لقد بات الانفلات الامني ظاهرة دامت لأكثر من عقد من الزمن وقد اصبح
الارهاب المقيت في كثير من الأحيان هو صاحب المبادرة والمتحكم في
اختيار الزمان والمكان والسبب هو الأخطاء الفاحشة في عملية معالجة
الارهاب، فان طرق المعالجة لازالت احادية لاتسير بشكل متواز مع ضرورات
أخرى منها ماهو سياسي وآخر قانوني واجتماعي.
واصبح للحزبية الضيقة دوراً سلبياً ترك آثاره على الوضع في العراق
خاصة وان "كل حزب بما لديهم فرحون"، متناسين هموم الشعب العراقي وخاصة
ضحايا الارهاب والفقراء والمسحوقين والأرامل والأمهات الثكالى، كما
أصبحت الحزبية وسيلة للتسلط على الحكم بعد استعمال الكلمات المعسولة
لخداع الناخبين وإعطائهم وعود كاذبة ومنها انهم سوف يطبقون نظرية (سيد
القوم خادمهم).. ولكن بعد الجلوس على كرسي الحكم يكون كرسيهم كرسي
النسيان للوعود لذلك نرى عدم الاكتراث بمشاكل المظلومين وقد ثبت لأبناء
الشعب بان هؤلاء الحكام ظاهرهم رحمة وباطنهم ويل وعذاب وسرقة وملئ
الجيوب والبنوك الخاصة بهم وبأفراد عوائلهم وأقاربهم بالمال الحرام.
ومثل هذا الأمر كان قد خلق فجوة كبيرة بين المسؤولين والمجتمع، في
حين ان تعبئة المجتمع العراقي بوجه الارهاب هو الخطوة الاولى في سُلّم
المعالجات، وليس التعبئة وحسب بل تحصين المجتمع أيضا، ويحتاج ذلك الى
الفرز وبدقة بين ما هو منخرط في الانشطة الارهابية وبين الأبرياء، بل
لا بأس من اقرار قانون عفو عمّن غرر بهم ورفعوا السلاح والكف عن
ملاحقتهم شرط تسليم اسلحتهم والعودة للصف الوطني، وكما حصل في الدول
ذات الظروف المتشابهة مع الظرف العراقي.
ان الجانب الاهم في المعادلة هو عدم الاسهام في تكريس الشعور بالظلم
من قبل الآخر خاصة عندما يأخذ الأمر طابعا طائفيا يسهم في توفير
الحواضن للارهاب، وكذلك السعي لإعادة المفصولين الى وظائفهم للتقليل من
جيش العاطلين، فالعاطلون عن العمل هم أيضا معرّضون للاستغلال والتجنيد
من قبل الارهابيين بسبب حاجتهم اليومية للمال.. ويُسهم الفقر والحاجة
ايضا في خلق بيئة حاضنة ومتعاونة مع الارهاب. وأمثلة على ذلك، لقد
رأينا كيف يستغل الارهاب الفقر والعوز والحرمان الذي يعاني منه الشعب
لتجنيد البعض ضد البعض الآخر حتى وان كان من نفس الطائفة او العرق..
وكما حدث قبل فترة في مدينة الصدر بعد اعتراف الفاعل بالجُرم المشهود.
ويمكننا القول، ان ايادي خفية اجنبية تحرك بعض الاحزاب السياسية
ليزيدوا في النار حطبا. فقد أوغل البعض في الاسهام بإلهاب الوضع
العراقي وزيادة الاحتقان الطائفي وخلق الازمات وقد بات الناخب العراقي
على علم شبه تام في نوعية الكتل السياسية المرشحة للانتخابات وأفراد
قوائمها وقد جاء ذلك من خبرة الشعب بتاريخ هؤلاء بعد ان منحهم أكثر من
فرصة لإثبات قدراتهم في الوقت الذي لم يثبتوا سوى الفشل الذريع وعلى
كافة الصعد السياسية والامنية.
أن الرغبة بالتغيير تتصاعد يوما بعد آخر لدى عموم الشعب العراقي،
والصدمة الكبرى التي قد يتعرض لها الناخب العراقي هي مسألة نزاهة
الانتخابات، خاصة وان بعض رجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني وبعض
القوى السياسية قد حذروا من مغبة التلاعب في نتائج الانتخابات المقبلة،
بل والغريب هناك اطراف مسؤولة في المفوضية العليا للانتخابات كانت قد
حذرت هي الاخرى من ذلك.. بذلك يمكننا القول بأن من يحاول اللعب وتزوير
نتائج الانتخابات القادمة وبأي طريقة كانت سوف يقدم خدمة كبيرة لأعداء
العراق وعلى رأسهم الإرهاب، وستكون مثل هذه المحاولات ان وجدت (محاولات
التزوير)، المسمار الأخير في نعش العملية السياسية في العراق، وعلى
العكس تماما فيما لو تحققت النزاهة فقد تكون بداية الحل للأزمات
المتراكمة السياسية والأمنية وربما الاقتصادية أيضاً. ولم يعد يفصلنا
سوى فترة زمنية قصيرة عن الانتخابات، ليتأكد للجميع صحة ما قلنا وما
ذهبنا اليه. |