الإنسان.. من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

 

ان اول التغيير الى الصلاح او الفساد هو الانسان

"آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي"

 

شبكة النبأ: احد مبادئ الخلق الإلهية الرئيسية تدور حول التكريم، ومدار هذا التكريم هو الانسان، خلقة ووظيفة. الخلقة هي الصورة الاحسن من بين المخلوقات، والوظيفة هي الخلافة في الأرض، لا تقوم الخلافة الا على الأمانة اداءا وعملا. لا يتحقق اداؤها الا عبر تبادلها مع الاخرين من خلال العمل المشترك.

بمقدار صلاح العمل هو طريق نحو أداء تلك الأمانة، وبمقدار فساد ذلك العمل هو خيانة لها، وبالتالي، يقترن الصلاح او الفساد، بمدار التكريم وهو الانسان، صالحا كان أم فاسدا، والذي بدوره يحدد الشروع في عملية التغيير، وتحديد وجهته.

سكن همّ التغيير من حالة الجمود والركود الذي تعيشه مجتمعاتنا الإسلامية، هاجس ومشاعر وتفكير المرجع الديني الراحل الامام محمد الشيرازي (قدس سره)، في جميع كتاباته ومحاضراته، راسما دائرة هموم اكبر حول من يقوم بكسر هذا الجمود والركود وهو الانسان، مصدر كل انحطاط يعيشه في حياته، تبعا لانحطاط فكره، الموجب للتخلف،  كما عبر عن ذلك الامام الراحل: (ان اول ما يوجب التخلف هو الفكر المنحط، فان الانسان يسير حسب فكره).

ولا ينفصل الفكر عن حالات النفس الإنسانية، والتي هي (ميالة للدعة والهروب من المسؤولية، سريعة الرضا بالمستوى المتوافر، كثيرة التبرير للهفوات والتراجعات).

كل تغيير لا ينطلق الا من خلال الوعي والمعرفة، ولا يتحقق ذلك الا عبر ما يسميه الامام الشيرازي (الرشد) أي النضج والحكمة، لكن هذا العبور لحالة (الرشد) وامتلاك ادواته، لا يتم بيسر او سهولة، دون سعي أو مكابدة. يفصلها الامام الراحل بقوله: (لا يمكن للإنسان ان يدرك الرشد بالراحة، وانما بالسعي، والتعب، والجهد، وسلوك طرقه، والتي منها التدبر والتفكير الدائم في مختلف جوانب الحياة).

كل تغيير نحو الأفضل، وحسب الفهم الشيرازي، هو تجديد للحياة، التي لا يدخل في جوهرها جمود أو ركود أو خمول، فهي في حركة دائبة متجددة، ومصدر تجددها الدائم والمتواصل، ( يبدأ من نفس الانسان، فانه اذا لم يصلح الانسان نفسه، لا يمكنه اصلاح غيره من بني نوعه او المحيط المتعلق به).

التغيير والتجديد يقتضيان الحركة المستمرة، يترافق ذلك مع التعب والجهد الحثيث، عند كل خطوة نحو الامام، مع ما يصاحب ذلك من مشاكل قد تسبب الإحباط او تثبيط الهمة، لكنها في ما خبره الامام الراحل، بديهية عادية جدا، فمع كل خطوة مشكلة في الطريق يتعثر بها الانسان، قد تسقطه او تجعله يترنح ويفقد توازنه، الا انها لا يمكن ان تمنعه من مواصلة الحركة الى الامام واكمال مشواره. وهذا أيضا يرتبط بنفس الانسان أيضا، تصميما وعزما وقوة صبر واحتمال، لان (من يريد تجديد الحياة، لابد وان يلاقي في كل خطوة مشكلات، فاللازم عليه، التصميم والعزم وان يستمريء ما يلاقيه وان يصبر حتى تحل المشكلة وان يدفعها بالتي هي احسن وان يتحلى بالحلم)، كما يذكر ذلك في كتابه.

في مواضع أخرى من كتبه، يجدد الامام الشيرازي، انطلاقته وهذه المرة من الانسان الفرد الى المجتمع، والذي هو ذوات إنسانية متعددة، لا يكتمل التغيير والتجديد، ولا يجد مساحته العملية الاوسع الا من خلال هذا المجموع الكبير. ويؤشر لنقطة مهمة، من واقع خبرته بالإنسان والناس عموما، وهي أن (الناس لا يعملون الا ترغيبا وترهيبا). كما يرد ذلك في كتابه (نحو يقظة إسلامية).

الترغيب بفوائد التغيير وضرورته، والترهيب من حالة الجمود والركود، وما يتعلق بذلك من عدم أداء للامانة وخيانة لها، وما يترتب عليه من حساب امام الله سبحانه وتعالى عن عدم تحمل المسؤولية.

التغيير يقترن هذه المرة باليقظة، بعد اقترانها بالتجديد، وكل يقظة هي مغادرة لحالة النوم والسبات، برمزياته ودلالاته المعنوية، (المسلمون ناموا ثم جمدوا، وحيث ان الإسلام مبدأ حي، فلابد له من يقظة جديدة).

ايقاظ تلك المجتمعات من رقاد جمودها، بحاجة الى تلك الطليعة المتنورة والواعية، من (المفكرين والعاملين، الذين يحيون الإسلام من جديد، وذلك بكسر طوق الجمود، ولا يكون ذلك الا بالتكتل، والعمل الجاد، والتضحية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/آذار/2014 - 16/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م