حقيقة الانجازات بين التطبيق والشعارات

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتصور بعض القادة، أو بعض رجال الدين، أن اللجوء الى اسلوب إطلاق الشعارات، يعزز مكانتهم بين الناس، حتى لو كانت هذه الشعارات من قبيل الكلام او الاعلان فقط، وهو أمر لا يمكن أن يتم تمريره حتى على بسطاء الناس، لأن الشعار يرتبط بالفعل المطلوب او بالمنجز العملي المادي، وعندما لا يتم تطبيق الشعار المرفوع من لدن السياسي او رجل الدين الذي رفعه واعلنه، فإن الأسئلة والمساءلات سوف تنصب على من أطلق الشعار جزافا، من دون أن يهتم بمحتواه العملي، ومن دون أن يعبأ بتطلعات الشعب واحتياجاته.

من الواضح أن هذا الاسلوب يتم اكتشافه بسرعة من لدن الشعب، لان الفارق بين الشعار والتطبيق سرعان ما يكشفه الواقع، الامر الذي يسيء بصورة كبيرة الى سمعة من اطلق الشعار، سواء أكان رجل دين يحاول أن يتعامل بتغليب الدكتاتورية الدينية على المجتمع، أو رجل سياسة يحاول أن يخدع الشعب بكلمات ذات معنى لفظي كبير، لكنها لا تتحول الى فعل ملموس، لأن الهدف منها تحسين صورة شخص او حزب سياسي، او جهة دينية او منظمة ما، ولكن طالما ان الشعار لا يتحول الى واقع ملموس، فإن هذه السياسة سرعان ما تتحول الى الضد مما أريدَ منها او مما خُططت له.

إن مشكلة أصحاب الشعارات الفارغة تكمن في أنهم لا يعيرون أهمية لرد الفعل الشعبي ازاء ما يطلقون، لذلك تتعرض سمعتهم الى السوء، وينفضّ الناس من حولهم، وهذا سلوك طبيعي من لدن الناس كرد فعل، وهو نتيجة طبيعية لمن يتعامل ضمن سياسة (إطلاق الشعارات الفارغة)، فهو لابد أن يخسر سمعته نتيجة لهذا السلوك.

حول هذا الموضوع، يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (اذا قام الاسلام في العراق): (إذا فقد إمام الجماعة سمعته أو مرجع التقليد أو الخطيب أو المعلم أو التاجر أو الموظف أو… انفض الناس من حولهم فلايحضرون صلاته ولايقلدونه ولايجتمعون حول منبره ولا يفوّضون تعليم أولادهم إليه ولايتعاملون معه بل يعزلونه عن وظيفته وهكذا).

صوت الانجاز الفعلي

للعمل المادي الملموس صوته، فهو يعلن عن نفسه على الملأ، من خلال انجازه وتحول الخطط من افكار وكلمات الى مشاريع واعمال مادية مجسّدة على أرض الواقع، أما الشعارات الفارغة، فهي عبارة عن كلمات منمقة وذات معان كبيرة، لكنها تستخدم للدعاية الرنانة فقط، من اجل تحقيق هدف سياسي مخطط له مسبقا، كأن يكون قضية تتعلق بكسب اصوات الناخبين وما شابه، وغالبا ما يفشل هذا الاسلوب، ويعود على من يستخدمه بنتائج سلبية قد تقضي على مستقبله السياسي، لذلك لابد للسياسي، او حتى رجل الدين خاصة عندما يتعلق الامر بالسياسة، لابد أن يكون حذرا من اسلوب الشعار الفارغ، لان تأثيره سرعان ما ينتهي.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله، حول هذا الجانب في الكتاب المذكور نفسه: (إن التمسك بالشعار الفارغ وإن كان يتصور فائدته على مستوى السطح ولكنه يضر في العمق لأنه يصرف الأنظار والأفكار عن حقيقة العمل وعمقه إلى مجرد الكلام. وكذلك كونه وقتيا لا يستمر في تأثيره طول الخط).

في حين اذا ارتبط الشعار بالفعل، فإن النتائج غالبا ما تكون رائعة، والانجازات الفعلية تكون مؤثرة ومهمة، لسبب بسيط و واضح، أن الشعار عندما يتحول الى تطبيق مادي، فإنه يثبت حسن نية الشخصية السياسية او الدينية (فرد أو جماعة)، ويعمّق ثقة الجمهور به وبقيادته، على العكس ممن يعلن الشعار ولا يطبقه، لهذا فإن العمل هو صوت بحد ذاته يعلن عن المنجز من مضمون الشعار ويبيّن الشخصيات والافكار التي تقف خلفه.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (لقد كان شعار أحد الأحزاب الإسلامية: - إعمل ولا تتكلم- ولذلك نجح في إنقاذ بلاده من الاستعمار الذي دام أكثر من قرن).

لذلك لا يصح لرجل الدين او رجل السياسة أن يختبئ خلف الشعارات الرنانة، من دون فعل منجز يطبق مضمون تلك الشعارات، ولابد من الابتعاد عن السطحية في هذا الجانب.

كما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي، إذ يقول حول هذا الجانب: (إن بعض السطحيين ينظرون إلى الشعار ويتمسكون به، ويتركون العمل به ولكن العقلاء لا ينظرون إلا إلى العمل المدروس حسب الفكر المنطقي).

الشعار والمبالغة الكبيرة

تشير الوقائع فيما يتعلق برفع الشعارات، الى ان مضامين الشعار غالبا ما تفوق الواقع بكثير، بمعنى أن مضمون الشعار، يطرح الكثير من التطلعات، ويعد الناس او الجمهور، أو الناخبين بالكثير من المنجزات، ولكن حتى في حالة تطبيق الشعار ومضمونه، فإن المنجز فعليا من ذلك الشعار، قليل قياسا لما يطرحه مضمون الشعار، من وعود ومنجزات وما شابه، وهذا الفرق بين المعلن في الشعار، والمتحقق منه على الارض، يصب في خلخلة الثقة بين الشعب وقادته الدينيين او السياسيين عموما ممن يعتمدون سياسة إطلاق الشعار.

كما يؤكد الامام الشيرازي عندما يقول في كتابه نفسه حول هذا الموضوع: (إن الشعار غالبا ما يكون فيه مبالغة أكثر من الواقع الموجود مما يؤدي إلى الإضرار بالواقع بسبب مبالغة الشعار، فإذا قلت للناس على سبيل المثال: إن لك مائة مؤسسة والحال أن لك تسعين، فسيشككون في حقيقة عملك وينفون حتى التسعين أيضا .أما إذا لم تقل شيئا وركزت جهودك على عملك وأدائه على أحسن وجه، ظنوا بك خيرا وكبر عملك في أعينهم، فالعامل المجد الصامت يظن الناس به فوق حقه، بينما المكثر في الكلام يظن الناس به دون حقه، ويشكون في أصل عمله حتى لو كان عاملا).

هكذا يمكن بناء الدولة والمجتمع، وفق رؤية تحقق التوافق والتوازن، بين ما يتم اعلانه من شعارات ومضامين ومشاريع، وبين ما يتم تطبيقه منها في الواقع المادي الفعلي، فيتحقق عنصر الثقة بالقائد السياسي والديني، بعيدا عن الدكتاتورية الدينية او السياسية، وبعيدا عن اسلوب طرح الشعارات التي لا تتسق مع الفعل او المنجز الحقيقي.

مع اهمية ضمان هامش الحريات المدنية، وضمان حرية العمل والتفكير والتنقل والانتاج، بما يحقق قفزة مدنية، ضمن الضوابط المتفق عليها، إذ يؤكد الامام الشيرازي في هذا الصدد قائلا في كتابه المذكور نفسه: (على الدولة الإسلامية القائمة أن تطلق كافة الحريات للناس في كل الأبعاد ـ ضمن الإطار الإسلامي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آذار/2014 - 21/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م