تعودنا على أن نمارس الدفاع عن الحريات الصحفية والرد بقوة على أية
تهديدات محتملة يمكن ان تطال إعلاميين وصحفيين وقنوات فضائية وصحف
وإذاعات ووكالات أنباء وكانت السنوات العشر الأخيرة حافلة بالإنتهاكات
ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، وكنا مدافعين حقيقيين في هذا الميدان
ودفعنا ثمنا غاليا في هذا السبيل، وكنا نأمل من وسائل الإعلام المحلية
ان تقوم بدور فاعل في كشف الفساد ومواجهة العنف وتامين ثقافة مجتمعية
ملائمة لضرورات التغيير، ولم نكن نتصور أن تعمل بعض الغدارات لتحويل
وسائل الإعلام الى ميادين للتغطية على الفساد والمفسدين أو لتعمية
العيون وحجب الحقائق..
كنا نشرنا هنا منذ أيام موضوعا عن السرطان في واحدة من مدارس العراق
وبالتحديد شمال العاصمة بغداد وفي حي الشعب المعروف تحديدا، ووصفنا
الحال التي عليها المدرسة الثانوية التي تنتظم فيها المئات من الفتيات،
وعدد لابأس به من المدرسات اللاتي أصيب عدد منهن بالسرطان حيث توفيت
بعض المدرسات وطالبة وإبنة حارس المدرسة، ثم فوجئنا بإصابة طالبة بعد
نشر المقال، ثم فوجئنا بخبر آخر مؤلم كأنه مرض سرطان حيث أبلغنا بأن
مسؤولا في وزارة التربية العراقية وصل الى ثانوية عدن في حي الشعب
وتحدث الى الإدارة والمدرسات وتوعدهن حتى اضطرت المديرة الى التراجع عن
الموضوع، بينما يشير عدد من ذوي الضحايا الى ان موضوع السرطان يتفاعل
وقد إتصلت بمواطنين خدموا في الجيش العراقي وعبروا عن شكوك بوجود مواد
مشعة وأكدوا إن المدرسة الثانوية كان مستودعا لأسلحة الجيش العراقي
السابق في المكان.
قناة فضائية عراقية تعمل لحساب وزارة التربية زارت المكان، وكان
الهدف مغايرا للمتوقع، فالفريق الذي جاء للتصوير يبدو إنه مكلف من
مسؤولين بالتغطية على الموضوع ومنع إنتشاره، لكن وسائل إعلام اخرى أبدت
رغبة في التغطية الصحفية والكشف عن الخبايا. أصدقاء على الفيس، والهدف
مختلف وليس للتغطية بل لمنع المرض من الإنتشار، وفرق كبير بين منع
إنتشار المرض، ومنع إنتشار الخبر.
لم أكن أتوقع أن يستخدم الإعلام للتغطية على الحوادث وقضايا الفساد
والإرهاب مقابل إمتيازات ومصالح ضيقة او لإنتماء الوسيلة الإعلامية
لجهة مستفيدة !
السرطان يمكن أن يضرب في أنحاء من الجسد البشري لكنه قد يضرب في
انحاء اخرى غير الجسد فهو يمكن أن يضرب الضمير والروح والوجدان والعقل
ويحيلها الى ركام تتقاذفه الاوهام.
السرطان يضرب بغداد
بدأت القصة حين ظهرت حالات وفاة بمرض السرطان بين مدرسات وطالبات في
ثانوية عدن للبنات التي تقع شمال العاصمة بغداد (حي الشعب شارع الأسواق
المركزية). توفيت إبنة حارس المدرسة بمرض خبيث لم تجر معالجته، وظهر
إنه سرطان في الدم. بعد فترة توفيت إحدى المدرسات، وكانت الإصابة في (الثدي)
ثم توفيت طالبة بذات المرض.. جرى إعتصام في تلك الفترة حظي بتغطية من
قنوات فضائية عراقية.. بعض المدرسات اللاتي صرحن لتلكم القنوات حول
حالات الإصابة تعرضن لعقوبات بالنقل، وبإلفات نظر وووو. وتم تسجيلهن
غائبات في يوم الإعتصام مع عقوبة قطع راتب. حضر مسؤول كبير في حينه،
ووعد خيرا. تم نقل الثانوية بكاملها الى مبنى آخر للقيام بفحوص مختبرية
للتأكد من موضوعة تلك الإصابات... نقلت المدرسة الى مبنى قريب لمدة شهر،
تم بعدها إعادة الدوام في المبنى القديم محل الإصابة وظهر من تقرير
اللجان، إن الثانوية سليمة.. عوقبت المديرة بنقلها الى مدرسة ثانوية
أخرى بحجة عدم قدرتها على ضبط المدرسات المعتصمات. بعد نقل المديرة
السابقة نتيجة العقوبة، وعودة الدوام الى الإنتظام في المبنى الأول
ظهرت إصابة جديدة عند إحدى المدرسات.. ثم توفيت بعد أسابيع.. المصيبة
الكبرى ظهرت من أيام حين تم الكشف عن إصابة أربع مدرسات بالسرطان !..
معنى ذلك إن اللجنة التي قررت بخلو المدرسة من الإصابة لم تكن صادقة
في تقريرها، وربما تكون متواطئة، وقد تكون رضخت لبعض الأوامر من جهات
عليا بطمطمة القضية على غرار ماجرى في مسلسل الدمى الشهير (بوجي وطمطم)
ومثل فيه الراحل يونس شلبي، والراحلة خلال السنوات القادمة هالة فاخر.
حصل إعتصام جديد للمدرسات العاملات في الإعدادية حيث يبلغ عدد
الطالبات المئات، وكلهن عرضة للموت بالسرطان، بينما أصيب مايقرب من نصف
عدد المدرسات بالمرض، وتجري أخريات فحوصا مختبرية للتأكد من سلامتهن،
أو إصابتهن، وهي مرجحة حيث يبدو لي إن المدرسة الإعدادية تلك ملوثة
بمواد مشعة. بالعودة الى أيام النظام العراقي السابق ظهر إن المدرسة
الثانوية تلك كانت عبارة عن مستودع لأنواع من الأسلحة، وهذا مايثير
أسئلة عديدة عن إحتمالية وجود نسبة من المواد المشعة من بين تلك
الأسلحة، والغريب إن اللجان التربوية والمسؤولين لم يتخذوا إجراءات
حقيقة لوقف الكارثة.
لاأعلم إن كانت الحكومة العراقية على إطلاع بماجرى ويجري في
الثانوية، وما إذا كان المسؤولون في الوزارة رفعوا التقارير الخاصة
بالكارثة الى مكتب وزير التربية حيث لايبدو من خلال التحقيق الذي قمت
به إن السيد الوزير على علم بالأمر، وإلا لكان إتخذ إجراءا ما، أو لقيل
إنه أمر بإتخاذ تدابير معينة، خاصة وإن المصابات بالسرطان معاقبات أيضا
بالنقل، وإلفات نظر، وبقطع رواتبهن حسب فصول رواية قصة مدرسة عدن
الثانوية..
لدينا مئات الفتيات الجميلات ومدرسات ثانوية في بغداد معرضات للموت
يا سيادة المسؤولين في الدولة.
Pdciraq19@gmail.com |