عفوا.. الوطن ليس للجميع!!

علي ال غراش

 

نشرت جريدة الوطن في عدد يوم 20/3/2014 استفتاء عن ندوة عقدت في حائل تحت عنوان " وطن خالي من التمييز" ان 57% من المواطنين يشعرون بالتمييز دائما و19% أحيانا، المجموع 76% من الشعب يشعر بالتمييز في بلادهم !!.

لماذا يشعر أغلبية المواطنين إن الوطن لا يتسع للجميع رغم مساحته الشاسعة، ولماذا لم يجد الملايين من المواطنين على الاحترام والحياة الكريمة بالحصول على الحقوق الوطنية من وظيفة ومسكن في أحياء تتمتع بالبنية التحتية والخدمات رغم الثروة الوطنية الضخمة، ولماذا ضاق الخناق على صدور المواطنين من عدم القدرة على البوح والتعبير عن الطموح والأمنيات ومنها أن يتسع الوطن للجميع؟.

أين الوطن الذي يتسع للجميع؟

الوطن كأرض ومساحة بريء من تهمة التسبب في الضيق، فالوطن مساحته شاسعة نحو 2.250.000 مليون كم مربع، وأرضه طيبة معطاءة لم تبخل بالمعادن وما هو غالي وثمين وبفضل ذلك يحصل الوطن على ارادات عالية جدا، في ظل عدد السكان القليل نحو 19 مليون مواطن، ولكن للأسف الشديد أغلب الأراضي قد منحت لأشخاص محددين وتم التشبيك..، بحيث نحو 80 بالمئة من المواطنين لا يملكون مترا لإقامة سكن ملك!!. ومئات المليارات من الميزانية لا تصل للمواطنين!!.

وطن تفتقد أغلب مدنه والقرى للبنية التحتيية رغم مرور عقود من السنين، ووضع ميزانيات ضخمة لمشاريع لا تنفذ على الأرض!.

وطن توزع المناصب بل الوظائف على فئات وعوائل محددة وكأن الوطن لفئات محددة وليس للجميع!.

وطن يتعامل مع كل من يطالب بالإصلاح وتطبيق العدالة ومحاربة الفساد ويرفع صوته بالمطالبة بالحقوق بأنه عدو وخائن ومجرم وعميل وتشغل المكائن الإعلامية لتشويه صورته!.

وطن.. المواطنون فيه من المسلمين - أي دينهم الإسلام ونبيهم محمد (ص) وقبلتهم الكعبة وكتابهم القرآن.. -، وطن يحتضن أهم المقدسات الإسلامية..، ولكن مدرسة دينية محددة تمثل الوطن، بينما تهمش بقية المدارس الدينية وعدم استيعابها تحت مظلة الوطن، والإساءة لتلك المدارس في المناهج الدراسية، بل تحول الإختلاف المذهبي والفقهي واختلاف وجهات النظر إلى عداء وحروب وتصفية : سنة وشيعة وسلفية وإسماعيلية وزيدية وسروررية وأخوانية وشافعية وحنبلية ومالكية وحنفية وصوفية وليبرالي وعلماني ومتشدد وتكفيري.. أي عجز الوطن عن استيعاب جميع المواطنين باسم الدين لفرض واقع وطني "الوطنية" ليتسع الوطن للجميع.

المواطنون ينحدرون من أصول عربية أصيلة ووجودهم قبل تأسيس الدولة الحديثة، إلا إن البعض مصر على أنه الوحيد الذي يمثل الأصالة العربية والثقافة الأصيلة للوطن، بالتمييز نما الحس القبلي والمناطقي على حساب الحس الوطني ومن خلال ذلك يشعر نحو 76 % بالتمييز كما جاء في الاستفتاء!!.

... أين الوطن الذي يتسع للجميع؟

لماذا ضاق الوطن على الجميع!!.

من المسؤول عن الضيق والمضايقة في الوطن على الجميع؟.

المسؤول عن عدم إتساع الوطن للجميع يعود لأسلوب الجهات المسؤولة عن إدارة الوطن طوال العقود الماضية التي خلقت وطنا ضيقا لا يتسع للجميع، جهات أرادت أن تفصل الوطن حسب ما تؤمن هي بها فقط كفئة، وحاولت أن تفرض ذلك على الجميع فضاق الوطن بالجميع وبالخصوص على أصحاب التوجهات الوطنية الصادقة والنشاط الحقوقي التي تخالف توجهات مدرسة السلطة.

وتم من خلال ذلك تكريس حالة الانفراد بالوطن لفئة محددة، وخنق روح وثقافة التعددية والتنوع والاختلاف، وفشلت الجهات المسؤولة في معالجة الخلاف والاختلاف عبر الحوار بعيدا عن الحل العسكري والأمني، وإدخال الوطن والمواطنين في نفق مظلم يمثل خطر على الجميع،.. والصمت الشعبي ساعد على ذلك.

وللاسف مع زيادة الشعور بالضيق وتأزم الأمور تبتكر أساليب جديدة وباسم القانون حيث ضاق الوطن أكثر وأكثر من خلال تلك القوانين الضيقة، فكل من ينتقد توجهات السلطة فهو خائن ومجرم وإرهابي حسب القانون، وكل من يطالب بحقوقه الوطنية فهو عميل، ومن يطالب بمحاربة الفساد المنتشر في دوائر السلطة ومحاكمة المفسدين ومستغلي السلطة ويدافع عن المعتقلين بسبب التعبير عن الرأي للمطالبة بحقوقه الوطنية فهو مشبوه ، فيتم ملاحقته - إلى درجة إستعمال الرصاص الذي لا يفرق بين المطلوب أو غيره فيسقط شهداء أعزاء - واعتقاله ومحاكمته.. والزج به في السجون الواسعة..، بينما الوطن لم يتسع للجميع.

متى يتسع الوطن للجميع؟

الوطن يتسع للجميع عندما يتعامل القائمون على الوطن بالعقل والتعقل والرشد والحكمة واحترام الرأي والرأي الاخر، ويؤمنون ان الوطن ملك لجميع المواطنين، وان كل مواطن شريك في الوطن وهو أغلى وأعز ما في الوطن.

فالمواطن هو الذي يختار الدستور - المنبثق من الشعب مباشرة ويحدد صلاحيات السلطات والحقوق والواجبات، دستور يعطي حرية الرأي وإنتقاد السلطة وفضح الفساد والتقصير، بل يجب احترام تلك الجهة التي تمارس حقها الوطني لتعمل بجانب السلطة لخدمة الوطن عبر النقد والبحث وتوثيق فساد وتقصير السلطة في أدائها.

والإيمان بالتعددية والتنوع الإجتماعي وحمايته، وتخصيص المنابر الإعلامية المتنوعة لكافة التيارات الوطنية التي تمثل طيف التنوع الوطني والسماح لها بالتعبير عن أرائها، واحترام المدارس الفكرية المختلفة، والسماح للكتب الدخول والانتشار في الوطن، وفتح المجال عبر مؤسسات الدولة لجميع الفئات الوطنية للعمل بالتساوي، وتوزيع الثروة الوطنية على كافة المواطنين بالتساوي.

هل الوطن سيتسع للجميع بشكل عملي أمَ العكس، امَ يحتاج الوطن لخوض المزيد من التجارب الفاشلة عشرات من السنين وتعريض الوطن واللحمة الوطنية للخطر ليتسع للجميع؟.

كان الله في عونك يا وطني الغالي.. ونعم لوطن يتسع للجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/آذار/2014 - 19/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م