الخطاب

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: جميع الأحداث في العالم، وقعت أو سوف تقع، يسبقها خطاب ويلحقها اخر.

السابق، كثيرا ما يؤسس لما يقع، واللاحق كثيرا ما يتدارك ردود الفعل من خلال محاولة تقديم بدائل عبر الشرح، والتفسير، والتاويل.

الخطاب السياسي يستغرقنا، بفجاجته، بوقاحته، فهو ضد الاخرين لقضية، أو موقف، وضد نفسه في قضية وموقف اخر، انه مع الجميع وضد الجميع في وقت واحد.

أمريكا وأوربا، على سبيل المثال، مع اوكرانيا وحراكها الديمقراطي ضد تدخل الروس، ضد الحراك البحريني ومع التدخل السعودي، ضد القوانين التي تصدرها السلطات الدكتاتورية بحق المثليين الجنسيين، وليس ضدها في الاستبداد والتعذيب وهدر الاموال.

الخطاب السياسي، عاريا ومكشوفا، وربما هذا من شروط اكتسابه شرعيته السياسية، فهو يجب ان يكون فاضحا ومفضوحا، في الوقت نفسه.

الخطاب السياسي، جزء من منظومة اوسع لمفهوم الخطاب ومنظومته.

ماهو الخطاب؟

انه (مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر)، كما في لسان العرب لابن منظور، يتم من خلاله تبادل رسائل لغوية. وهو نفس المعنى الذي نجده عند التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، حين عرفه بأنه توجيه الكلام نحو الغير للإفهام.

ويشترط أبو البقاء الكفوي في (الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية) كشرط للخطاب هو (إفهام من هو أهل للفهم) ولا يسمى خطابا، (الكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع).

التعاريف الحديثة للخطاب، وتبعا لاختلاف الحقول المعرفية التي ينتمي اليها، مثل الخطاب الأدبي والخطاب النقدي، والديني، والفلسفي، والسياسي، والإيديولوجي، تعرف الخطاب بانه: (مظهر نحوي مركب من وحدات لغوية، ملفوظة أو مكتوبة، تخضع في تشكيله وفي تكوينه الداخلي لقواعد قابلة للتنميط والتعيين مما يجعله خاضعا لشروط الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه أسرديا كان أم شعريا).

ابتكر هاريس مصطلح الخطاب وعرفه بقوله:

(إن الخطاب منهج في البحث في أيما مادة مشكلة من عناصر متميزة ومترابطة في امتداد طولي سواء أكانت لغة أم شيئا شبيها باللغة، ومشتمل على أكثر من جملة أولية، إنها بنية شاملة تشخص الخطاب في جملته.. أو أجزاء كبيرة منه).

ويعرفه بنفنست بأنه (كل تلفظ يفترض متكلمًا ومستمعًا، بحيث يحاول المتكلم التأثير على المستمع بطريقة ما).

 ويعرفه تودروف إنه (أي منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المستمع بطريقة ما).

ويعرف فوكو الخطاب أنه (النصوص والأقوال كما تعطي مجموع كلماتها ونظام بنائها، وبنيتها المنطقية، أو تنظيمها البنائي).

 ويعرفه هارتمان وستورك  أنه (نص محكوم بوحدة كلية واضحة يتألف من صيغ تعبيرية متوالية تصدر عن متحدث فرد يبلغ رسالة ما).

يرى الفرنسي أوليفي روبول أن المقصود بالخطاب عدة معانٍ:

المعنى الشائع: أن الخطاب مجموعة منسجمة من الجمل المنطوقة.

المعنى اللساني المختزل: أن الخطاب عبارة عن  متوالية من الجمل المشكلة لرسالة.

المعنى اللساني الموسع: أن الخطاب عبارة عن مجموعة من الرسائل بين أطراف مختلفة تعرض طبائع لسانية مشتركة.

ما علاقة الخطاب بالسلطة أو القوة؟

اول من طرح فكرة العلاقة بين الخطاب والسلطة هو ميشيل فوكو، حين ذهب الى أن هناك ارتباطا وثيقا بين السلطة والخطاب، وهذا الارتباط ليس مجرّد تخطيط، وتنظيم من قبل السلطة فحسب، وإنما علاقة تجمع بين اللغة وأنماط الهيمنة الاجتماعية.

ويتفق اخرون مع هذا الطرح، وهو أن ممارسة القوة في المجتمعات الديمقراطية الحديثة لم تعد تعتمد على الإكراه بالدرجة الأولى بل على الإقناع الذي بات أحد العناصر الحاسمة للوصول بالخطاب لمختلف الفئات الاجتماعية لهذا التحليل للعلاقات، ولا شك أن الاتفاق على فكرة الهيمنة عبر الإقناع وتحقيق إجماع وتعدد شكلي داخل المجتمع، أو ما يعرف بالهيمنة الناعمة، هو ما دفع مدارس التحليل النقدي للخطاب نحو الاهتمام بتحليل الخطاب الإعلامي، الذي يعكس عملية الصراع والهيمنة عبر الإقناع وتزييف وعي الجماهير.

ما هو الخطاب السياسي؟

انه كما يعرفه الدكتور مازن الوعر (تركيب من الجمل موجه عن قصد إلى المتلقي بقصد التأثير فيه وإقناعه بمضمون الخطاب عن طريق الشرح والتحليل والإثارة ويتضمن هذا المضمون أفكارًا سياسيةً، أو يكون موضوع هذا الخطاب سياسيًّا).

أو هو (ذلك المكان بامتياز للعبة الأقنعة. فكل كلام يتم التلفظ به في الحقل السياسي ينبغي أن يتم التعامل معه في نفس الآن على أساس ما يقوله وما لا يقوله. يجب أن لا يؤخذ ذلك الكلام حرفيا، ضمن شفافية ساذجة، بل كنتيجة لاستراتيجية لا يكون فيها المتحدث هو سيد الموقف دائماً. في الخطاب السياسي تظهر لعبة الأقنعة. فالخطاب لعبة أقنعة تشارك فيها جميعا، النخب والشعوب).

في بحثه المعنون (الخطاب السياسي) يذكر بهاء الدين محمد مزيد عدة سمات توصل لها بول تشيلتون في ختام تحليله نصوصاً سياسيّة مهمّة لجورج بوش وأسامة بن لادن ومناقشته تاريح العلاقة بين الّلغة والسياسة وغير ذلك من جوانب الخطاب السياسي، يلخِّصها فيما يلي:

(1) يعتمد الخطاب السياسي على الإشارة إلى الزمان والمكان والمكانة والعلاقة والسياق.

(2) يقوم الخطاب السياسي على التفاعل الذي تتبدى من خلاله الحدود التي تفصل والروابط التي تجمع، تفصل الأنا عن الآخر وتجمعها ومن يحالفها أو يشبهها أو ينتمي إليها.

(3) يشتمل التفاعل على نوع من التفاوض والتداول، تداول الواقع، ومراجعة فرضياته المهمّة، ومحاولة فرض ما نفترض أو نُسلِّم به نحن على الآخرين.

(4) يشتمل الخطاب السياسي على توقُّع ما يفكر فيه الآخرون والتنبؤ بما يدبِّر المنافسون وما يؤمن به "الأعداء" ومن ثمَّ تفنيده أو إضعافه أو تشويهه وتقبيحه.

(5) يتحقق قدرٌ كبير من التفاعل في الخطاب السياسي بفضل ثراء تعابير اليقين والشكّ وتعابيرالضرورة والالتزام الأخلاقي والديني والاجتماعي – تعابير "افعل" و"لا تفعل" و"يجب" و"ينبغي" و"لا بُدَّ" و"علينا".

(6) يرتكز الخطاب السياسي إجمالاً على تصنيفات ثنائية متعارضة، وربما متصارعة، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين الشرعية وعدم الشرعية، بين الوطنية والخيانة، بين الحرية والقمع.

(7) يشتمل الخطاب السياسي على قدر وافر من التفكير الاستعاري، على معنى أنّ للاستعارة وظيفة مهمة في صياغة التصورات وتجسيد المفاهيم والأطروحات السياسية.

(8) من خلال الوعي بالمكان والتصورات الاستعارية التي ترتبط به، تتشكَّل الجماعات والقوميَّات والشعوب والأقليات والدول والدويلات، ويتشكَّل كذلك وعيها بمن ينتمي إليها ومن لا ينتمي، وتتبلور الهويّة السياسية والجغرافية والاقتصادية لتلك التجمُّعات، وتتبلور مفاهيم "نحن" و"هم"، من "معنا" ومن "علينا".

(9) يبدو أنّ هناك ارتباطاً من نوعٍ ما بين الخطاب السياسي وبعض المشاعر الإنسانية الغريزية كحب الوطن والغيرة على الدين والحفاظ على الحرمات والمحارم والأماكن المقدسة والنفور من الغرباء والرغبة في الانتماء وحب "الأهل" والأسرة والانتماء إلى دين أو عشيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آذار/2014 - 12/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م