لم يُحدِث اي من تطبيقات التواصل الاجتماعي بل وحتى الانترنت ضجة؛
كالتي احدثها فيسبوك على مستوى العالم عموما والعربي خصوصا منذ اختراعه
من قبل المبرمج الاميركي مارك زوكربيرغ.. والى يومنا هذا.
فأول الجدل جاء من اعتباره تطبيقا الكترونيا ينقل معلومات حساسة
ودقيقة عن مشتركيه الى وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه)، وبان
اكثر من مليار شخص تم نقل بياناتهم الشخصية الى سجلات تلك الوكالة.
وان كانت هذه المعلومات لا تخلو من صحة الا ان عملية التسجيل في
الموقع اليوم تعتمد على الشخص ومدى المعلومات التي يرغب بتقديمها لغرض
التسجيل، وان مسألة الالتفاف على ذلك ليست بالمهمة الصعبة.. ناهيك عن
الأبعاد الدعائية والتجارية بعد تحول فيسبوك الى شركة مساهمة تسعى الى
زيادة عدد المشتركين لتعزيز سهم فيسبوك في البورصة والذي زاد من وتيرة
وسهولة عمليات التسجيل بالأسماء المستعارة وعناوين البريد الجديدة
ولأكثر من مرة للمستخدم الواحد.
واذا كان تصور الكثيرين لا يزال ينصب على ضرورة التعاطي مع الموقع
والاشتراك به على نطاق واسع خصوصا بعد احداث الربيع العربي؛ التي
انطلقت بداية عبر مبادرات شبابية من بوابة التواصل الاجتماعي ومن تطبيق
الفيسبوك بالذات؛ وما احدثته تلك الثورات من تغييرات في أنظمة
دكتاتورية عشعشت في العقل الجمعي العربي حتى اصبح حلم إسقاطها بعيد
المنال لأجيال عاصرتها لعقود.
لكن مبادرات شباب الفيسبوك اطلقت العنان لقوى ذاتية كانت مكتومة
داخل الجسد العربي، فأحدثت ثورات زلزلت عروش الطغاة واسقطتها الى غير
رجعة.
وعلى الرغم من فشل اغلب تلك الثورات ودموية الأخريات؛ الا ان الفضل
لا يزال للفيسبوك في اطلاق شرارة التغيير السياسي في البلدان العربية.
والسؤال: هل عجز العقل السياسي العربي عن تحريك الجماهير من اجل
التغيير؟ ام ان ساعة التغيير قد حانت مع هرم الأنظمة العربية وضعفها
ولم يكن الفيسبوك سوى عود الثقاب المشتعل بالقرب من نضوح في برميل وقود؟
وماذا بعد السياسة هل توقف رواد الفيسبوك ام عادوا ليكملوا مشواره
التغييري في جوانب اخرى من حياة تلك الشعوب؟
ومع الاعجاب الكبير بالإيجابيات التي توفرها تقنيات الموقع والاقبال
الواسع عليه، الا ان الاعتراض الذي يلفت الانتباه هو ما بدأ يتشكل
بظهور سيل المعلومات والأفكار التي تجتاح الموقع والصفحات الجديدة التي
أنشئت بعد شباط من عام 2011 والتي تحمل معتقدات جديدة تهدف للتغيير
الفكري والاجتماعي بصورة سريعة وغير مدروسة وعلى مستوى عال من الخطورة.
وبعد التغيير السياسي اتجهت الافكار الى احداث زلزال اجتماعي مشابه
للسياسي الذي حدث لكنه هذه المرة لن يسقط القادة والديكتاتوريين فقط بل
سيغرقنا جميعا بما حملنا من مفاهيم فكرية وعادات وتقاليد اجتماعية في
الفوضى الخلاقة المفترضة.
فعالم الفيسبوك الافتراضي بما يحويه من غروبات مغلقة ومفتوحة ومواقع
للكتب المجانية وصفحات الترفيه والتسلية والسياحة كان وما زال في معظمه
بوابة للترويج عن الأفكار الجديدة او المستوردة التي لا تلقى اغلبها
آذانا صاغية في المجتمعات الغربية ذاتها، بل اصبح الفيسبوك مجالا
لترويج ونشر الرذيلة بين الشباب والتواصل غير المشروع بين الجنسين
بعيدا عن رقابة الأهل وحكم الشرع وحتى القانون.
وبالرغم من اعطاء الموقع خاصية الابلاغ والحظر عن الصفحات الشخصية
والعامة التي تنتهك او تسيء او تدعو الى التمييز العرقي او التي تتجاوز
على الاديان والمعتقدات، الا انه اشترط على ذلك؛ تفوق عدد المعجبين
بالمواقع مع قلة مشتركيها ومشاركاتهم.
وهذا امر يستحيل انجازه لان اغلب هذه المواقع تستهوي الشباب وتدفعهم
للمساهمة فيها والدفاع عنها بقوة، بالاضافة الى ان هذا الامر لا يصلح
مع المواقع الاباحية او التي تتوسط العلاقة غير الشرعية بين الجنسين
مواقع الزواج طبعا.. بل الاباحية العلنية التي تشهد من الانتشار ما لا
يمكن حظرها او ايقافها لأني تابعت احد هذه المواقع في ايامه الاولى
وكان في كل يوم يلاقي اكثر من الف اعجاب علما انه وصلني من خلال اعلان
ممول من قبل الفيسبوك نفسه.
فما آن لنا ان نحذر ونُحذِر من عالم الفيسبوك الافتراضي لان خطورته
لا تكمن في نجاحه مرة في حياتنا بعملية التغيير السياسي، بل لانه قد
يصبح اداة فعالة لتدمير منظومة القيم والتقاليد والاخلاق في مجتمعاتنا. |