في فلسطين.. الفن كوسيلة للتذكير بالمعاناة

 

شبكة النبأ: الفن وباختلاف ألوانه وأشكاله هو رسالة اتصالية فعالة، لها القدرة على التأثير بالرأي العام وفتح باب التواصل والحوار بين الثقافات المختلفة، وهو موهبة خاصة تحتاج إلى مهارات وقدرات هائلة قد لا يمتلكها الجميع كما يقول بعض أصحاب الاختصاص، لذا فقد استخدمها الفنان ومن خلال لمسة جمالية وإبداعية مميزة، كمشروع لطرح بعض الأفكار والتجارب الصور الفنية المختزلة، التي قد تجسد مضمون معين او تعالج بعض القضايا الإنسانية المؤثرة بهدف استنهاض مشاعر المتلقي.

تلك الخطوة قام بها قام بها بعض الفنانين في فلسطين المحتلة حيث حاولوا إيصال بعض معاناتهم عن طريق رسالة الفن خطوة، اعتبرها البعض تحرك قد يسهم في التذكير بالمعاناة في ظل اتساع رقعة الهيمنة الوحشية لإسرائيل.

بقايا صواريخ وشظايا قنابل 

وفي هذا الشأن فقد جمع الفنان التشكيلي الفلسطيني محمد الزمار بقايا صواريخ وشظايا قنابل وعبوات غاز فارعة وأظرف طلقات استخدمها الجيش الإسرائيلي في هجمات على قطاع غزة وحولها إلى أعمال فنية. وذكر الزمار أن إنتاجه الفني انعكاس لطبيعة الحياة تحت الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وقال الفنان الذي يقيم في مخيم البريج للاجئين في غزة "في فلسطين وفي الذات يعني في قطاع غزة الفن يختلف. الفن هو صورة.. هو مرآة الفنان ومرآة الشعب الفلسطيني. الفنان يعكس ما يعيشه الشعب الفلسطيني من معاناة والحرب والقصف والتهجير. فكان لا بد يعني من الخروج بفكرة تعكس ما نعيشه من واقع."

وذكر الزمار (30 عاما) أنه يسعى إلى توجيه رسالة من خلال استخدام أدوات القتل والتدمير في إنتاج عمل إبداعي. وقال "فكانت الفكرة هي عكس فكرة الاحتلال الإسرائيلي وتحويل الشظية من موت ودمار وحرب إلى حياة.. رسالة إلى العالم أنه نحن شعب فلسطيني نحاصر ونقتل ونهجر منذ 48.. يعني منذ أكثر من 65 عام." بحسب رويترز.

ويتولى رياض عبد السلام صديق محمد الزمار مساعدة صديقه الفنان في جمع الشظايا وبقايا القذائف الإسرائيلية ليستخدمها في عمله الإبداعي. وقال عبد السلام "أنا شجعت محمد من خلال طبعا أنه أنا يوميا على مدار الوقت تقريبا بأكون أنا ومحمد مع بعض.. فلقيت عند محمد أكثر من أسلوب أنه يعبر فيه من خلال الفن." وكان ناشطون فلسطينيون قد جمعوا عبوات الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت وذخائر أخرى استخدمتها القوات الإسرائيلية لمواجهة المحتجين الفلسطينيين وصنعوا منها قطعا فنية ضمها معرض في رام الله وبيت لحم بالضفة الغربية بعنوان (شيك مقاومة).

جدارية ضخمة

على صعيد متصل يضع خمسة وعشرون فنانا فلسطينيا اللمسات الاخيرة على ما قالوا انه اكبر جدارية في العالم العربي في مدينة نابلس. واطلق الفنانون اسم (هنا ارض كنعان) على الجدارية التي تمتد 130 مترا وبارتفاع ثمانية امتار على جدار ملعب كرة القدم في المدينة. وقال الفنان وائل دويكات فيما كان يواصل العمل مع زملائه في وضع اللمسات الاخيرة على الجدارية " قبل ان نبدأ.. عملنا اسكتشات (رسومات) لما ستكون عليه الجدارية فالعمل مخطط له مسبقا والصورة كانت لدينا واضحة لما نقوم به."

واضاف "اردنا لهذه الجدارية الضخمة الاكبر عربيا والرابعة عالميا ان تروي حكاية الشعب الفلسطيني منذ اول حضارة سكنت ارضه المتمثلة في الكنعانين." وتبدأ الجدارية ببيت من قصيدة شاعر فلسطين الراحل محمود درويش " على هذه الارض ما يستحق الحياة." واوضح دويكات ان اصل هذه الكلمات كنعانية وقمنا بكتابتها "بالطريقة الكنعانية المبعثرة الى جانب رسومات تمثل 21 حضارة سكنت فلسطين."

وتشتمل الجدارية على تسلل زمني لاهم الاحداث الفلسطينية مع ابراز الدور الكبير للمراة في نضال الشعب الفلسطينيي. ويمكن لزائر الجدارية ان يشاهد رسما لامرأة تحمل باقة من سنابل القمح وهي تنثر الرصاص منها الى جانب مقاتلين ملثمين يطلقون النار. وقال دويكات "كان للمرأة دور اساسي في تاريخنا النضالي فأردنا ان نبرز ذلك في هذه الجدارية التي تتحدث أيضا عن الانتفاضة والمقاومة والنكبة واستعادة الهوية."

ويظهر في الجدارية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خلال خطابه في الامم المتحدة عام 1974 الى جانب رسم لعجوز فلسطيني يحمل مفتاح بيته في يده في اشارة للاجئين. واشار دويكات الى انه تم اختيار انواع الالوان التي تقاوم الاحوال الجوية المختلفة من الامطار والرطوبة والشمس.

وتحدث دويكات بافتخار عن الدور الكبير للفنانات المشاركات في عمل الجدارية اللواتي بلغ عددهن 20 مشاركة من بين 25 مشاركا في رسم الجدارية. واوضحت الفنانة سها جرار التي كانت الالوان تغطي ملابسها انها سعيدة جدا بالمشاركة في هذا " العمل الوطني الكبير الذي يروي حكاية الشعب الفلسطيني قبل 3500 عام." واشتكت سها من قلة الدعم لهذا المشروع وقالت "لا يوجد اهتمام بالامور الفنية هناك مشاريع اخرى تافهة يتم صرف الكثير من المبالغ عليها نحن بحاجة الى الدعم لنسدد تكاليف المشروع." بحسب رويترز.

وبالرغم من عدم اكتمال الجدار بشكل نهائي الا انه يمكن ملاحظة عدد من الزوار يلتقطون الصور التذكارية الى جانبه. وقال الطبيب جمال ابو الكباش فيما كان يتلقط صورا لزوجته واطفاله مع الجدارية " لقد فوجئت بوجود هذه الجدارية.. فيها الكثير من الاشياء المثيرة." واضاف "هذه الجدارية تستحق المشاهدة من كل انسان يرى ان حقوقه ونضاله الطويل فيه الكثير من الصور الراسخة في اذهان الشعب الفلسطيني."

حياة سكان الكهوف

في السياق ذاته اختار المصور الارجنتيني ادواردو سوتيرس ان تكون صور معرضه باللونين الابيض والاسود للحديث عن حياة سكان الكهوف في منطقة صحراوية جنوبي مدينة الخليل بالضفة الغربية. وقال سوتيرس الذي افتتح معرضه في رام الله "اخترت 20 صورة لعرضها من بين أربعين ألفا التقطتها على مدار سنتين من ترددي على المنطقة وقضاء وقت طويل مع سكانها."

وتمثل صور المعرض جانبا من حياة سكان مجموعة من القرى الواقعة في الجنوب الصحراوي لمدينة الخليل يطلق عليها (مسافر يطا).. وهو ما حدا بسوتيرس إلى تسمية معرضه (مَسافر.. الحياة في الجيوب). ويقدم سوتيرس شرحا في نشرة حول المعرض سبب التسمية لهذه المنطقة التي بدأت منذ زمن العثمانين.

وقال نقلا عن المقيمين فيها "كان جباة الضرائب يذهبون الى تلك القرى ولا يجدون احدا ليجمعوا منه الضرائب فيضطرون بذلك لتسجيل قيمة الجرد لهم باصفار في مسافر يطا كما هو الحال في الصفر لا يوجد الا الفراغ." وروى سوتيرس قصته مع المكان خلال حفل الافتتاح "زرت المكان أكثر من مرة خلال السنوات الماضية وشعرت بحب المكان وقررت المكوث فيه وفعلا عدت ومكثت شهورا طويلة على مدار سنتين مع السكان الذين اعتبروني فردا منهم وعشت حياتهم." واضاف " كنت محظوظا بالعيش معهم كنت واحد منهم لم أجد صعوبة في اي مرة كنت اختار صور لمعرض كما وجدتها هذه المرة اردت تعكس هذه الصور باحترام اهالي مسافر يطا."

ويصف سوتيرس الحياة في هذه القرية بانها "بسيطة.. حياة الاشخاص الذين يعيشون قريبا من الارض.. قريبون جدا لدرجة ان العديد منهم ينام في رحم الارض في كهوف نحتوها هم واباؤهم واجدادهم من قبلهم." ويضيف ان حياتهم "بسيطة جدا لدرجة ان جميعهم يعتاشون من الشيء نفسه من اجل البقاء يربون الماشية والاغنام ويقومون بالزراعة البدائية النادرة."

وينقل سوتيرس في نشرة المعرض كما في صوره بعضا من معاناة هؤلاء "في هذا الفراغ يواصل مجموعة من السكان غير المعروفين لدى الاغلبية العيش في منطقة بلا ماء او كهرباء او طرق.. منطقة معزولة عن كل ما هو خارجها بسلسلة من المستوطنات الاسرائيلية التي تجعل الحياة في تلك المنطقة أكثر صعوبة يوما بعد يوم." ويقدر عدد سكان تلك المنطقة بحوالي 1800 شخص.

ويفرد سوتيرس مساحة في نشرة المعرض للحديث عما يقوم به الجيش الاسرائيلي من تدريبات عسكرية في المنطقة دون ان يلاحظ صورا في المعرض لتلك التدريبات. وقال "اليوم تم استبدال الصفر بالرقم 918.. في السبعينات تم اعلان منطقة مسافر يطا منطقة اطلاق نار رقم 918 وقد طلب الجيش ترحيل المواطنين كافة بالسرعة الممكنة ولا يزال الطلب معلقا حتى يومنا هذا."

ويمكن لزائري المعرض التمتع بلوحات فنية تظهر في بعض منها اراضي صحراوية واسعة واخرى لمواطنين يبذرون الحبوب فيها بالاضافة الى صور لتلميذة بزيها المدرسي. وينقل المعرض ايضا صورا للحياة من داخل الكهوف التي تخترقها اشعة الشمس من فتحة في السقف واخرى لعجوز وهي تصنع أحد منتجات الألبان بالاضافة الى صور لراعي يحمل ضأن ماعز ولد حديثا.

ويرى سوتيرس ان سكان هذه المنطقة "مجبرون على اسلوب عيش لم يختاروه بإرادتهم وانما كفعل تمرد واصرار ليسوا بحاجة الى مساعدات بل الى كرامة واعتراف بحقوقهم فهم اناس ليسوا خارج التاريخ او الخارطة هم جزء من هذا المجتمع لديهم حياتهم واحلامهم الخاصة." بحسب رويترز.

وقال محمود ابو هشهش مدير برامج الثقافة في مؤسسة عبد المحسن القطان التي ساهمت في تنظيم المعرض الى جانب مؤسسات اخرى "هذا المعرض هام وخاص ليس فقط بالمستوى الفني العالي للعمل ولكن بسبب ما تمر به المنطقة ومحاولات الاحتلال المستمرة لطرد سكانها." ويامل ستريوس ان ينجح في عرض صوره في أوروبا بعد أن ينتهي من عرضها في عدد من مدن الضفة الغربية. وقال " لقد قررت ان أخصص ثلاثين في المئة من ريع بيع الصور لمساعدة السكان وسيكون لهم قرار كيفية صرف هذه الاموال.

معلقات مطرزة بالحرير

من جانب اخر يستلهم الفنان الفلسطيني فائق عويس قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (قافية من اجل المعلقات) في انجاز عمل فني باستخدم فن الكتابة والتطريز. وعرض عويس الحائز على شهادة الدكتوراه عن عناصر الوحدة في الفن الاسلامي 12 لوحة فنية حملت كل منها مقطعا من احدى قصائد درويش مكتوبة بالخط العربي الكوفي مطرزة بالحرير في متحف درويش في رام الله.

ويروي عويس حكايته مع اللوحات الفنية التي استغرق العمل فيها عاما كاملا وشاركت في تطريزها لاجئات فلسطينيات في مخيم البقعة في الاردن. ويقول عويس "في صيف العام 2008 ذهبت الى مكتب محمود درويش في مركز خليل السكاكيني في رام الله لإهدائه ملصقا من جدارية ادوارد سعيد التي رسمتها في جامعة فرانسيسكو حيث استخدمنا كلمات من قصيدة درويش في رثاء ادوارد سعيد انا من هناك انا من هنا." ولم يسعف الوقت عويس في ايصال الاهداء فقد كان درويش في طريقه الى تلقي العلاج في الولايات المتحدة حيث توفي هناك دون ان يرى اللوحة.

ودفعت هذه الواقعة عويس إلى أن يبدأ في انجاز عمل فني "تحية وتقديرا له (درويش). وكانت الفكرة ان اجمع بين كلمات درويش وفن الخط العربي والاشكال الهندسية وتصميمها على شكل معلقات." واوضح عويس ان البداية كانت بتصميم هذه اللوحات طباعة على القماش ولكن وفاة والدته التي كانت تطرز الاثواب الفلسطينية جعلته يقرر ان يخلد ذكراها بتنفيذ هذه اللوحات بالتطريز اليدوي وهو الفن المعروف فلسطينيا.

ويقول عويس في نشرة وزعت مع المعرض "اخترت 10 ابيات او جمل (مما قاله درويش) وصممتها على شكل معلقات حيث تعتبر المعلقات من اشهر ما قيل في الشعر العربي القديم." ويضيف "ثم اضفت قطعتين ..الجملة الملهمة (انا لغتي.. انا معلقة.. معلقتان.. عشر.. هذه لغتي) ومقطع من قصائده الاخيرة (لا اريد لهذي القصيدة ان تنتهي)."

ويرجع عويس استخدامه الى الخط الكوفي الهندسي في تصميم اللوحات الفنية الى انه "خط ثابت وقوي يناسب كلمات قوية ككلمات درويش وربما كتبت المعلقات الاصلية قبل 2000 عام بخط شبيه." ويضيف "كما استخدمت الاشكال الهندسية والتماثل لتكوين اشكال ونماذج متكررة وغير متناهية للدلالة على قوة هذه الكلمات التي يمكن ان تتكرر الى ما لا نهاية وتعبيرا عن استمرار تمسكنا بكلمات درويش وانها باقية معنا ولن تنتهي."

واستخدم عويس خيط الحرير القريب الى الاحمر في عمل هذه اللوحات مشيرا الى ان هذا اللون كان يطغى على الاثواب الفلسطينية المطرزة. وقال عويس ان هذه المعلقات الاثني عشر هدية منه الى متحف محمود درويش الذي اقيم على تلة في رام الله مطلة على القدس حيث وري جثمانه الثرى فيها. وتستوقف اللوحات كل من ينظر اليها لمعرفة ما هو مكتوب فيها. ويكفي العارفين باشعار درويش قراءة كلمة واحدة لاكمال باقي الجملة. بحسب رويترز.

وقالت تمارا فيري الفنانة التشكيلية الفلسطينية خلال تجولها في المعرض الذي ضم اضافة الى المعلقات المطرزة بالحرير نسخا اخرى مطبوعة على القماش بنفس الطريقة "لقد تمكن (عويس) في ربط عدة امور بعمل فني واحد من خلال الكلمات والتطريز." واضافت " الخط العربي فيه فن عميق ومساحات وجدانية أحسن الفنان استخدامها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/آذار/2014 - 10/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م