أفغانستان وانتخابات المستقبل المجهول

 

شبكة النبأ: مستقبل مجهول ينتظر أفغانستان المثقلة بالكثير من المشاكل والتحديات الامنية والاقتصادية، فهي اليوم ومع اقتراب موعد بالانسحاب العسكري للقوات الاجنبية، والانتخابات الرئاسية تواجه أزمة حقيقية بالغة التعقيد والخطورة قد تقود الى انهيار هذه البلاد وتفكيكها الى دويلات.

حيث تشير الكثير من التوقعات والتقارير ان افغانستان التي تعاني من انعدام الأمن والاستقرار بسبب ضعف المؤسسات العسكرية والامنية فيها، قد دخلت مرحلة اضطراب امني، وهو ما سيكون عامل مهم بعودة نفوذ "حركة طالبان المتشددة" التي تمكنت من التقاط أنفاسها، وكثفت عمليات الهجومية حتى باتت تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وهو ما يحمل على التخوف من اندلاع موجة عنف كبيرة في الفترة المقبلة. تلك المخاوف تزداد مع استمرار رفض الرئيس الأفغاني حامد كرزاي توقيع على الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الأميركية والتي تتيح للأخيرة إبقاء جزء من قواتها إلى ما بعد موعد الانسحاب العسكري الكامل.

هذه الخطوة التي عمد اليها كرزاي في هذا الوقت المحرج من تاريخ افغانستان، أثارت جدلاً كبيرًا داخل وخارج البلاد. فموقف كرزاي هذا يبعث على التعجب، لكونه يدرك جيداً اهمية هذه الاتفاقية، كما أنه يعرف أن غالبية الشعب الأفغاني تؤيديها، لكنه سعى الى عرقلتها من خلال الشرط المتعلق بتحقيق السلام مع متمردي طالبان وهو شرط شبه تعجيزي يحتاج الى جهود ووقت طويل.

ويرى بعض المراقبين والمهتمين بالشأن الافغاني ان خطوة كرزاي التي تقضي بتأجيل التوقيع هي خطوة مدروسة، لا تخلو من الدهاء السياسي، فهو وبحسب اعتقادهم لا يريد التخلي عن السلطة بسهولة، وهذا التحرك ربما سيتيح له القدرة على المساومة والبقاء لفترة اطول، لكونه سيعمد الى تأجيل الانتخابات القادمة لأسباب أمنية خصوصاً وان طالبان تسيطر على أجزاء كثيرة من البلاد وهو ما سيعيق مسار الانتخابات.

فيما قال آخرون إنها محاولات لأجل الحصول على تنازلات وتعهدات جديدة، من قبل الجانب الامريكي الذي يسعى ومن خلال هذه الاتفاقية، الى تأمين بعض المصالح الحيوية ومواجهة المخاطر والمستقبلية في هذه المنطقة المهمة. من خلال نيل الحرية الكاملة في التحرك داخل وخارج أفغانستان بعد عام 2014، وهو ما يعتبره الكثير تنازل عن السيادة الوطنية لأفغانستان.

اما في حال فشله في هذه الخطوة فسيكون كرزاي قد حقق منجزاً اخر وهو اظهار العداء للأمريكان وسياساتهم المتفردة في التحكم بمصير البلاد، التي تحولت الى مقبرة كبيرة جراء الحملات العسكرية الانتقامية التي تقوم بها امريكا وحلفائها، وهو ما قد يكون سببا في استرضاء الاطراف الاخرى ومنها حركة طالبان.

الحرب الأفغانية ومصلحة البلاد

في أعنف تعبير عن الغضب البالغ من سياسة الحكومة الامريكية قال الرئيس الافغاني حامد كرزاي في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست إن من أدار الحرب الافغانية لم يضع مصلحة بلاده في الاعتبار. وقال كرزاي في المقابلة التي نشرت قبل اجراء الانتخابات الرئاسية الافغانية لاختيار خليفة له "الافغان ماتوا في حرب ليست لنا."

ونقل عنه قوله إنه واثق من ان هذه الحرب هي من اجل "أمن الولايات المتحدة ومصالح الغرب." والحرب الأفغانية المستمرة منذ 12 عاما هي أطول حرب تخوضها امريكا وشنتها الولايات المتحدة بعد ان تعرضت لهجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001. وغضب البيت الأبيض من رفض كرزاي توقيع إتفاق أمني مع واشنطن يسمح ببقاء قوات أجنبية في أفغانستان بعد انتهاء العام الجاري.

وقال كرزاي للصحيفة "شيء جيد بالنسبة لهم ان يوقعوا (الاتفاق) مع خليفتي." وكان الرئيس الافغاني قد طالب الولايات المتحدة بأن تبدأ محادثات سلام مع متمردي طالبان وتنهي غاراتها وهجماتها على بيوت الافغان قبل ان يوقع الاتفاق. ويصل قوام القوات التي يقودها حلف شمال الاطلسي في افغانستان الى 52 ألف جندي من بينهم 33600 جندي امريكي. وقتل في الحرب مع طالبان 3400 جندي من قوات التحالف من بينهم 2300 جندي امريكي. بحسب رويترز.

وعبر الرئيس الافغاني خلال المقابلة عن قلقه العميق من الخسائر في الارواح التي وقعت خلال الحرب بما في ذلك خلال العمليات العسكرية الامريكية وقال انه شعر بالخذلان مما وصفه بعدم اهتمام الولايات المتحدة باستهداف معاقل طالبان في دولة باكستان المجاورة بدلا من القرى الافغانية. وقال للصحيفة ان الخسائر في الارواح بين المدنيين الافغان بددت "القضية المشتركة" بين أفغانستان والولايات المتحدة.

انسحاب كامل

في السياق ذاته قال البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما طلب من وزارة الدفاع (البنتاجون) الاستعداد لاحتمال عدم بقاء أي جنود أمريكيين في أفغانستان بعد سحب القوات الأمريكية منها في موعد غايته نهاية العام الحالي. ونقل أوباما هذه الرسالة في مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي يتردد في توقيع اتفاق أمني ثنائي تصر عليه الولايات المتحدة قبل الموافقة على ابقاء مجموعة من القوات لعمليات مكافحة الارهاب وللتدريب.

وقال البيت الأبيض "طلب الرئيس أوباما تحديدا من البنتاجون ضمان أن تكون لديه خطط ملائمة جاهزة لإتمام انسحاب منظم بنهاية العام إذا لم تترك الولايات المتحدة أي قوات في أفغانستان بعد 2014." وعرضت الولايات المتحدة بقاء نحو ثمانية آلاف جندي في أفغانستان بعد الانسحاب الرسمي في نهاية العام على ان تتولى هذه القوات مهام مكافحة الارهاب ضد اهداف لتنظيم القاعدة وتدريب القوات الأفغانية.

وأدى رفض كرزاي التوقيع على إتفاق أمني إلى احباط البيت الأبيض الذي اضطر للتخلي عن مطلب سابق بأن يوقع الرئيس الأفغاني على الاتفاق خلال اسابيع وليس شهورا. وقال البيت الأبيض في توضيح للموقف الجديد "سنظل على استعداد لاحتمال التوصل إلى اتفاق أمني ثنائي في وقت لاحق من هذا العام. ولكن كلما تأخرنا في ذلك كلما أصبح التحدي أكبر للتخطيط لأي مهمة أمريكية وتنفيذها."

وأضاف البيت الأبيض انه كلما تأخر البلدان في التوقيع على اتفاق أمني "كلما بات من المرجح أن تكون أي بعثة أمريكية بعد 2014 أصغر من حيث الحجم والطموح." وقال هاجل إن التخطيط لما يعرف "بالخيار صفر" خطوة حكيمة بالنظر إلى ان كرزاي أوضح انه لن يوقع على الأرجح على الاتفاق الأمني. بحسب رويترز.

وأضاف هاجل في بيان "في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الأمريكي نقل افراده وعتاده من الساحة الأفغانية فان وضع قواتنا خلال الاشهر العديدة القادمة سيتيح للزعماء السياسيين في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي العديد من الخيارات."

تكثف الهجمات

من جانب اخر قال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة كثفت حملتها ضد شبكة حقاني المرتبطة بطالبان في محاولة لتوجيه ضربة دائمة للمتشددين في افغانستان قبل رحيل القوات المقاتلة الاجنبية من البلاد. ويكتسب هذا المسعى إلحاحا اضافيا مع اقتراب موعد انهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي في افغانستان في ديسمبر كانون الاول ومع استمرار تساؤلات بشأن هل ستتخذ باكستان اجراءات ضد جماعة يعتقد بعض المسؤولين الامريكيين انها تحظى بدعم في الخفاء من المخابرات الباكستانية.

ووفقا لمسؤولين على دراية بالأمر أنشأت ادارة اوباما وحدة خاصة جديدة مقرها كابول لتنسيق الجهود ضد الجماعة المتشددة. وانشئت الوحدة اواخر العام الماضي في اطار استراتيجية جديدة تشمل وكالات حكومية متعددة. وقال المسؤولون إن الوحدة التي يقودها ضابط برتبة كولونيل تضم قوات خاصة وقوات تقليدية وأفرادا من المخابرات وبعض المدنيين لتحسين استهداف اعضاء حقاني وتكثيف التركيز على الجماعة.

ولم يتضح على الفور هل تكثيف الحملة على شبكة حقاني أدى الي زيادة في الهجمات على الجماعة من جانب القوات الامريكية ووكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) التي تستهدف المناطق القبلية في باكستان بضربات الطائرات بدون طيار. ولم يتضح حتى الآن حجم الضرر الذي يمكن للولايات المتحدة ان تحدثه بشبكة حقاني التي أثبتت قدرتها على الصمود وتستخدم المناطق القبلية في باكستان كملاذ.

وقال الميجر جنرال ستيفن تاونسند الذي يقود القوات الامريكية وقوات حلف الاطلسي في شرق افغانستان "إلى ان يفعل الباكستانيون شيئا ما بشأن الملاذات الآمنة فان ذلك يبقى مشكلة. المتشددون يمكنهم التجنيد والتدريب والتجهيز والاعداد لشن هجمات في باكستان." وكان تاونسند يتحدث عن مجمل المتشددين الذين يتسللون عبر الحدود مع باكستان وليس فقط عن أعضاء شبكة حقاني.

وشن الجيش الباكستاني مؤخرا هجمات جوية جديدة على مخابئ المتشددين في اقليم وزيرستان الشمالية وقتل 30 شخصا على الاقل. وتقصف مقاتلات باكستانية أهدافا في المنطقة منذ فشل جهود لإشراك طالبان الباكستانية في محادثات السلام. وقاتلت جماعة حقاني التي أسسها زعيم المجاهدين جلال الدين حقاني الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عقد الثمانينات بدرجات متفاوتة من الدعم من صانعي السياسة في باكستان والسعودية والولايات المتحدة.

من جهة اخرى دعت حركة طالبان الشعب الافغاني الى طرد الولايات المتحدة من بلادهم مثلما فعل المجاهدون الافغان مع القوات السوفيتية قبل 25 عاما من اليوم على حد قولها. وقالت طالبان في بيان ارسله قاري يوسف احمد المتحدث باسمها للصحفيين "امريكا تواجه اليوم نفس مصير السوفيت السابقين وتحاول الفرار من بلدنا." واضاف مستخدما اسم حكومة طالبان خلال حكمها بين 1996 و2001 "امارة افغانستان الاسلامية تدعو شعبها الى التعامل مع غزاة اليوم مثلما فعلوا مع غزاة الامس." بحسب رويترز.

وجاء في البيان "نريد تذكير الامريكيين بأننا لم نقبل الغزاة بإغراءاتهم وشعاراتهم اللطيفة في الماضي. محوناهم من خريطة العالم. ان شاء الله ستلقون نفس المصير." وفي حين طردت القوات الامريكية والتابعة لحلف شمال الاطلسي في السنوات الاخيرة مقاتلي طالبان من مناطق كثيرة في معقلهم الجنوبي فإنهم متحصنون فيما يبدو في مناطق نائية على طول الحدود الافغانية الباكستانية الوعرة يواصلون شن الهجمات.

زيادة عدد الضحايا

في السياق ذاته ذكرت الأمم المتحدة في تقرير أن عدد الضحايا المدنيين في افغانستان ارتفع في العام الماضي بنسبة 14 بالمئة مع تصاعد الاشتباكات بين الحكومة والمتشددين. وأضاف التقرير أن الانسحاب التدريجي للقوات الاجنبية ترك القوات الافغانية عرضة لمزيد من الهجمات من المتمردين وأن المعارك بين الجانبين ساهمت في زيادة عدد الضحايا في العام الماضي.

وقالت الأمم المتحدة "يعكس الاتجاه الجديد في 2013 المتمثل في زيادة عدد الضحايا المدنيين بسبب المعارك البرية -ويشمل زيادة مروعة في عدد الضحايا من النساء والاطفال- تغير آليات الصراع على مدى العام." وكان العام الماضي الأسوأ للنساء والاطفال منذ عام 2009 اذ ارتفع عدد القتلي والمصابين بما يزيد عن الثلث مقارنة بعام 2012.

وتسببت المعارك بين الحكومة والمتمردين في سقوط نحو 27 بالمئة من الضحايا من النساء ولأطفال ويتعذر في معظم الحالات تحميل المسؤولية لطرف واحد. وتظل القنابل بدائية الصنع التي يفجرها المتمردون في أماكن عامة والأسواق والطرق والمباني الحكومية السبب الرئيسي في سقوط العدد الأكبر من الضحايا واسقطت أكثر من ثلث الضحايا المدنيين وحسب تقديرات الامم المتحدة تسببت في مقتل 2595 شخصا وإصابة 5656 .

ويتحمل جانبا الصراع المسؤولية عن تزايد عدد الضحايا العام الماضي الا ان الأمم المتحدة تحمل طالبان المسؤولية عن سقوط نحو 75 بالمئة من الضحايا. وقال يان كوبيس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة "بيانات قيادات طالبان عن حماية المدنيين غير كافية لمنع قتل وإصابة المدنيين الافغان الابرياء. "ينبغي ان تمتنع طالبان عن مهاجمة المدنيين عن عمد والاستخدام العشوائي للقنابل بدائية الصنع."

وأضاف التقرير إن القوات الدولية التي سلمت مسؤوليات الأمن للافغان -تمهيدا لانسحابها في نهاية العام وتقول انها تشارك فقط في عمليات مشتركة- تسببت في سقوط ثلاثة بالمئة من الضحايا فقط حسب التقرير. ورغم ان عدد ضحايا العمليات المشتركة لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من الإجمالي غير ان الغارات الجوية التي تسقط ضحايا من المدنيين مصدر توتر رئيسي بين الرئيس حامد كرزاي والولايات المتحدة.

وذكر تقرير الأمم المتحدة ان 54 عملية جوية شنت في العام الماضي تسبب في سقوط ضحايا من المدنيين ويمثل هذا الرقم انخفاضا بنسبة عشرة بالمئة عن عام 2012 . وذكرت الامم المتحدة ان 19 غارة نفذتها طائرات بدون طيار وأضافت الامم المتحدة ان ضحايا غارات الطائرات بدون طيار يزيد عن ثلاثة امثاله في 2012. وقالت الامم المتحدة ان ثمة زيادة حادة في الحوادث التي تتحمل مسؤوليتها قوات الأمن أو الشرطة المحلية الافغانية التي تأسست في عام2010 للعمل في مناطق نائية وغير امنة.

وذكر التقرير ان بعثة الامم المتحدة في افغانستان وثقت على مدار 2013 "وقائع ارتكبت خلالها الشرطة المحلية الافغانية انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان دون ان تخشى عقابا." وذكرت الأمم المتحدة أن عدد الضحايا المتصل بالشرطة المحلية ارتفع لثلاثة امثاله ويشمل حالات اعدام بدون محاكمة وعقوبات واعمالا انتقامية. بحسب رويترز.

وافلت مرتكبو هذه الحوادث من العقاب على ما يبدو اذ لم تتوصل الامم المتحدة لاي معلومات عن ملاحقة قضائية او وقف عن العمل او اجراءات اخرى رغم ابلاغ السلطات بنحو مئة قضية. وعلى الجانب الايجابي قالت الامم المتحدة أن عددا كبيرا من المناطق ارجعت الفضل في تحسن الاوضاع الامنية الى الشرطة.

الانتخابات تثير العنف

الى جانب ذلك بدأ مرشحو الرئاسة في افغانستان حملة من أجل انتخابات يأمل الحلفاء الغربيون ان تعزز الاستقرار الهش في الوقت الذي تستعد فيه قواتهم للرحيل بعد حرب غير حاسمة استمرت نحو 13 عاما. ورفضت طالبان الانتخابات التي تجري في الخامس من ابريل نيسان وصعدت بالفعل هجماتها لتخريبها. وسيتطلع المتشددون ايضا الى الاستفادة اذا شهدت الانتخابات تزويرا وصراعا بين المنافسين الساعين ليحلوا محل الرئيس حامد كرزاي الذي لا يمكنه ترشيح نفسه لفترة ولاية ثالثة بموجب القانون الافغاني.

وأي كان من سيخلف كرزاي فانه سيرث بلدا يعاني قلاقل متزايدة بشأن الاوضاع الأمنية مع استعداد معظم القوات الاجنبية للانسحاب بحلول نهاية العام لتترك القوات الافغانية بمفردها تواجه المتشددين. وقالت سفارة إحدى الدول في تقرير أمني سري في الآونة الاخيرة إن الهجمات التي تشهدها العاصمة كابول شهريا وصلت لأعلى مستوى لها منذ عام 2008. ومن المتوقع ان يركز المرشحون جهودهم على كسب أصوات النساء والشباب. وقالت السفارة "هذه الزيادة يمكن ان تعزى الى الجهود المبذولة نحو الانتخابات الرئاسية."

ويقول افغان كثيرون انهم يتوخون الحذر. وقال فؤاد صالح الذي يعمل حلاقا في كابول "نصحت بالفعل عائلتي بالحد من الانتقالات غير الضرورية وعدم حضور تجمعات كبيرة على الاطلاق. وعلى الرغم من انه لا توجد بافغانستان طائفة تمثل أغلبية فان البشتون يعتبرون العرقية الاكبر عددا وسيلعبون دورا كبيرا في تحديد الرئيس المقبل. ويتوقع دبلوماسيون غربيون ان تنقسم الجولة الاولى بين واحد من عدة مرشحين بشتون بارزين ووزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله المنحدر من اصل طاجيكي وكان المنافس الرئيسي لكرازي في الانتخابات السابقة.

وعبدالله حل في المرتبة الثانية في انتخابات 2009، لكنه انسحب من الدورة الثانية بعد تنديده بعمليات تزوير كثيفة على غرار ما فعل عدد من المراقبين، مما اتاح توفير الفوز لكرزاي. ودعا عبدالله الى توقيع معاهدة امنية ثنائية مع واشنطن وهو ما قد يفتح الطريق امام ابقاء قوة اميركية في البلد بعد 2014. وقال "افغانستان بحاجة الى المساعدة الدولية"، مضيفا "مع هذا الاتفاق وان شاء الله، فان مشاكلنا قد تجد حلولا لها"، ووجه عبدالله ايضا "تعازيه" الى عائلتي العضوين في فريق حملته الانتخابية اللذين قتلا في هرات.

وعبر عبد الله عبد الله مؤخرا عن الاسف مؤكدا ان "هذه المسألة تقلق الافغان في حين ان ما يريدونه هو انتخابات سليمة". واضاف "من مصلحة افغانستان التوقيع على الاتفاق الامني الثنائي". وستفتح هذه الانتخابات صفحة جديدة في تاريخ افغانستان التي شهدت تغييرا كبيرا لكن مؤسساتها ما زالت هشة وتواجه خطر التمرد المسلح لمقاتلي طالبان وغيرهم، الذين لم تفلح 12 سنة من الحرب وقوة الحلف الاطلسي وفي مقدمتها قوات الولايات المتحدة في القضاء عليهم. ولا تزال اعمال العنف متواصلة في هذا البلد المقسم بين قبائل وجماعات مسلحة ومليشيات.

وقال مسؤولون بالشرطة ان اثنين من اعضاء حملة عبد الله قتلا بالرصاص في سيارتهما في اقليم هرات بغرب افغانستان في اشارة اخرى تبعث على التشاؤم بشأن اعمال العنف المحتملة القادمة. وقالت الامم المتحدة في بيان "يمثل هذا العمل الجبان ترويعا عنيفا لمرشحين في الانتخابات ومؤيديهم ولا يمكن التهاون معه."

وخلافا لسنة 2009 التي كانت نتائجها محسومة سلفا لمصلحة كرزاي، لا تبدو نتائج هذه الانتخابات واضحة ويرجح ان تنظم دورة ثانية لها في نهاية ايار/مايو. ويتنافس ايضا في هذه الانتخابات اشرف غاني وزير المالية السابق وقيوم كرزاي شقيق كرزاي الاكبر وزلماي رسول وزير الخارجية السابق وعبد الرسول سياف وهو زعيم حرب سابق مثير للجدل. بحسب فرانس برس.

وتعتبر هذه الانتخابات اختبارا لاستقرار البلاد ومستقبلها والتدخل الاجنبي الذي انفقت خلاله طيلة 12 سنة مليارات الدولارات من المساعدات. وسيتابع المجتمع الدولي عن كثب هذه الانتخابات الرئاسية بعدما جعل من حسن تنظيم الاقتراع احد شروط استمرار مساعدته الى افغانستان احد البلدان الاكثر فقرا في العالم.

مستقبل غير واضح

على صعيد متصل يتدرب السرجنت الافغاني منير أحمد على المشي بواسطة طرف اصطناعي في مركز لتقويم العظام في شمال كابول بعدما بتر لغم رجله، وأكد الشاب البالغ من العمر 23 عاما أن "الجيش لم يفعل شيئا من أجلي، فعائلتي هي التي أدخلتني المركز". ويقول منير في مركز إعادة التأهيل هذا التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في قلبهار على بعد حوالى 75 كيلومترا عن العاصمة الأفغانية "التمكن من التحرك امر رائع ... اني اتدرب على المشي منذ يومين فقط ، والأمر صعب". وكان الجندي في مركز حراسة في اقليم بنجواي في ولاية قندهار معقل حركة طالبان في جنوب أفغانستان عندما بترت رجله اليسرى إثر انفجار لغم.

ويكشف الملازم "كنا أقوى من متمردي طالبان، لكنهم زرعوا الكثير من الألغام وقد خسرت الكثير من أصدقائي في قندهار". ونقل منير بعد يومين بالطائرة إلى كابول ليخضغ لعملية. وهو يعد محظوظا، إذ أن جنودا كثيرين يموتون متأثرين بجروحهم بعد تعذر نقلهم إلى المستشفى في الوقت المناسب. لكن تتمة قصة منير هي أكثر تعقيدا، فكان ينبغي عليه أن يتكيف مع العيش برجل واحدة. وهو يؤكد "لم يفعل الجيش شيئا من أجلي ولم أكن أتلقى أي علاج. فعائلتي هي التي أدخلتني المركز".

ولا يزال الشاب يحصل على راتب شهري بقيمة 160 يورو تقريبا، لكنه لا يعلم بعد من سيغطي كلفة علاجه الطبي ويشك في أن يوفر الجيش له فرصة عمل في المكتب لضمان مستقبله. ويقول "لا أعلم شيئا، فما من أحد أخبرني بشيء". وحالة منير ليست معزولة، فالجيش الأفغاني يدفع غاليا ثمن النزاع مع حركة طالبان ويصعب عليه توفير العلاج لجنوده المصابين.

وبحسب معطيات أميركية، كان يموت كل يوم نحو 10 عناصر من الجيش أو الشرطة في أفغانستان في خضم موسم النزاعات بين نيسان/أبريل وتشرين الثاني/نوفمبر 2013. ولا يتوقع أن يتحسن الوضع في العام 2014، فغالبية جنود حلف شمال الأطلسي (الناتو) البالغ عددهم 58 ألف عنصر سيغادرون البلاد بحلول نهاية العام، ما يدفع إلى التخوف من تفاقم أعمال العنف لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

وقال ألبيرتو كايرو المسؤول عن برنامج إعادة التأهيل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي استقبلت 1500 ضحية إضافية من ضحايا الحرب في العام 2013 "كل يوم نستقبل مزيدا من الجنود والشرطة الذين يعانون في غالب الأحيان إصابات خطيرة ... ونحن لا نرفض طلبات المستشفيات العسكرية التي تنقل إلينا مرضاها". وردا على سؤال عن الرعاية المقدمة للجنود المصابين، أكد الجنرال محمد ظاهر عزيمي الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغانية أن الجيش الأفغاني على قدر هذه التحديات. بحسب فرانس برس.

وقال "ندير جيدا مسألة الجنود المصابين ولدينا طاقم طبي كاف في كل وحدة"، مقرا في الوقت عينه بأن الجيش "يحاول زيادة عدد" الأطباء والممرضين. وشرح الجنرال أن "إنخفاض عدد المروحيات الأميركية" الناجم عن الإنسحاب التدريجي للقوات الأجنبية "أثر كثيرا على عمليات نقل الجرحى". أما منير أحمد، فيأمل أن يشكل مركز قلبهار انطلاقة لحياة جديد. ويقول "أحب أن أخدم المجتمع وأن أعمل. وقد أتيت إلى هنا لأرى إن كان ذلك ممكنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/آذار/2014 - 13/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م