قيم التخلف: التهرّب من المسؤولية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تبني المجتمعات نفسها بالإرادة، والصبر، والعلم، والعمل المنظّم، وتنبذ المجتمعات المتقدمة قيم التخلف، وقد وصلت هذه الدول الى مرحلة مهمة من التقدم، بعد أن صممّت وقررت طرد القيم المتخلفة من حياتها، فيما بقيت مجتمعات ودول اخرى تتخبط في الجهل والاحتراب والتراجع الى الوراء، بسبب اعتناقها للقيم المتخلفة، وتمسكها بها، وكأنها دستور لا يجوز تجاوزه، وهكذا ترعى الدول والمجتمعات المتخلفة كل العادات الرديئة، وتبتعد عن القيم الجيدة التي تساعدها في العبور الى حقول التقدم، والسبب دائما غياب الارادة، الفردية والجماعية، وغياب الوعي والتخطيط للقضاء على قيم التخلف.

وغالبا ما يجد الانسان في المجتمع المتخلف، تبريرا يتيح له التهرّب من مسؤولياته، وهذا التبرير أو مجموعة التبريرات، تتمثل بمنظومة من القيم المتخلفة، يحتمي بها الفرد، حتى لا يتصدى لمسؤولياته في البناء والتطوير الذاتي والجمعي في وقت واحد، فهذا الانسان غالبا ما يكون مستعدّا لبيئة التخلف ومستأنسا بها، وربما يتطيّر من قيم التقدم وكل ما يمت لها بصلة، والسبب واضح تماما، أنه غير مستعد لبذل أي مجهود كي يتصدى لمسؤولياته لانه تتطلب نوعا من الالتزام والجهد والجدية على الصعيدين الفكري والعملي. لكن الانسان في المجتمع المتخلف يفتقر للارادة، ولا يجد نفسه في العمل والانتاج والتطور، بل على العكس يجد نفسه في الخمول والكسل والتشتت في مساحة الفراغ الواسعة التي يتسكع فيها، إنه الضياع بعينه.

إن الانسان في الدول المتأخرة، يحمل معه أعذاره، للتهرب من اداء أي نوع من المسؤولية، فهو دائما يكرر كلمات مثل (هذا أمر لا يعنيني!) أو (ماذا أفعل؟ هذه اي حدود قدراتي!) أو (لا يوجد شيء بيدي)، وهكذا نلاحظ تمسك الفرد وحتى الجماعة بهذه الثلاثية التي يستند اليها في تهربه من اداء ما عليه من واجب، ومثل هؤلاء الناس غالبا ما يشكو من فقدان الحقوق، متناسيا أن الحقوق لا تتحقق من دون الالتزام باداء الواجبات، ولكن ليس هناك استعداد يكفي لهؤلاء الناس، والسبب دائما تمسكهم بقيم التخلف التي تحد من تطلعاتهم نحو حاضر متطور، ومستقبل مُصان ومضمون.

الاسباب التي تكمن وراء هذا السلوك الذرائعي، هو منظومة التربية التي يعيشها المجتمعي المتأخر، فالطفل يفتح عينه و حواسه على محيط عائلي هو نفسه متأخر، ومتمسك بقيم بالية، لهذا تُبنى شخصية الطفل بزرع قيم التخلف في نفسه، ونموها معه، وعندما يعي الاشياء ويكبر، سوف يجد نفسه مكبلا بمنظومة من القيم والتقاليد والعادات، التي تحد من قدراته وتطلعاته، وتمنعه من الارتقاء الى مصاف الوعي الجاد واكتشاف الجديد دائما، والاستعداد للتغيير والتجديد الدائم، كما هو الحال في المجتمعات المتطورة.

وعندما ينتقل الطفل الى محيط أو سع من العائلة، أي الى المحيط المدرسي، سوف يعايش منظومة قيم التخلف نفسها، فالاطفال الذين يتواجد معهم يحملون نفس ما يجمله الطفل من قيم متراجعة، وكذلك بالنسبة للكادر التدريسي، كونهم نتاج المجتمع نفسه، فيبدأ الطفل رحلة جديدة مع القيم والعادات المتخلفة، فتنمو معه حالة التهرّب من المسؤولية، وضعف الارادة والخمول والعجز، الامر الذي يشل من قدراته ويحد من خياله وطموحاته، ليكتفي بما هو عليه من اوضاع مزرية، ينقلها معه الى العائلة والى اقرانه.

فيصبح الشعب كله متهرّبا من المسؤولية التي تقع على عاتقه، لذا نجد الجميع يرددون، هذا لا يعنيني، وماذا أفعل هذه حدود إمكانيتي، وغيرها من تبريرات، يرددها الجميع، ويتمسك بها الجميع، والنتيجة فشل مجتمعي شامل، يدل على غياب الارادة في التغيير، إذ أن الجهات الرسمية نفسها عاجزة عن تغيير المجتمع كونها لا تتحلى بالارادة المطلوبة ايضا، وفي حالة كهذه، لا سبيل للدولة والمجتمع والافراد نحو التقدم، إلا اذا توافرت الظروف والارادة، لينبذ الجميع القيم والعادات التي تكبل انطلاقهم نحو التحرر من قيود التخلف، كي يصبح الفرد ذا شخصية منتجة ومبدعة وطامحة الى الافضل دائما، بمساعدة الدولة والجهات المعنية التي ينبغي ان تخطط بطرق علمية لكيفية القضاء على القيم المتخلفة في نفوس افراد المجتمع كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/آذار/2014 - 9/جمادي الأولى/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م