لا أشكُّ في ان المشكلة السنوية التي تصاحب مشروع ميزانية الدولة
العراقية كل عام، هي مشكلة حقيقية، سببها الرئيسي، برأيي، هو غياب
الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية الحقيقية للبلد.
اما السبب المباشر لهذه الأزمة، فهو غياب القانون الذي ينظم قضية
التخطيط والتحكم وتصدير وتوزيع عائدات النفط في البلاد، والذي نص عليه
الدستور في الباب الرابع، المادة (١١١) بما يلي: (النفط والغاز هو ملك
كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) على اعتبار ان النفط
اليوم هو اهم سبب لهذا الخلاف.
اما المسؤول عن أزمة الميزانية، فهم كما يلي:
اولا: الحكومة العراقية التي لم تتقدم بمشروع قانون النفط والغاز
الى مجلس النواب لحد الان، لتشريعه.
ثانيا: تأخر مجلس النواب في المصادقة على الميزانية، لانه ينتظر ان
يمررها بالتوافق، وهذه ليست من مسؤولياته او صلاحياته، فالتوافق لا يتم
في البرلمان وإنما في الحكومة، اما في مجلس النواب، فينبغي عليه ان
يمرر التشريعات في إطار اللوائح والقوانين التي يعمل بها نظامه، فلماذا
يعطل البرلمان قانونه الداخلي الذي ينص على ان القوانين يتم المصادقة
عليها بأغلبية الأصوات؟ لماذا ينتظر، في كل مرة، ليمررها بالتوافق؟.
ليس هناك اي نص في قوانين مجلس النواب يحتم عليه تمرير تشريعاته
بالتوافق، وهنا مكمن الخطأ، بل الجريمة، فلابد له ان يقدم مصالح عامة
الشعب على مصالح الكتل، مهما كانت.
ثالثا: اما السبب الثالث وراء هذه المشكلة، فهو (الحكومة المركزية
زائدا حكومة الإقليم) اي انها مسؤولية تشاركية، فهم لا يُصْدقوننا
القول كلما اجتمعوا وتحاوروا وتحدثوا في المشاكل العالقة بين بغداد
واربيل، وكلها متعلقة بموضوع النفط، فهو الذي يعرقل إقرار الميزانية.
لا نسمع منهم الا الكلام المعسول والايجابي، وعندما يجدّ الجد تطفح
الى السطح كل المشاكل، وكأنهم لم يجتمعوا ولم يتفقوا.
الم يصرح، مؤخراً، المسؤولون في بغداد وأربيل بانهم اتفقوا على كل
شيء، وأنهم توصلوا الى حلول لكل المشاكل العالقة؟ فلماذا لم تمرر
الميزانية إذن؟ دعوا العراقيين يطلعوا على ما اتفقتم عليه، ليحكموا على
ايٍّ منكم يتحمل سبب تأخير إقرار الميزانية، الى متى تتكلمون بالالغاز؟
الى متى تضللون الرأي العام؟ الى متى تتحكمون
بمصير الشعب؟ الى متى يظل مصير البلاد رهن خلافاتكم التي نسمع عنها
من دون ان نعرف لماذا؟ وكيف؟.
اما عن سبب احباط الشعب العراقي من البرلمان، فلأنه يراه يهرول
لتشريع القوانين اذا كانت تصب في مصلحة الأعضاء بشكل مباشر، ولكنه
يسوّف ويؤخّر ولا يهتم كثيرا ويظل يتصارع فيما بين كتله اذا كان
التشريع يصب في مصلحة الناس.
نعم، اليوم الكل يتحدث عن التغيير الذي يجب ان نشهده كنتيجة لعملية
الاقتراع التي ستجري نهاية الشهر القادم، حزيران، والمقصود به تغيير
التركيبة الاساسية لمجلس النواب القادم بما يحقق تغيير الحكومة القادمة
من القواعد.
بالنسبة للبرلمان، فالمؤمل ان تتغير تركيبته من خلال التصويت
لمرشحين يمتلكون قوة في الشخصية وشجاعة في الرأي، لنقلل من سطوة زعماء
الكتل، لننتقل بعملية مناقشة التشريعات من الغرف المظلمة التي يسيطر
عليها ثلة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، الى تحت قبة البرلمان،
لنقضي على ظاهرة الدفع باتجاه التوافق في البرلمان الى التصويت حسب
القوانين المرعية في النظام الداخلي للمجلس، واقصد به الأغلبية، ما
سيحل الكثير من المشاكل ويسهل من عمل البرلمان لدرجة كبيرة.
اما بالنسبة للحكومة، فالمؤمل ان تنتج الانتخابات النيابية القادمة
مجلسا تكون فيه الأغلبية المريحة لكتلة جديدة قادرة على تشكيل حكومة
تبتعد عن المحاصصة وتبتعد عن الشراكة (التعسّفية) قدر الإمكان، لنضمن
وجود معارضة برلمانية، ما يفعّل الدور الرقابي لمجلس النواب، والذي
سيساهم بدوره في التقليل من الفساد المالي والإداري، وكذلك يفعّل دوره
في التصويت وتشكيل والإشراف على الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة، وهي
من صلب مسؤولياته الدستورية، وهو الامر الذي لا وجود له الان البتة،
والذي يعد انتهاكا دستوريا خطيرا.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن
[email protected] |