شبكة النبأ: في عصرنا الراهن، أصبح
الاعلام أكثر تأثيرا من أي وقت مضى، في بلورة الرأي العام وتوجيهه في
المسارات المطلوبة، وصار الخطاب الاعلامي محركا للكثير من الاعتراضات،
او التوافقات السياسية والاجتماعية، لدرجة أن معظم الدول والحكومات،
أخذت تبذل ما في وسعها لتطوير المؤسسات الإعلامية بأنواعها المختلفة،
حتى يمكنها من الترويج لأهدافها وأفكارها تحديدا، فتضاعف الاهتمام
بالاعلام بدرجة أعلى، وبدأ الجميع يفهم تماما، ما يعنيه الاعلام من قوى
فاعلة ومؤثرة في جميع المجالات.
من وسائل الاعلام الاكثر تأثيرا في الوسط المستهدّف، إعلام الصورة
التي تقترن بالصوت، او ما يطلق عليه بالاعلام المرئي، ويُقصد به تحديدا،
الخطاب التثقيفي اللفظي والصوري الذي تبثه القنوات الفضائية، على
المشاهد والمستمع في وقت واحد، ومما يمكن تأشيره وملاحظته في هذا
المجال، تلك المسارات المتطرفة لبعض الفضائيات في خطابها الثقافي الذي
يتم بثه عبر برامجها ومضامينها، وأفكارها التي غالبا ما تأتي، خلافا
لمنهج الاسلام وتعاليمه الواضحة التي توجّه الجميع، بأهمية الاعتدال
والوسطية المقرونة بالتناغم والانسجام والتعايش، فالاسلام دين السلم
والسلام، وتعاليمه ومبادئه كلها تدعو للوئام، ونبذ الاحتراب بأشكاله
كافة، بغض النظر عن الاسباب التي تهدف الى اثارة الضغينة والاحقاد بين
الناس، في المجتمع الواحد، او بين الدول والمجتمعات.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق
الحسيني الشيرازي دام ظله، حول ما يدعو له الاسلام، وما تهدف إليه
تعاليمه، كما ورد ذلك في الكتاب الذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية): إن
(الاسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الامن والامان والسلم
والسلام في العالم، ويسعى في اطفاء نار الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع
فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل
المشجعة على المحبة والوئام).
هذا بالضبط ما نحتاجه في عالمنا اليوم، لاسيما اذا علمنا بأن
الاحتقان وصل الذروة بين القوى المتصارعة على مصالحها، وبين الجماعات
أيضا، بل ينسحب هذا على الافراد أيضا، حيث الفضائيات ذات الخطاب
المتطرف، تواصل نهجها في إثارة الفتن والمشاكل، من خلال خطابها الذي
يفتقر الى أدنى معايير الاعتدال، والمنطق السليم، خلافا لما دعا إليه
الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك هو خطاب يتنافى مع سيرة
أئمة أهل البيت الاطهار، وتوجيهاتهم التي تحث الجميع على أهمية نبذ
التطرف، ونشر المحبة والتقارب والتكافل، والتمسك بالاعتدال، وحماية
حقوق الاخر من الانتهاك او التجاوز.
لذلك يحتاج الامر الى نشر ثقافة التسامح، والتعايش والتنوع والقبول
بالمكون الآخر، وحماية الأقليات، واحترام ما تراه مناسبا لها من افكار
او عقائد، طالما انها لا تنتهك حريات الاخرين، ولا تتجاوز على حقوقهم
المعنوية والمادية، من هنا فإن الخطاب الذي تبثه القنوات الفضائية
المعنية بالمسلمين، ينبغي ان يكون خطابا معتدلا وبعيدا عن الاحقاد
والعنف بكل اشكاله.
كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، قائلا في هذا المجال: (يمكن مكافحة
العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح ان العنف نار
تحرق الكل ولا تستثني احدا، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية
والدينية، وتوفير الحرية للمجتمع). وبهذا فإن الاعلام المرئي المؤثر،
الذي تعتمده القنوات الفضائية، لابد أن يتشذّب ويعتدل ويتم تخليصه من
خطاب التطرف، حتى يكون مناسبا لبث المحبة والسلام، والحث على التعاون،
والتعايش باستقرار، وتطلع نحو غد افضل، يسمح للجميع بالعيش، ضمن الحقوق
المصانة والمحترمة، من لدن المكونات كافة بصورة متبادَلة.
على أن تكون مهمة الفضائيات، او الاعلام المرئي، واضحة الاهداف، من
خلال اعتمادها منهج الاعتدال، والوسطية في طرح الآراء المختلفة،
ومعالجة الاوضاع الشائكة، التي قد تثير الاحقاد والعداوات، بين الافراد
والمكونات التي تشترك في العيش في مدينة واحدة، او دولة واحدة، فلا
يجوز للقنوات الفضائية أن تثير الضغينة بين المسلمين، لان هذا النهج
يخالف مبادئ الاسلام بصورة صريحة، لا تقبل التبرير مهما كانت الاسباب
او الدوافع، فالأصل في الاسلام هو السلم والسلام والاحترام والتعايش،
والتزام كل القيم التي تصون كرامة الانسان، وتحميه من التجاوز، او
الاحتراب بكل أشكاله وصوره. |