شبكة النبأ: "معادلة" اثنان زائد
اثنين يساوي خمسة "لها جاذبيتها". مقولة شهيرة لـ دوستويفسكي واحد من
أكبر الكتاب الروس ومن أفضل الكتاب العالميين.
كل سؤال يبحث عن اجابة ليستقر في لحظة، ثم سؤال جديد واجابة اخرى،
ولا انتهاء لحدود الاسئلة أو مداها، ولا جواب واحد لكل سؤال.. هل لهذا
يطرح الانسان اسئلته منذ فجر الوعي الانساني، وحتى اخر ومضة لا يقاد
السؤال الأخير؟، أم انه لا يقتنع بكل الإجابات، وتراه دائما يعيد طرح
تساؤلاته، التي طرحها اخرون قبله، وسيطرحها آخرون غيرهم بعده؟.
لا يكون السؤال الا بحثا عن معنى، معنى للحياة وللموت، للاله
والانسان، للذاكرة أو النسيان، انه بحث عن معنى الوجود برمته.. هل
سيريحنا ان نعرف معنى وجودنا، في الوقت الذي نعيشه ونحياه، أم ان ذلك
باعتقادنا للسؤال، سيغير من هذا الوجود، او يقدم وجودا مغايرا لما نحن
عليه الان وهذه اللحظة، دون انتاج وجود جديد، أو تطوير لواقع وجود
موجود أصلا؟.
كل انسان فوق الدائرة الارضية، يطرح على نفسه سؤال المعنى، لا فرق
بين متعلم أو جاهل، غني أو فقير، رجل أو امراة، الا بمقدار العبارات
التي تصوغ السؤال، وما يستتبع ذلك من أجوبة متعددة، حتى الكثيرين من
الاطفال ينشغلون بسؤال سابق لمعنى وجودهم، وهو من اين اتى هذا الوجود،
وتشاغلهم الامهات والاباء، بقصص اللقلق أو الطائر الكبير لتطمين فضول
الأسئلة، فجواب الجنس مخيف لعقولهم بمقدار اخافته لعقولنا.
هل الثقافة بما نعرفها ونعرّفها، هي تساؤلات مستمرة عن المعنى،
وبالتالي ينشغل المثقف - المتثاقف بالبقاء عند تخوم الاسئلة المتجددة
ولا يبارحها، ويبقى منشغلا بتدويرها "من الدائرة"، وتربيعها "من
المربع"، وتكعيبها "من المكعب"، وتسطيلها "من المستطيل اذا صحت
التسمية"، او انه يبقى منشغلا بالتدوير "من اعادة انتاج الفضلات كما في
الصناعة" ولا يقوم بالتثوير أو التنوير؟.
هل الثقافة بما لا نعرفها ولا نعرّفها، هي ما يفترض أن تكون شاغل
المثقف - الثاقف، في انتاجه لمعاني جديدة لمعنى وجوده المتحقق؟. تطوير
وارتقاء للمعنى الموجود اصلا، حتى دون سؤال عن غاية وجوده أو انتهائه؟.
انشغل المثقف العربي ومثله العراقي، بطرح الكثير من الاسئلة، وهو في
طرحه لها استعار الكثير من الاجوبة، من بنيويات وما بعدها، وحداثات وما
بعدها، وتفكيك وما بعده، الا انه لم يقارب اجابة لاسئلته من محيطه
وبيئته، فكان السؤال احراجا متواصلا يضاف الى حرج الاجوبة، التي ظنها
كافية لتطمينه.. بمقدار هذه الاستعارة لأسئلة دائما ما كانت مستأنفة،
كانت أجوبتها لا تنتج معنى جديدا، أو لا تضيف الى المعنى الذي لديه،
الا بمقدار الانبهار او الاندحار.
لا عجب ان يعيش هذا المثقف، غربة وانفصالا وانفصاما عن واقعه، ولا
ينفك يظن دائما ان اسئلته هي فتوحات وانتصارات لا ينجلي غبار معاركها،
الا عن المزيد من الانهزام والانفصال والانفصام.
هل من دليل على كلمات كاتب هذه السطور؟
اكثر مما يحصى..
الانتفاضات العربية، أو لو شئت الثورات العربية، هل "رهص" المثقف
العربي ببداياتها، أم انه "رقص" على إيقاعاتها؟
أين كان وقتها؟
عند تخوم الاسئلة في الطوابق العليا لمناطق الفراغ.
يقدم الناقد التونسي الدكتور نزار شقرون رؤيته حول المثقف العربي
وارهاصاته، أو رقصاته، وأين كان، ومكانه داخل هذا التغيير، "الانتفاضات
– الثورات"، أنه "مصدوم" لأنه لم يساهم بشكل مباشر في إحداث
التغييرات.
والصورة الطاغية الآن، تستبعد أسئلة الإبداع العربي قياسا بانشغالات
باستحقاقات ومطالب السياسة والاقتصاد.
لم يستطع المثقف العربي أن يساير حركة الابداع، "لانه - وكأنه" يعيش
أزمة هوية في هذه اللحظة التاريخية التي تتشكل يوميا.
وهو يعيش "ذهول المبدع" أمام الأثر الذي تركته شبكات التواصل
الاجتماعي، والتي حققت في فترة وجيزة ما لم يستطع تحقيقه على امتداد
سنوات وخاصة فيما يتعلق بمستوى علاقة الإبداع بالمجتمع، حيث "لا معنى
للإبداع خارج دائرة التأثير الاجتماعي".
شعر المبدع بنوع من الخيبة جعلته يبدو أمام المجتمع وكأنه خارج لعبة
المتغيرات.
انه كذلك فعلا. لانه لازال يعيش عند "الأوهام المتوهمة" في منطقة
الفراغ، والتي يظن انه باشغالها واملائها باسئلته، سوف تقدم له اجابات
تطمئنه وتريحه.
منطقة الفراغ التي وردت في سياق العنوان، هي المنطقة الواصلة بين
الارض والسماء، او هي المنطقة الواصلة بين الله والانسان، ويتأتى
فراغها المستديم، من قدرتها على ابتلاع جميع الاسئلة، والتي تبقى مجرد
اسئلة تحوم في فراغات لامتناهية، سرمدية، ينقضي كل شيء ويزول، وتختفي
معه جميع الاسئلة والاجوبة، وتبقى السماء ويبقى الله، مانح كل الاجوبة،
والمعاني والوجود.
بامكاننا تضييق تلك المسافة من الفراغ، بمقدار تجسيد كل صفة من صفات
الله في انفسنا، وفي سلوكنا، فلا يمعننا الله ان نجسد الرحمة او المحبة
او الخير او الجمال، بأروع معنى في حياتنا، بهذا سوف نكتفي من طرح
الاسئلة عن معنى وجودنا، طالما اننا سنرتقي بهذا الوجود من خلال انتاج
معاني جديدة له. |