كما أنه ليس للإرهاب دين، كذلك ليس له مكان ولا أخلاق ولا حدود.
لذلك أصبح الإرهاب مشكلة عالمية تشغل الأذهان وتؤرق الباحثين عن السلام
والأمن والاستقرار، الأمر الذي يستوجب جهودا دولية لاحتوائها والتصدي
لها بما يكفل القضاء عليها ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدولة سيادتها
وللشعوب استقرارها وللعالم سلامته وأمنه.
أفاد الدكتور (جميل حزام يحيى الفقيه) مؤلف كتاب (مفهوم الإرهاب في
القانون الدولي العام) أن المعاجم العربية القديمة لم تذكر كلمة (إرهاب)
ولكنها عرفت الفعل (رهب – يرهب، رهبة ورهبا، أيخاف، ورهبة ورهبا أيخافه)
والرهبة هي الخوف والفزع (أرهب) ولم يظهر لفظ (الإرهاب) في المعاجم إلا
حديثا. وهو مصدر من (أرهب) يعني الأخذ بالسيف والتهديد، والإرهابي هو
من يلجأ إلى العنف لإقامة سلطته. والحكم الإرهابي نوع من الحكم يقوم
على الإرهاب والعنف، تعمد إليه حكومات وجماعات ثورية لتحقيق أهداف
سياسية. فالإرهاب – إذن-هو استخدام العنف – غير القانوني – أو التهديد
به لتحقيق أهداف سياسية، سواء من الحكومة أو الأفراد أو الجماعات
الثورية والمعارضة.
أورد مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أن (الإرهاب
هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم وكرامتهم الإنسانية،
بغيا وفسادا في الأرض، على خلاف الجهاد الذي هو دفاع عن الوطن ضد
احتلال الأرض ونهب الثروات، وهو بذل الجهد لنصرة الحق ودفع الظلم
وإقرار العدل والسلام، وأن التعايش هو السبيل إلى التعاون على البر
والتقوى. وكان تعريف منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمرها المنعقد على
مستوى وزراء خارجية المنظمة في عام 2001م، في الدوحة في قطر، أكثر
ملامسة لواقع، حيث عرف الإرهاب هنا على أنه: رسالة عنف عشوائية من
مجهول بغير هدف مشروع أو قضية عادلة وهو بهذا مخالف للشرائع السماوية
والأعراف الدولية، كما لا يجوز الخلط بين الكفاح المسلح الذي يراد به
خدمة القضايا العادلة ومجابهة الظلم والإحتلال.
وقد عرفت اتفاقية جنيف لقمع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937 م، على أن
الأعمال الإرهابية هي (الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف،
أو يقصد بها، خلق حاله من الرعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من
الأشخاص، أو عامة الجمهور).
أما الاتفاقية العربية لعام 1998 م، فقد عرفت الإرهاب في مادتها
الأولى فقرة (2) بأنه (كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا كانت
بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذ المشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى
إفشاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو
حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو
الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض
أحد الموارد الوطنية للخطر.
(ولما كانت العمليات الإرهابية المعاصرة تستهدف بث الرعب في نفوس
شعوب كافة الدول، فقد عملت الأمم المتحدة في عام 1972م إلى إضافة لفظ
دولي (International) إلى كلمة إرهاب، وإنشاء لجنة متخصصة لدراسة
الدوافع والأسباب الكامنة وراء العمليات الإرهابية. والتي عرفت بقولها:
"إن الإرهاب الدولي يعد عملاً من أعمال العنف الخطيرة أو التهديد به،
يصدر من فرد سواء كان يعمل بمفرده أم بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه
ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأمكنة، أو وسائل النقل والمواصلات، أو ضد
أفراد الجمهور العام، بقصد تهديد هؤلاء الأشخاص أو التسبب في جرحهم أو
موتهم أو تعطيل فعاليات هذه المنظمات الدولية، أو التسبب في إلحاق
الخسارة أو الضرر أو الأذى بهذه الأمكنة أو الممتلكات، أو بالعبث
بوسائل النقل والمواصلات، بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول أو بين
مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز تنازلات من الدول، كما أن التآمر على
ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب أو التحريض العام على
ارتكاب الجرائم، يشكل جريمة الإرهاب الدولي". كما أن لجنة القانون
الدولي التابعة للأمم المتحدة، التي تقوم بتقنين الجرائم المخلة بأمن
وسلام الإنسانية، قد قدمت في المادة التاسعة عشرة من المشروع، التعريف
التالي للإرهاب: "الإرهاب هو كل نشاط إجرامي موجه إلى دولة معينة
ويستهدف إنشاء حالة من الرعب في عقول الدولة أو أي سلطة من سلطاتها أو
جماعات معينة منها".
والحقيقة دائما ما يكون هناك خلط مقصود بين العنف الذي تمارسه أجهزة
الدولة وبين العنف الذي تمارسه الجماعات والمليشيات المسلحة، حيث إن
ممارسة الدولة لسلطتها والذي يتضمن قدرا من العنف ضد من يخالف قوانينها
لا يسمى إرهابا بالمعنى الدقيق لكلمة إرهاب؛ نعم، إذا قامت دولة ما
بدعم ومساندة وتوجيه أفراد أو جماعات معينة بهدف زعزعة نظام دولة أخرى
أو الاعتداء على مواطني دولة أخرى، أو قتل مواطنين ينتمون إلى قومية
أخرى أو دين أخر أو مذهب أخر فان مثل هذا العمل يدخل في نطاق ما يُعرف
اليوم بالإرهاب.
بناء عليه، فان مقالنا هذا لا يعنى باستخدام القوة أو العنف المفرط
من دولة إزاء مواطنيها، وإن كان مثل هذا العمل مدانا ومرفوضا ومخالفا
للقوانين الدولية لاسيما قانون حقوق الإنسان، إنما يعنى بالإرهاب الذي
تمارسه الأفراد والجماعات أكانت تعمل لوحدها أو كانت مدعومة من دول تحت
مسميات مختلفة أهمها (الجهاد) كون هذا النوع من الإرهاب هو أكثر
الأنواع انتشارا في دولنا العربية والإسلامية مثل العراق وسوريا ولبنان
ومصر وتونس، وأفغانستان وباكستان وغيرها، والذي تمارسه الجماعات
المتطرفة ذات النهج الإسلامي، وهو ما يسمى اليوم (الإرهاب الأعمى) أو
الإرهاب العدمي، والذي يستهدف القضاء على النظام القائم دون وجود تصور
لنظام بديل، فهو لا يستهدف التغيير فقط، بل، التدمير، وهذا النوع من
الإرهاب لا يسبب تحديات كبيرة للأنظمة الحاكمة بل لشعوب تلك الدول
طالما أنها هي المستهدف الأول منه، سواء في أرواحها أو ممتلكاتها أو
أمنها أو اقتصادها أو مستقبلها.
لقد ظهرت في السنوات الأخيرة، بالخصوص في البلدان الإسلامية
والعربية، ونتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية التي
شهدتها هذه البلدان، العديد من الجماعات والمليشيات المسلحة، التي تهدف
بشكل عام إلى تغيير الأوضاع مثل تغيير الأنظمة والحكومات، باستخدام
سلاح واحد هو سلاح خلق الفوضى في كل مكان تصل إليه هذه الجماعات.
ولاشك أن قيام هذه الجماعات بهذه الأعمال الإجرامية يحتاج إلى بيان
الأسباب والدوافع التي دفعت تلك الجماعات المتطرفة إلى القيام بإعمال
القتل والتخريب والإرهاب. والمتتبع للأسباب التي تطرحها هذه الجماعات
يصل إلى مجموعة من الأسباب لعل أهمها إقامة الحكم الإسلامي، أو مقاومة
المحتل، أو الدفاع عن الدين، أو نصرة للمذهب وغيرها من الأسباب.
ولكن السبب الحقيقي يكمن في تبني ثقافة العنف والقتل والتدمير لدى
العديد من الشباب الذين أصيبوا بالإحباط لما يحصل في بلدانهم أو في
البلدان المجاورة مع دفع وتحريض مستمر من قبل بعض رجال الدين المتطرفين
أو من بعض الدول بدوافع سياسية محضة. حيث يمكن أن يكون للدولة ككيان
سياسي ومستقل دور كبير فيدعم الإرهاب الدولي، وذلك من خلال السكوت
والتغاضي عن العمليات الإرهابية أو عن جماعات الإرهاب التي تقيم على
أراضيها، مرورا بالمساعدات التي تقدمها إلى تلك الجماعات في أشكال
متعددة، وصولا إلى قيام الدولة ذاتها بممارسة الإرهاب ضد دولة أخرى،
يضاف إلى ذلك دور مخابرات بعض الدول في خلق بعض المنظمات الإرهابية
وتمويلها لتعمل لحسابها، من أجل إشاعة وتحريك الفتن في بعض الدول،
وتأجيج الغليان والعنف السياسي بها، بما يخدم مصالحها وأجندتها.
كما ساعدت بعض الدول على تحقيق الإتصال بين المنظمات الإرهابية في
كثير من دول العالم، بالإضافة لدورها في إيواء عناصر الإرهاب بعد تنفيذ
عملياتهم وهروبهم، ورفضها تسليمهم للسلطات المختصة كمحاكمتهم، وذلك بعد
أن وفرت الدعم المالي والتدريب الراقي والتخطيط الدقيق لعملياتهم.
وتقتنع هذه الدول التي تساعد الإرهاب بقدرتها على إستخدام هذه الجماعات
في إحراج السلطة السياسية والضغط عليها في أي وقت لتحقيق مطالبها.
وفي المحصلة، فان العمليات الإرهابية التي يقوم بها الأفراد
والجماعات المسلحة، سواء كانت تمثل نفسها كجماعات متطرفة، أو تنوب عن
دول تمولها من الخارج، تمثل اعتداء مباشرا على مجموعة من حقوق الإنسان
التقليدية، ويأتي في مقدمتها الحق في الحياة لما ينطوي عليه الإرهاب من
قتل عشوائي، والحق في سلامة الجسد وما ينطوي عليه الإرهاب من إلحاق
الضرر ببدن الإنسان، وأيضا حرية الرأي والتعبير معا بما ينطوي عليه
الإرهاب من إشاعة الخوف والرعب في مواجهة الجهر بالرأي، إضافة لمجمل
الحقوق والحريات الأخرى التي يكتسحها الإرهاب كالحق في التملك والتنقل
والسكن والثقافة والتعليم وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ويمكن القول إجمالا بأن الإرهاب كظاهرة عالمية معاصرة يعكس أزمة
ضمير وأزمة أخلاقيات حادة، والإرهاب والتطرف يشكلان تهديداً مستمراً
للسلم والأمن ولاستقرار جميع البلدان والشعوب ويجب إدانتهما والتصدي
لهما بصورة شاملة من خلال اعتماد إستراتيجية شاملة، فاعلة، موحدة وجهد
دولي منظم يركز على الحاجة إلى الدور الريادي للأمم المتحدة. وبصرف
النظر عن أي ذريعة يسوقها الإرهابيون تبريراً لأعمالهم، فإن الإرهاب لا
مبرر له، وهو تحت كل الظروف وبغض النظر عن كل الدوافع المزعومة، يجب أن
يُدان دون تحفظ.
وبالتالي، نخلص إلى ضرورة الإقرار والعمل بعدد من التوصيات التي
جاءت في عدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية، وهي:
1- إن طبيعة العنف التي يتميز بها الإرهاب تجبر المجتمع الدولي على
التركيز على إجراءات للقضاء على المنظمات الإرهابية ومنع الأعمال
الإرهابية، ومن ناحية أخرى، فمن الأهمية بمكان معالجة العوامل التي
توفر أرضية خصبة لإزدهار الإرهاب بغرض الإسهام في القضاء على الإرهاب.
2- ينبغي بذل محاولات جادة لتسوية المنازعات الإقليمية والدولية
سلميا من أجل تفويت الفرصة أمام المنظمات الإرهابية لإستغلال معاناة
الشعوب التي ترزح تحت وطأة ظروف غير عادلة، ونشر أيديولوجيتها المضللة
وإيجاد أرضية خصبة لتجنيد الأفراد وممارسة أنشطتها غير الشرعية.
3- ينتهك الإرهاب تمتع الفرد بالحقوق الأساسية للإنسان. فالإرهاب
ليس له دين معين أو جنس أو جنسية أو منطقة جغرافية محددة. وفي هذا
السياق، ينبغي التأكيد على أن أية محاولة لربط الإرهاب بأي دين سيساعد
في حقيقة الأمر الإرهابيين وينبغي رفضه بشدة. ومن ثم، ينبغي اتخاذ
التدابير للحيلولة دون عدم التسامح حيال أي دين وتهيئة جو من التفاهم
والتعاون المشترك يستند إلى القيم المشتركة بين الدول المنتمية إلى
عقائد مختلفة.
4- ينبغي لهيئات الأمم المتحدة المناسبة وضع الأطر وقواعد السلوك
لمعاونة الدول ووكالاتها لإنفاذ القانون في مجال مكافحة الإرهاب من
خلال الالتزام بالقانون الدولي بما في ذلك حقوق الإنسان، والحقوق
الإنسانية وحقوق اللاجئين.
5- ينبغي دعم جهود الإصلاح الوطني المبذولة من قبل البلدان بهدف
توسيع المشاركة السياسية والتعددية، وتحقيق التنمية المستدامة، والتوصل
إلى توازن اجتماعي وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني بغية التصدي
للظروف التي تعزز العنف والتطرف.
6- ينبغي وضع وتنفيذ البرامج الرامية إلى تعزيز الحوار المتعدد
الثقافات وفيما بين الأديان. وينبغي لهذا الغرض، وضع السياسات والآليات
الرامية إلى تطوير النظم التعليمية وسائر مصادر الاختلاط بالآخرين بغية
تعزيز قيم التسامح، والتعددية والتعايش الإنساني على مستوى القاعدة
الشعبية فضلا عن توفير المعارف الأساسية بالحضارات والأديان وزيادة وعي
الجمهور ووسائل الإعلام بأخطار الإرهاب والتطرف.
7- زيادة التعاون على المستوى الوطني والثنائي والتنسيق بين أجهزة
مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال والاتجار بالأسلحة والمتفجرات وتهريب
المخدرات ودعم تبادل الخبرات والتجارب، على سبيل المثال عبر التدريب
لضمان الفعالية في محاربة الإرهابيين والجريمة المنظمة.
8- إن القاعدة الأساسية للنجاح تتمثل في إستراتيجية حكومية فعالة
لمكافحة الإرهاب تضع أهدافاً واضحة ومدروسة لكافة الإدارات والوكالات
المختصة بما في ذلك وكالات إنفاذ القانون وإدارات الاستخبارات
والإدارات العسكرية ووزارات الداخلية والخارجية.
9- تشجيع الدول على إنشاء مراكز وطنية متخصصة في مكافحة الإرهاب
ودعوتها لإنشاء مراكز مشابهة على الصعيد الإقليمي لتسهيل المشاركة في
الاستخبارات، وتبادل المعلومات العملية في الوقت الفعلي، وتنمية آليات
وتكنولوجيات لجمع البيانات وتحليلها بهدف القضاء المبرم على إعداد
العمليات الإرهابية والتقليل من أهمية شبكات تجنيد الإرهابيين وتدريبهم
ودعمهم وتمويلهم، والتنسيق بين الهيئات الدولية ذات الصلة والمراكز
الإقليمية الأخرى.
10- دعوة الانتربول للنظر في الكيفية التي يمكن من خلالها التعزيز
الفعال لعمله القائم الموسع الموجه لمكافحة الإرهاب، ودعوة جميع أعضاء
الانتربول إلى الإسهام الفوري والنشط في الاحتفاظ بقائمة حديثة تضم
الإرهابيين المطلوبين.
11- تشجيع الدول على اتخاذ تدابير وتشريعات وطنية قادرة على منع
الإرهابيين من استخدام قوانين اللجوء والهجرة للوصول إلى مأوى آمن، أو
استخدام أراضي الدول كقواعد للتجنيد، والتدريب، والتخطيط والتحريض وشن
العمليات الإرهابية ضد دول أخرى.
.....................................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد
منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق
والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض
النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه
الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم
القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية،
كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات،
ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف
الاتجاهات...
موبايل/009647712421188
http://adamrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights |