التبليغ صناعة للإنسان وطريق للانقاذ

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يُقصَد بالتبليغ توصيل حزمة من المبادئ والتعاليم، الدينية، أو الفكرية، الى جماعة أو وسط اجتماعي، هو بحاجة الى مضمون تلك المبادئ، كونه غير مطّلع أو غير عارف بالقضايا الاساسية التي تتعلق بالشرع والتعاليم الدينية وغيرها، إذ ليس هناك ما يمنع المبلّغ أو الخطيب أو العالِم، من تقديم المعلومات والافكار التي تهدف الى بناء شخصية الانسان، وتسعى الى زرع بذور الايمان في نفسه، وتعمل على تطوير وعي الانسان، بما يجعله مؤمنا فاعلا، ومنتجا واعيا في وقت واحد.

وبذلك فإن الهدف من التبليغ كما يتضح لنا، يكمن في رفع مستوى وعي الناس، وثقافتهم، وأفكارهم، ومعلوماتهم الشرعية والسياسية والمدنية وغيرها، بما يجعل الانسان محصَّنا من الوقوع في الزلل، أو عرضة للانتهاك فيما يتعلق بالحقوق السياسية والحريات المتَّفق عليها، فضلا عن بناء شخصية الانسان وتفعيل أفكاره وحتى أفعاله، بالاسلوب أو بالطريقة التي تتيح له فرصا كبيرة للنجاح، في شقَّيْه المادي والمعنوي.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، على الاهمية القصوى للتبليغ، كونه الطريقة الاساسية التي يمكن من خلالها هداية الانسان، وحمايته من الانحراف والانجراف في موجات فكرية وافدة أو دخيلة، قد تجعل منه عنصر شر يضر بنفسه والمجتمع في الوقت نفسه، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، كما ورد في كتاب (من عبق المرجعة) على: (أنَّ للتبليغ أهمية كبرى وتأثيرا عظيما).

وتأتي هذه الاهمية مما يقدمه المبلّغ للناس، من وعي وتثقيف ومعلومات في مجالات متعددة، تجعل الانسان عارفا بما يدور حوله، وفاهما لوجوده، ومتفهما للغاية التي جاء من اجلها الى الحياة، وللتبليغ قدرة كبيرة على الحد من حالات اليأس، والانحدار في مهاوي الرذيلة والمعصية، لان الانسان عندما يجهل الهدف من وجوده، سوف يضيع وينحرف، بل يكون اكثر استعدادا من غيره، للولوج في عالم الشر والرذائل.

شرف مهمة التبليغ

من هنا يستحق المبلّغ درجة عالية من التكريم، وينال مكانة متميزة يستحقها في المجتمع، وعند الله سبحانه وتعالى، والسبب انه يسعى الى انقاذ الناس، غير الواعين من السقوط في براثن الانحراف، وهو بذلك يسعى الى المساهمة في صناعة انسان ومجتمع متطور، مؤمن، يعرف ويفهم الغاية من وجوده، ويتعامل مع الحياة، على هذا الاساس، فمن يحصل على التبليغ والمعلومات الدقيقة الواضحة، في مجالات العلم، والدين، والشريعة، والثقافة، والفكر بشكل عام، يعرف كيف يتعامل مع الاخرين، ومع الظروف المحيطة به، فيكون عنصر خير في بناء الحياة، ومساندة الانسانية في التقدم الى امام، لذلك تعد مهمة التبليغ، من أشرف المهام، كما يؤكد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي، قائلا بهذا الخصوص في الكتاب المذكور نفسه:

(لا شك أن اشرف مهمة في الدنيا هي مهمة التبليغ، لأنها مهمة الانبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلفهم، وهم اشرف المخلوقات، بمهمة أخرى سوى التبليغ).

إن المبلّغ لا يمكن أن يتبوَّأ هذه المرتبة، ولا يتم تكليفه بهذه المهمة، إلا بعد أن يتم إعداده إعدادا جيدا، لهذا الهدف المهم، فهو يجدّ ويتعب ويشقى في تحصيل العلم الديني، والثقافة الموسوعية، ويسهر الليالي، ويدرس كثيرا في الحوزات العلمية، ويواظب على الدراسة، واستقصاء المعلومات المتنوعة التي تؤهله للقيام بمهمة التبليغ، بعد ذلك ينطلق في ارض الله، ساعيا الى زرع بذور المعرفة والوعي، في نفوس وقلوب الناس، بصورة مدروسة ومخطط لها.

من هنا يخاطب سماحة المرجع الشيرازي المبلّغين، قائلا في هذا المجال: (ليعلم الاخوة الذين ينطلقون للتبليغ، والارشاد وهداية الناس، في القرى والأرياف والمدن والبلاد الاخرى، أن الهدف والغاية الاسمى من دراستهم، ومن كل ما تلقوه من علوم دينية في الحوزات، هو التبليغ).

ولا يتحدد دور المبلّغ في مكان معيّن، أو جماعة معينة من البشر، إن دوره يعني الجميع، وصوته ملكا للجميع، في الارض كلها والناس كلهم، بما يعمّق مبادئ الاسلام السماح وحب الانسان ونشر روح التسامح والكف عن الاحقاد والضغينة، ونشر روح السلم بين الناس، بمعنى لا ينحصر دور المبلغ في حدود أرضية او بشرية معينة، حتى تكون النتيجة شاملة، والفائدة أعم وأشمل، لأن الذين يحتاجون الى الوعي والتثقيف والارشاد كثيرون، وهم يتوزعون في ارض الله الواسعة، لذلك ينبغي أن يصل صوت التبليغ، والايمان، والثقافة الفكرية والدينية، الى ابعد نقطة ممكنة، والى أوسع وسط بشري ممكن.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب في الكتاب نفسه: (ما دام المبلّغ لا يدري أية تربة ستثمر فيها الكلمة الطيبة أكثر، إذن عليه أن يسعى ليبذر الكلمة الطيبة، في كل مكان ومع كل انسان).

أهمية الخطيب والواعظ

من المتفق عليه بين الجميع، أن الخطيب له مكانة كبيرة بين المجتمع، وهذا التمييز في المكانة والاحترام والتقييم الجيد، لا يعني التعالي او التكبّر او الحصول على امتيازات مادية، مقابل الدور الارشادي الذي يقوم به، بل تميّزه ومكانته الكبيرة تأتي من الدور الكبير الذي يضطلع به، وهو دور توعية الناس الغافلين، أو الذين لم تتوفر لهم فرصة الاطلاع على العلوم الدينية، أو الامور التي تتعلق بالثقافة والفكر والمعرفة، من هنا يبقى دور الخطيب والواعظ كبيرا، ومتميزا بحق، كما انه لا يخص فئة دون غيرها، فالخطيب العالِم لا يصح أن يحصر تعامله مع المثقفين وحدهم مثلا، أو مع الذين يستوعبون كلامه وخطابه اسرع من غيرهم، بل ينبغي أن يتعامل اولا مع من يحتاجون لعلمه وثقافته، لكي يصبحوا اكثر وعيا بالحياة واكثر فهما لها.

من هنا يوجِّه سماحة المرجع الشيرازي المبلّغين بصورة مباشرة، قائلا لهم: (على المبلغ ان لا يقصر تبليغه على فئة معينة من الناس، كالمثقفين مثلا دون غيرهم، بل عليه ان ينزل الى كل فئات المجتمع وطبقاته).

كذلك هناك قيمة معنوية كبيرة للمبلّغ، كونه يتصدى لمهمة كبيرة، بل غاية في الاهمية، وهي مهمة تثقيف الناس وزيادة وعيهم، وتقديم المعلومات الكثيرة التي يحتاجونها، في حياتهم اليومية المتواصلة، بما يجعلهم اكثر قدرة على تحاشي الوقوع في الزلل، من هنا ينظر الناس الى المبلّغ (الخطيب/ الواعظ)، بعين الاحترام والإكبار، امتنانا منهم لدوره في تقدم الارشاد اللازم لمن يحتاجه من الناس.

لذلك، ونظرا لأهمية المبلِّغ الكبيرة، فإن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، يوجِّه كلامه مباشرة الى الخطيب أو الواعظ (المبلّغ)، قائلا له حول أهمية دوره: (إنك أيها المبلّغ والواعظ، وإن كنت فردا في وجودك الخارجي، لكنك لست كذلك في العمل، لأن هناك من يعتبرونك مرشدا وهاديا، وهم يقتدون بأفعالك سواء كنت خطيبا أم عالما).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/آذار/2014 - 17/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م