو.

تصعيد أمريكي

في حين لم يكن للسلسة الاولى من العقوبات ضد شخصيات روسية التي اعلنتها الولايات المتحدة ردا على ضم القرم الى روسيا، انعكاس كبير على الاقتصاد، فان السلسلة الثانية التي اعلنها الرئيس الاميركي باراك اوباما كان لها تاثير ملموس اكثر.

وواجه زبائن عدد من البنوك الروسية مفاجأة سيئة تتمثل في عدم تمكنهم من استخدام بطاقاتهم الائتمانية "فيزا" او "ماستركارد" للشراء او لسحب نقود من آلات توزيع مؤسسات مالية اخرى.

فقد اوقفت المجموعتان الاميركيتان العملاقتان للبطاقات المصرفية خدمات الدفع بالنسبة الى زبائن هذه المصارف، والبنك المعني بالدرجة الاولى بهذا الاجراء والذي سمته واشنطن، هو بنك روسيا، هذه المؤسسة المصرفية التي يملكها يوري كوفالتشوك الذي يعتبر "المصرفي الخاص لكبار المسؤولين في روسيا"، والذي استهدفته من جهة اخرى العقوبات الاميركية بصفته الشخصية، لها 470 الف زبون خاص و24 الف شركة. بحسب فرانس برس.

وسارع الرئيس فلاديمير بوتين الى التاكيد على ان السلطات الروسية ستساعد هؤلاء الزبائن، وقال بحسب وكالة ريا نوفوستي "علينا حماية زبائن هذا المصرف والقيام بكل ما في وسعنا لكي لا تكون هناك عواقب سلبية لا على هذه المؤسسة المالية ولا على زبائنها".

لكن العقوبات الاميركية شملت مؤسسات مالية اخرى مثل بنك "اس ام بي" وبنك "انفست كابيتال بنك" المملوكين للاخوين اركادي وبوريس روتنبرغ، كذلك مصرف "سوبنبنك"، وهو فرع بنك روسيا مئة بالمئة.

وراى ميخائيل كوزمين المحلل لدى مؤسسة انفستكافي، ان "الوضع تدهور" على الرغم من ان العدد الاجمالي للاشخاص المعنيين جاء محدودا بالنظر الى المدخرين في روسيا.

وهذه العقوبات التي تطال عشرين شخصا ومصرفا "لا تشمل قطاع الاعمال الروسية في مجمله"، كما اشار من جهته افغيني نادورشين الخبير الاقتصادي لدى "ايه اف كي سيستيما".

لكنه اقر ب"انهم اشخاص مهمون، بالطبع. وهذا قد يؤثر على ارصدتهم في الخارج (...). الامر الذي سينعكس على انشطتهم في الخارج وعلى اعمالهم".

وحذر الرئيس باراك اوباما من جهة اخرى من ان الولايات المتحدة قد تستهدف في المستقبل قطاعات رئيسية في الاقتصاد الروسي، وبعيد هذه التصريحات، اعلنت وكالة "ستاندارد اند بورز" للتصنيف الائتماني انها خفضت آفاق درجة تصنيف روسيا الى "سلبي" وحذت وكالة فيتش حذوها، وهذا يعني ان هاتين الوكالتين قد تخفضان درجة تصنيف روسيا ما قد يؤدي الى زيادة كلفة الاقتراض، ودفع بعض المستثمرين الى الابتعاد عن ديونها، وهو خبر سيء لاقتصادها الذي بدا يسجل تباطؤا.

روسيا سترد بالمثل على العقوبات الأمريكية

في المقابل نقلت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء عن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله إن روسيا سترد بالمثل على إعلان عقوبات أمريكية وإنها ستبحث إجراءات أخرى إذا صعدت واشنطن المواجهة. بحسب رويترز.

في الوقت نفسه قالت موسكو إن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أبلغ نظيره الأمريكي جون كيري أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا "غير مقبولة.. ولن تبقى دون عواقب"، وتحادث الوزيران هاتفيا بعد ساعات من توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معاهدة في الكرملين تضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا على الرغم من احتجاج كييف والغرب.

وأفاد بيان لوزارة الخارجية الروسية أن "أهالي جمهورية (القرم) عبروا عن اختيارهم الديمقراطي بما يتسق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي تقبله روسيا وتحترمه.. بينما العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير مقبولة ولن تبقى دون عواقب."

العقوبات توحد النخبة الروسية لكن إلى متى؟

الى ذلك لم تنجح العقوبات الأمريكية في بث الفرقة بين أعضاء الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بل إنها وحدتهم أكثر من أي وقت مضى وراء ضابط المخابرات السابق إبان الحقبة السوفيتية ومسعاه لإقامة روسيا العظمى. بحسب رويترز.

ويبدو أن كثيرا من المنتمين للنخبة السياسية ونخبة رجال الأعمال الذين يشعرون بلذة انتصار بلادهم المتمثل في استعادة أراض مفقودة مستعدون للتضحية من أجل إطلاق العنان "لوعي إمبريالي" ونزعة قومية ظلت في سبات لفترة طويلة.

لكن حالما يتلاشى الشعور بالنشوة فإن هذه الدائرة الداخلية قد تجد أن حلفاءها من رجال الأعمال أقل استعدادا للمساعدة في كسب تأييد سكان يواجهون تراجعا اقتصاديا وقد تضطر لاتخاذ قرار صعب إما باللجوء إلى القمع أو بدء حملة أخرى لحشد القوات.

وبينما قال بوتين الذي لم تحمل ملامحه اي تعبيرات في اجتماع لمجلس الأمن الروسي إنه كان يتعين عليه تجنب أولئك الذين شملتهم العقوبات الأمريكية فإن الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال الذين استهدفوا بها قالوا إنهم سيضعونها شارة يفتخرون بها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آذار/2014 - 21/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م