الهامش والهامشي والمهمش!

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يخلو اي مجتمع، ولا تخلو اي ثقافة، من ثنائيتين وسمتا مسيرهما، وهما المركز والهامش.

فهناك حضارة المركز مقابل حضارة الهامش، وثقافة المركز مقابل ثقافة الهامش، والتاريخ الرسمي، مقابل التاريخ الشعبي، والادب الرسمي المتعالي، مقابل الادب الشعبي المتسافل.

كثيرا ما عد المركز، هو القوي، المسيطر، المنتج، المبدع، في مقابل الهامش، الضعيف، الخاضع، المستهلك، الخامل، والذي يدور في فلك هذا المركز.

كل علاقة مثل هذه العلاقة، هي نتاج للتوتر ومنتجة له في الوقت نفسه.

عربيا واسلاميا، سادت ثقافة المركز ومدوناته في التاريخ والادب، فلا تاريخ يعلو على التواريخ التي دونها البلاط الحاكم في ربوع تلك البلدان، ولا ادب يحتفى به الا الادب الذي نشأ في ظل الحكام والخلفاء.

بمقدار وجود هذه التواريخ والاداب الرسمية، وجدت التواريخ والاداب الشعبية الهامشية، وبمقدار ابتعاد الاولى عن صراخ واحتجاج المحكومين، احتفت الثانية بصراخهم واحتجاجاتهم.

ربما محاولة اخفاء الورم أو المرض، ومحاولة عدم الافصاح عن المسكوت عنه، هي التي ادت التى اقصاء وابعاد كل هامشي ومهمش عن واجهة المشهد، والذي يراد له ان يكون نقيا وباهرا، امام الاخرين، وبالتالي هو لا يحفل بكل ما من شانه، ان يلطخ هذا النقاء او يعتّم على هذا الابهار.

 لم يقتصر الامر عند حدود السياسة او الثقافة، بل انسحب ايضا الى ميدان الاجتماع، واصبح الهامش والمهمش، فئة اجتماعية تشتمل بعد اتساعها على (سكان الاطراف في المدن، والغجر، والمتشردين، والمتسولين، والباعة الجائلين)  وغير ذلك من فئات تميزت بخصائص لافتة للنظر، ذات دلالة اجتماعية خاصة داخل النسق الاجتماعي – أو خارجه – واحتلت مكانة هامشية في حياة المجتمع، إذ نبذت طبقياً من الجماعات الأخرى أعلى السلم الاجتماعي.

وحتى في اللغة، اقتصر تعريف الهامش، على مايلحق من اضافات او زيادات على حاشية الكتاب، توضيحا او شرحا لبعض ما يصعب فهمه في المتن، وهو النص، او المركز من الكتاب.

قبل ان تنتبه اللغة وتقدم تعريفا جديدا وان على مضض للهامش والمهمش، فاصبح له دلالة الاهمال، أو ترك الامور جانبا، أو عدم اعطائه اي اهمية، هامشيّ السَّويّة، أو هو كل خارج عن نطاق الحالة الطّبيعيّة، أو هو من يعيش على الهامش غير مندمج في المجتمع، مهمل، منعزل.

في الثقافة العربية المعاصرة، غالبا ما ينظر إلى الشخصية الهامشية من زاوية نظر سوسيولوجية ضيقة، لا ترى فيها سوى وجه الضحية البائس الذي يدفع غاليا ثمن التوجّهات الاقتصادية والاجتماعية التي تخدم مصلحة أقلية ما على حساب الأكثرية، مهما كانت صفة هذا التوجّه الإيديولوجية. وعلى ما تدّعيه هذه النظرة في تعبيراتها الفكرية والسياسية والثقافية من تعاطف مع هذه الفئات إلا أنّ نظرتها الفوقية تحبسها في ثنائية المركز /الهامش، الأعلى /الأسفل، المحظوظ /المسكين. وهي نظرة تحمل مشاعر العطف والتضامن (الإنسانوية)، ولكنّها إيديولوجيا وثقافيا تعيد إنتاج المراتبية الاجتماعية السائدة، وتؤبّدها بما تقدّمه من أعمال، ترسّخ الرؤية القدرية الطبقية للمجتمع، باعتبارها سنّة اللّه في خلقه. اقتصرت عبارة (الانسان الهامشي) اول ظهورها في العام 1928 على يد عالم الإجتماع روبار بارك  على الإقتصاد، ومن خلال نظرية (القيمة التبادلية) أخذت مكانة في الأدب العلمي.

في حين فضلت العلوم الإجتماعية طويلا مفاهيم أخرى من قبل الفقر، الأقلية، المنحرف والمقصيّ والمختلف، عبارات متعددة تغطي بطريقة مختلطة ظواهر اجتماعية واقتصادية وحتى مكانية (تتميز بالإقصاء والتهميش وكأن كل مجتمع ينتهي بطبعه إلى إنتاج مهمشيه ومنبوذيه وغرباءه. ففي كل زمان و مكان هناك أفراد يعيشون على هامش المجتمع في مواجهة مع الرأي العام والثقافة الشعبية والتقاليد الإجتماعية، فقد وضعوا بعيدا وتمت إزاحتهم من الدائرة الإجتماعية لأن حضورهم ينظر له على كونه تهديدا للجسم الإجتماعي فعندها يمكن أن يتخذ التهميش بعدا تراجيديا و يصير هذا الإنسان المبعد (آخر هامشي).

الانسان الهامشي هو كل شخص ينسحب من المجموعة التي ينتمي إليها سواء بفعل إختياره أم مجبرا على ذلك. وعادة ما نتحدث عن الانسان الهامشي كشخص يعيش على حافة المجتمع أو هامشه أو حتى خارجه، إذ أن الهامشي يمكن أن يكون هامشي داخل المجتمع الذي يعيش فيه أو خارج حدود هذا المجتمع، فالعيش على هامش المجتمع يمكن أن تشمل العيش بعيدا مع أشباهه في شبه عزلة مادية ومكانية وجغرافية أو بمعنى العيش خارج المعايير بمعنى رفض الخضوع والإمتثال لأخلاقيات و قوانين الحياة المشتركة والذي قد تنتج عنه عزلة أخلاقية وثقافية وإيديولوجية بل قد تشتدّ هامشيته لتتحول إلى شكل من العزلة النفسية القاسية ذلك الجانب المظلم من الوحدة، أن تكون دون الآخرين عندما يكون هؤلاء الآخرون الذين يضيئون كل وعينا يقومون باختزالنا إلى حدّ التألم دون انقطاع عن القلق وطول الإنتظار، فهو لا يتصل سوى بغياب الآخرين ولا يستطيع العيش إلا كانتظار مؤلم لحضورهم.

الابعاد القسري او الاختياري للانسان الهامشي، يفرض نوعا من العقوبات التي يتواطأ عليها المجتمع تجاهه، أو التي تأتي طوعا وتجعله يمارسها ضد نفسه، مثل:

الوحدة: حيث يعيش الهامشي (وضعية تتمثل في خاصية الشخص المنفصل عقليا و جسديا عن أشباهه)، يكون الإنفصال جسديا حين تمنع عناصر بيئية الفرد على أن يكون في تواصل مع الآخرين. وعقليا عندما لا يتواصل الأول(أي الفرد) مع الثاني (أي الآخرين) حتى في حالة حضوره

الإغتراب: وله معنى مشترك بالنسبة لأغلبية المفكرين الذين استعملوه بمعنى فكرة الخارجية، بمعنى المسافة بين الكائنات الإنسانية و الأشياء. والخارجية يمكن أن تأخذ شكلين: بمعنى الفصل بين الكائنات و الأشياء أو بمعنى سلب الكائنات. الكائن المسلوب عن ذاته، يصبح غريبا سواء بالنسبة لشخصه الخاص أو بالنسبة للآخرين.

العزلة الإجتماعية: الحالة الموضوعية التي يوجد فيها من تم فصله عن محيطه وعن المجتمع، فالعزلة الاجتماعية هي إذن شكل آخر من الهامشية والوحدة والإغتراب. هذا النوع من العزلة التي تصيب الآخر الهامشي تعزى في الغالب إلى شعور الوحدة. حيث ينتاب الفرد شعور بالألم وبالحرمان من العلاقات الإجتماعية.

لا شك ان الآخر الهامشي حين يفرض عليه مجتمعه هذه الأنواع المختلفة من التهميش والإقصاء والنفي والإستيلاب والوحدة والعزلة فذلك تعود بالأساس لكون هذا الآخر يرفض التأقلم مع منظومة المعايير التي يكونها المجتمع لنفسه سواء المملاة من قبل القوانين أو سواء كانت نتيجة توافق المجتمع حول مجموعة من المعتقدات والأحكام المسبقة حيث تمنحها القوانين مصادقتها الشكلية وحيث يتم نقلها إلى الأطفال بفعل التربية منذ الطفولة لتساعده على التواصل مع الآخرين وتطمح إلى الحد من نرجسيته وحريته اللامحدودة بطريقة تجعل هذه الحرية قابلة للحياة ويصير هو مقبولا من قبل المجموعة التي ينتمي إليها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/آذار/2014 - 19/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م