السياسي وسياسة تجهيل المواطن

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك جملة من المؤشرات عن العاملين في حقل السياسة (بالدول المتأخرة)، يمكن أن يلاحظها الباحثون والمتابعون، تؤكد إصرار السياسيين على القيام بما يلزم من خطوات لتجهيل المواطن، وهو أمر أو ظاهرة لا يمكن ملاحظتها في الدول المتطورة، لذلك فهي تقتصر على الدول المتأخرة، وعلى الانظمة السياسية البائسة!، إذ ليس هناك سياسي يتصدى لقيادة دولة ما، يعمل على تجهيل شعبه، باستثناء القادة السياسيين الفاشلين في الدول الفاشلة، لأن الجهل الذي يتعرض له المواطن، هو جهل للسياسي نفسه، كما أن نتائج هذا الجهل، لا تؤذي المواطن فقط، ولا تسلب حقوقه فقط، وإنما تطال أيضا، الطبقة السياسية التي تقود حملات منظَّمة لتجهيل الشعب!.

الهدف من تجهيل المواطن واضح للجميع، إذ يسعى السياسي على إبقاء الناس أو الشعب عموما، في مستوى ثقافي وفكري متدنٍ، حتى يمكنه السيطرة على الناس، من اجل تحقيق مآربه، التي لا تعدو كونها مادية بحتة، أما اذا كان المواطن ذا وعي عالٍ، وتفكير سليم، وثقافة معاصرة، فإنه لن يسمح للسياسي أن يستغله، أو يتلاعب به كما يشاء كي يحقق أهدافه ورغباته، لذلك ثمة صراع يحدث في الخفاء والعلن، يخوضه السياسي في الدول والشعوب المتأخرة، ضد المواطن تحديدا، هذا الصراع يهدف الى صناعة الجهل على مدار الساعة، وإجبار المواطن على أن يبقى ساكنا خاملا في مستنقع الجهل، فهذا الحال هو الواقع الوحيد الذي يضمن للسياسي تحقيق ما يصبو إليه، من منافع هي مادية بحتة في الغالب.

في الدول المتقدمة، ليس هناك صراع من هذا النوع، لأن المواطن على درجة كبيرة من الوعي، وذو مستوى ثقافي يحميه من الاستغلال السياسي، كما أن السياسي نفسه في هذه البلدان المتطورة، غالبا ما يكون ذا عقلية متزنة، وتركيبة نفسية متوازنة، فهو يحرص على حاضره ومستقبله السياسي، ويسعى لحماية سمعته في مجال القيادة والعمل، حتى يُتاح له النجاح في كسب اصوات الناس، والفوز مرة اخرى بالمنصب الذي يشغله، على العكس من السياسيين في البلدان المتأخرة، فهؤلاء لا يفكرون بمستقبلهم، لأنهم في الغالب، لا يعيرون أهمية للحاضر، ولا للمستقبل، ولا للعمل السياسي نفسه، وكل ما يهمهم، كيف يزداد ثراؤهم، وكيف يبقون في مناصبهم من خلال التجهيل وأساليب الزيف والقمع وما شابه، وهكذا يبدو لنا الفرق كبيرا بين الاثنين، أي بين السياسي الايجابي والسلبي.

كذلك علينا أن لا نغفل دور المواطن في الدول المتطورة، وقدرته على التحكم بالعمل السياسي وعناصره وقادته، من خلال صناديق الاقتراع التي لا تخطئ في اختيار السياسي الافضل، على العكس مما يحدث في انتخابات الدول المتأخرة، حيث السياسي يتحكم بالنتائج عبر الصفقات المسبقة، والتزوير، أو تجهيل الناخبين وخداعهم، بالتصويت له مقابل وعود كاذبة، أو طرق اخرى بائسة يستغل فيها السياسي فقر الناس، وحالة العوز التي يعانون منها.

وعندما نتحدث عن آفاق التغيير في هذه الرؤية وهذا المنهج الخاطئ، فإن الامر ليس مستحيلا، لأن الشعوب المتقدمة الآن، كانت تقبع تحت رحمة الخداع السياسي والتجهيل المتوارَث أيضا، ولكنها لم تبقَ جاهلة الى الابد، أي أن تلك الشعوب بادرت وخططت، وعملت بجدية لتغيير الواقع السياسي لها، فصارت هي التي تتحكم بالسياسيين، وليس العكس، كما يحدث الآن في بلداننا، إن المواطن الذي يتعرض لموجات التجهيل المتلاحقة من لدن السياسي، عليه أن يعرف السبل الكثيرة المتاحة له للتغيير، وأول هذه السبل، الوعي، والثقافة، والارادة، والعمل على فرض احترام الشعب على قادته السياسيين، من خلال تثقيف الشعب، ورفع مستوى وعيه، وتفعيل ارادته، وقدراته على التغيير نحو الأفضل.

هكذا يمكن للشعب الواعي، أن يحقق نقلة نوعية في حياته السياسية، التي ستنعكس حتما على مجالات حياته الاخرى، فعندما يفرض المواطن احترامه على قادته السياسيين، هذا يعني خطوة اولى نحو التقدم، لان السياسي عندما يعرف انه امام شعب واعٍ، ومواطن يفهم اللعبة السياسية ويعرف حقوقه وحرياته المدنية، فإنه سيحترم الشعب ويحرص على حقوقه، وهكذا يمكن أن يتغير الحال، من شعب خاضع للتجهيل، الى شعب واعٍ ومثقف، ومن قائد سياسي مستغِّل، الى سياسي يحرص على الشعب وحرياته وحقوقه، حتى يضمن له مستقبلا سياسيا ناجحا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/آذار/2014 - 10/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م